أقلام

أدوات الإبتزاز المغربي تتلاشي؟

بقلم: عالي محمد لمين

 

لطالما أستخدم المخزن المغربي أدوات عديدة للضغط وللابتزاز السياسي في تعاملاته مع مختلف الدول والتكتلات القارية، قصد الحصول على مقايضات ومكاسب سياسية منافية للشرعية الدولية في ملفات وصعد مختلفة، خاصة فيما يتعلق باحتلاله للصحراء الغربية، وكانت القارة العجوز محطة أساسية ومسرحا لتوظيف هده الأدوات، كان أخرها مع إسبانيا، فهل أنتهى زمن الإبتزازالمغربي لأوروبا؟، بعد أن أستنزف البهلوني بوريطة تلك الوسائل والأدوات، وحولها إلى أوراق محروقة بلا قيمة ومنتهية الصلاحية.

بعد أن بلغت الإستفزازات المغربية مبلغا غير مسبوق في العلاقات الدولية، ووصلت حد الإستقواء بأوراق ضغط تبرز في ظاهرها “قوة المغرب” المصطنعة، غير أن مكمنها الضعف والإستهتار بأرواح الأبرياء من الشعب المغربي، حيث أستخدم المخزن أبنائه القصر ورمى بهم في عتمات البحر للدخول إلى مدينة سبتة المحتلة، أملا في الضغط على إسبانيا وللحصول وإنتزاع مكتسبات سياسية، على خلفية إستقبالها للرئيس الصحراوي الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي لدواعي إنسانية، حسب البيانات الرسمية للخارجية الإسبانية، وهو المعلن مغربيا من أسباب الأزمة، بيد أن باطنها الحقيقي، رفض إسبانيا ومن ورائها الإتحاد الاوروبي لمقتضيات تغريدة ترامب، حول “السيادة المغربية” المزعومة على الصحراء الغربية، وإلتزام أوروبا وعلى رأسها إسبانيا وألمانيا… بقرارات الأمم المتحدة في هذا الصدد، ودعوتهم لحل متوافق عليه للقضية الصحراوية.

أزمة ثقة

لقد هزت هذه الأزمة الثقة بين المملكة المغربية من جهة وإسبانيا مدعومة بالإتحاد الأوروبي من جهة أخرى، وحطمت سنوات من العلاقات القوية بين الجانبين، ومزقت الصورة المزيفة للمغرب، بإعتباره “شريك إستراتيجي” وشرطي أوروبا الذي لا يعصي لها أمرا، كما كان لها جانب أكثر خطورة على المملكة التوسعية، حيث أدت هذه الأزمة المفتعلة إلى إنكشاف جيوإستراتيجي عرى أوراق الضغط المغربية، وفي خضم الفرح ب”إنتصار وهمي” على إسبانيا، وصل الحد بمسؤول حزبي مغربي كبير للإعتراف بأن بلاده فتحت الحدود لتعاقب إسبانيا ب”الهجرة الغير قانونية”، ردا على موقفها من الصحراء الغربية، لقد أدى هذا الإنكشاف لجعل أوراق المخزن مكشوفة ومفضوحة، بعد ان أستخدمت لعقود عدة من تحت الطاولة ودون الإفصاح عن حقيقتها أو الإعتراف بإستخدامها لغرض الإبتزاز، كما عجل هذا الإنكشاف ببروز مناقشات أوروربية حقيقة وعميقة حول، ماهية أوراق الضغط المغربية؟، ومن يصنعها؟، وكيف تديرها المخابرات المغربية لإبتزاز العالم وأوروبا خصوصا؟

لقد طرحت الأزمة الأخيرة التي أستخدم فيها المخزن المغربي القصر والأطفال لإبتزاز إسبانيا، ومع الرعب الذي يشكله هاجس الهجرة لإسبانيا أسوة بأوروبا جمعاء، لقد طرحت أسئلة جوهرية في عواصم القرار الأوروبي وعلى رأسها بروكسل، حول الأسباب الحقيقة للأزمات المفتعلة مع المغرب والملفات المسكوت عنها من قبيل الهجرة والإرهاب والمخدرات وبدأت النخبة السياسية والحزبية والإعلامية ومجتمع الأمن والمخابرات ودوائر البحث والدراسات…، بدأت تلك النخب في دراستها، وتمحيصها لمعرفة ماهيتها، وتجنب حدوثها مستقبلا؟

الأسئلة الجوهرية

وإذا كانت أغلب الأسئلة الجوهرية مازالت طور البحث والتدقيق في مراكز السلطة والبحث الأوروبية، حول ملفات الضغط المغربية، فإن خلاصات عديدة وسريعة بدأت بعض النخب السياسية والإعلامية في الإقتراب من إستنتاجها، وأولها، حقيقة أن المملكة المغربية هي طرف مساهم وبشكل فعال في صناعة الإرهاب، أو على الأقل رعايته وغض الطرف عنه وتركه ينمو تحت أعين مخابرات محمد السادس، حيث تصنع أو تساهم الإستخبارات المغربية في صناعة الخلايا الارهابية “المخترقة”، وتراقب نموها عن كثب في الأحياء الفقيرة ومناطق الظل، عبر مخبريها وجواسيسها المنتشرين من المساجد حتى المقاهي والمطاعم ومحطات النقل وفي المؤسسات، وحتى بين المواطن المغربي وجلده، وبين الفينة والأخرى، تمن أجهزة المخابرات المغربية على الأوروبيين ببعض المعلومات حول الخلايا المتطرفة، وتمرر لهم خطط مفترضة عن أنشطتها في أوروبا والعالم، للتأكيد على أكذوبة “محاربة الإرهاب”، وثاني تلك الأوراق التي أضحت مفضوحة، تتعلق بملف الهجرة، حيث يوما بعد يوم يكتشف العالم كيف ينقل المغرب عشرات الالاف سنويا من المهاجرين عبر طائرات الخطوط الجوية المغربية وعبر ثغرة الكركرات الغير شرعية، ينقلهم المخزن من بلدانهم وخاصة من دول جنوب الساحل والصحراء إلى المملكة المغربية قصد توظيفهم، إما كأوراق ضغط كما حدث مؤخرا مع إسبانيا، أو للحصول على أموال من الجانب الأوروبي تحت ذريعة إعادة توطينهم وتشغيلهم، ولحلب أموال أخرى طائلة لغرض حراسة الحدود وتمويل قوات الأمن، وثالث تلك الأوراق المخدرات، وهي التي يعرف الجميع كيف تديرها الدولة المغربية كورقة لتهديد البلدان المجاورة وإختراقها والعبث بأمنها، ولدعم الجماعات الإهاربية، وللحصول على العائدات المالية الضخمة، إذ تزرع المخدرات وتحصد وتقولب وتباع على أعين مخابرات المخزن، وتنقل نحو الحدود الخارجية للمملكة، وخصوصا عبر الصحراء الغربية والجزائر وموريتانيا وصولا لأوروبا ومصر ودول الخليج… بإدارة من عصابات إجرامية منظمة محمية من منتسبين للسلطة المحلية والأمن والجيش…، و تستفيد من عائداتها المقدرة ب12 مليار دولار سنويا دوائر الحكم والشخصيات المقربة من القصر الملكي والعائلات النافذة، ولا عجب هنا أن تصنف مملكة “أمير المؤمنين” كأكبر مصدر للقنب الهندي في العالم، هذا حال وواقع المخدرات في المملكة التوسعية وهي محظورة وممنوعة في القانون المغربي، فما بالك وقد تم تشريع تجارة المخدرات، ل”أغراض طبية”، وفق القانون الأخير الذي وافق عليه البرلمان المغربي، وصاغته وزارة الداخلية في الحكومة الصورية لإخوان المغرب.

الملفات الحساسة

لقد تسبب الإستعمال المفرط والمبالغ فيه من بوريطة لتلك الملفات الحساسة، الإرهاب، الهجرة، المخدرات، وإستعجاله لتكريس واقع الإحتلال في الصحراء الغربية، مستندا على زخم مزيف لتغريدة من رئيس أمريكي طائش، وتطبيع مع الكيان الصهيوني هو موجود أصلا مند عقود، ودعم خليجي عسكري وسياسي ومالي وإعلامي، فتسبب ذلك الإستعمال المفرط لتلك الملفات لإنقلابها من أوراق إبتزاز لصالح المغرب إلى خاصرة رخوة تشكل عبئا ثقيلا على المملكة التوسعية، وبذلك “جنت على نفسها براقش”، فنتج من بين أمور كثيرة عن إستفزازات البهلواني وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، خاصة بعد أزمته مع ألمانيا وإسبانيا، نتج عنها صفعات متتالية تلقاها المخزن المغربي في الأيام العشرة الأولى من يونيو الجاري، كان أخرها اليوم الجمعة 11 يونيو الحالي، إذ صرح وزير الدولة في وزارة السياسة الإقليمية والخدمة العمومية، فيكتور فرانكوس بأن بلاده تدرس ضم سبتة ومليلية المحتلتين إلى النظام الجمركي للاتحاد الأوروبي ومنطقة شنغن، وبالتالي، فرض تأشيرة على المغاربة الراغبين في الدخول إليهما، وقبل هذه الضربة، تلقى المغرب صفعات متتالية أرجعته إلى حجمه الطبيعي، مع إنكفاء الدور الفرنسي ، الذي دأب على حماية التصرفات المغربية وتغطيتها، كان من من تلك الضربات، بخصوص القضايا الكيدية ضد الرئيس الأمين العام للجبهة ابراهيم غالي، القضاء الإسباني “لم يجد أدلة عينية ضد المدعى عليه في القضايا قيد التحقيق”، إضافة لنفي آفريكوم والبينتاغون إجراء أي جزء من مناورات “الأسد الإفريقي 2021″ في الصحراء الغربية، وكذا إدانة البرلمان الأوروبي المغرب لإستخدامه القصر للإبتزاز، أمس الخميس ، وتأكيده على موقف أوروبا الداعي لإيجاد حل تفاوضي في الصحراء الغربية، إضافة لبيان الخارجية الألمانية بدعوة رعاياها لمغادرة المغرب، بعد أسابيع من تجميد المغرب لعلاقاته من السفارة الالمانية بالرباط، ردا على رفض ألمانيا لقرار ترامب حول”السيادة” المزعومة، كما صرح الناطق بإسم الخارجية الأمريكية بأن إدارة بايدن غير معنية بتغريدة ترامب بخصوص الصحراء الغربية.

الغضب الأوروبي

لقد أفاض بوريطة بسياساته المنفعلة كأس الغضب الأوروبي، فجاء الرد سريعا بقرار البرلمان الأوروبي الذي يبدو أنه مقدمة فقط لخطوات عقابية أخرى، تبين للملكة التوسعية حجمها الحقيقي، وتوقف شطحات المراهق سياسيا بوريطة، وتظهر له عواقب شطحاته البهلونية وتصرفاته الغبية المستقوية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، والمسنودة من بعض المحميات الخليجية الوظيفية، ليجد المخزن نفسه اليوم وحيدا يبحث عن نصر هنا أو هناك ولو بإستحمار الشعب المغربي وتضليله بأخبار زائفة عن مناورة “الأسد الإفريقي 2021″، والإدعاء بتنفيذ جزء منها في الأراضي الصحراوية المحلتة بمنطقة المحبس، وتصوير الأمر على أنه إعتراف ضمني من إدارة بايدن بتغريدة ترامب، حول “السيادة المزعومة”، وبمأن حبل التضليل والكذب قصير، فقد كان أول المكذبين موقع “كود” المغربي، الذي عنون باللهجة المحلية “مناورات الاسد الافريقي البارح كانت ف گرير البويهي جنوب الزاك ماشي ف المحبس”، كما نشر موقع قناة “العربي” اللندية الممولة من قطر خبرا نفى فيه الإدعاءات المغربية، تحت عنوان “الأسد الإفريقي 2021.. تساؤلات ترافق أكبر مناورة أميركية مغربية قرب الصحراء”، موقع الجزيرة نت بدوره حذف خبرا مضللا عن الموضوع، أجتر فيه الدعاية المغربية دون تمحيص.

ضغوط المخزن

يشير غضب الأوروبيين، وعدم رضوخهم لضغوط المخزن، وتوبيخهم للمغرب بقرار الإدانة الأخير، وتأكيدهم عن موقفهم الثابت من الملف الصحراوي، وإنزواء فرنسا، وصمتها عن الضربات الأوروبية التي يتلقاها المغرب كل من ألمانيا وإسبانيا…، وهي التي ظلت تعتبره إبنها المدلل موفرة له الحماية والدعم، يشير ذلك كله إلى قرب تلاشي ملفات الضغط المغربية وإنكشافها تكتيكات المخزن، وختمها بالشمع أو على الأقل التقليل من فعاليتها في إطار العلاقات البينية بين المملكة المغربية والإتحاد الاوروبي، لتنتهي بذلك عقود من الإبتزاز، عقود من المتجارة بالإدعاءات المضللة حول محاربة المغرب للإرهاب ومكافحته المزعومة للهجرة والمخدرات، وهو صانع تلك الأوراق في أغلب جوانبها عبر مخابراته وسياساته المختلفة، وتاليا، تجبر المملكة المغربية على التصرف كدولة تحترم إلتزاماتها الدولية تجاه الدول المجاورة والعالم، بعد أربعة سنوات من الدبلوماسية الهجومية المندفعة، فهل استفاق بوريطة من حلمه بإجبار العالم على القبول بشرعنة الإحتلال في الصحراء الغربية، أم مازال من الواهمين؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى