
بقلم: احسن خلاص
أثارت صورة متداولة تظهر الرئيس عبد المجيد تبون يسدل يديه وهو يتقدم المصلين بالمسجد النبوي بالمدينة المنورة بينما فضل بقية الوفد الجزائري القبض في الصلاة. وإن كانت الصورة بسيطة وعادية إلا أنها أثارت إشكالية انسجام الفكر والسلوك الديني لدى أفراد السلطة القائمة فإذا كانت الممارسة الدينية شأنا فرديا فلماذا تقام شعيرة الصلاة بهذا الشكل وعلى مرأى الكاميرات وضمن وفد رسمي انتقل من الجزائر إلى أرض الحرمين وإذا كان الأمر نشاطا رسميا فلماذا ظهر وقد ترك المجال لاجتهادات فردية معزولة لكل طرف من أطراف الوفد؟ أم أن صلاة الرئيس أمام العامة شأن لا يدخل في البرنامج البروتوكولي؟
ينص الدستور الجزائري في مادته الثانية على أن الإسلام دين الدولة ومن هذا المنطلق فإن رئيس الجمهورية الذي يمثل الدولة الجزائرية لدى الغير لا يمكنه أن يخرج عن نطاق التعاليم الإسلامية في حركاته وسكناته، ولأن التمثيل الديني يشمل الشكل والمضمون فإن دائرة التشريفات للرئاسة أو غيرها لا يمكنها أن تغض الطرف عن جوانب شكلية في الحركة والخطاب والسلوك يمكنها أن تثير الانتباه والجدل لاسيما عندما يتعلق الأمر برئيس الجمهورية.
ويعتبر أداء رئيس الجمهورية صلاة العيد أحد المناسبات التي تظهر فيها رسميا التباينات المذهبية ففضلا عن أنها تضم قادة المؤسسات الدستورية والحكومة فهي تضم ممثلين عن السلك الديبلوماسي للبلدان الإسلامية في الجزائر وهي صلاة تدخل ضمن أعراف وتقاليد الدولة دون أن يكون لها سند دستوري أو قانوني ومن هنا فإنه لم يتخلف عنها إلا الرئيس علي كافي طواعية والرئيس بوتفليقة كرها بسبب عجزه الجسدي.
وعلى عكس الكثير من البلدان الإسلامية التي تتميز بالتنوع المذهبي والطائفي عقيدة وفقها وتصوفا فإن الرئيس الجزائري لا يمكن أن يجد حرجا في الاختيار بين هذا المذهب أو ذاك من منطلق أن الدولة الجزائرية تتبنى رسميا وعلى المستوى الحكومي المذهب المالكي في الفقه والأشعري في العقيدة ومذهب الجنيد في التصوف فيما يسمى اليوم رسميا المرجعية الوطنية الدينية.
لقد جاء في مخطط الحكومة أن هذه الأخيرة “تعتزم تدعيم قواعد المرجعية الدينية الوطنية وتعزيز أسسها من خلال ترقية خطاب ديني يطبعه ويميزه الاعتدال والإنسانية والانسجام الاجتماعي والوسطية” ولا تقف الحكومة عند هذا الحد فهي تنوي مواصلة برنامج يعد امتدادا لسياسات سابقة تتمثل في أنه بعد أن يُمكّن لهذه المرجعية من الهيمنة الدينية على المجتمع وزحزحة المرجعيات الدينية الدخيلة لاسيما التيار السلفي بكل فروعه ستتوجه نحو تصديرها إلى عموم إفريقيا لاسيما دول الساحل فقد جاء في مخطط الحكومة أنه “سيتم العمل على تعزيز مكانة الممارسات الدينية العريقة للمجتمع الجزائري من أجل إحداث تأثير ديني يميزه الاعتدال والتسامح ونشر السلم في إفريقيا وفي بلدان أخرى في العالم.”
وإن لم تحدده باسمه المتداول فإن الحكومة تعول في أداء مهمتها على خطة يكون الجامع الأعظم بالجزائر العاصمة محورها ونقطة ارتكاز الشبكة الوطنية للهيئات التي تتكفل بتسيير النشاط الديني حيث “سيشكل جامع الجزائر الجديد مركزا للإشعاع الروحي والعلمي” كما ورد في خطة الحكومة.
غير أن الجامع الأعظم الذي انتهى إنجازه لم يدشن بعد ولم يفتح أبوابه للمصلين وطلبة العلم وقد كان الرئيس السابق حريصا على أن يتولى هو تدشينه لولا أن الحراك الشعبي فاجأه بحرمانه من ذلك فهل ستكون مناسبة يوم العلم التي ستأتي عشية رمضان هذه السنة مناسبة لتدشينه من قبل رئيس كان حريصا عندما كان وزيرا للسكن لتفقد أشغاله دوريا حتى أنه قال ذات يوم إننا “سنصلي فيه ولو كره الفرنسيون”؟
وإذا كانت الجزائر بمنأى عن حدة الصراعات الطائفية إلا أنها ليست بمنأى عن الجدل الديني فقد كانت خلال السنوات الفارطة ساحة لتنازع ديني وإن كان تمظهره عرضيا من خلال ظهور الطائفة الأحمدية وطوائف أخرى ذات تواجد محلي إلا أنه يظل يترقب فرصته للعودة إلى الساحة من جديد في عالم تظل فيه المنظمات والهيئات الدولية تترصد مدى احترام دول مثل الجزائر لحرية الفكر والمعتقد والممارسة الدينية وقد رأينا ذلك في انتقاد الموقف الرسمي من إفطار جزائريين في شهر رمضان ومن تعامل قوات الأمن مع الجماعات التي كانت تمارس شعائر دينية غير إسلامية لاسيما ظاهرة التنصير.
وها هي بوادر الجدل السياسي ذي الخلفية الدينية تعود من قسنطينة وقد افتتحه رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري المحسوبة على تيار الإسلام السياسي عندما ذكر أن”بعض القوى أرادت التفرقة بين الجزائريين وأنا أحمل التيار العلماني المتطرف المسؤولية” قبل أن يتهم هذا الأخير بأنه محل اختراق من عملاء فرنسا والحركة الماسونية ويضيف ما هو أخطر عندما قال “هناك مواقع الكترونية ومنظمات تابعة للماسونية يدفع لها للتأليب على الجزائر”.
مثل هذه المواقف من شأنها أن تشعل جدلا إيديولوجيا بخلفية دينية قد تكون له تأثيرات سلبية على انسجام الحراك الشعبي في الجزائر وتحول الاهتمام عن الإشكالية المركزية وهي التحول السياسي الديمقراطي الذي ينشده جميع الجزائريين.
تعليق واحد