أقلامالأولى

أي مصير للأحزاب بعد 12 جوان؟

بقلم احسن خلاص

حدد رئيس السلطة الوطنية لتنظيم الانتخابات محمد شرفي هذا الخميس 20 ماي لانطلاق الحملة الانتخابية للتشريعيات المسبقة التي ينتظر أن تنتج للجزائريين مجلسا شعبيا وطنيا سادسا في ظل التعددية السياسية. وتتطلع أعين المهتمين بهذه الانتخابات لأن يكون موعد 12 جوان المقبل مختلفا جذريا عن المواعيد الانتخابية البرلمانية السابقة وأن يشكل القطيعة على مستويات عدة مع ما ألفته الطبقة السياسية في الماضي من نمطية فرضتها طبيعة النظام السياسي الذي لم يكن يترك شيئا للصدفة ولم يكن يدع مجالا للمفاجأة.

وضمن محاولاتنا البحث عما يمكن أن تختلف فيه انتخابات هذا العام عن مثيلاتها في الأعوام الماضية يجدر بنا أن نعيد إلى أذهان القارئ ما ميز تلك الانتخابات فإذا تكررت المظاهر ذاتها لا يمكن الحديث هذه المرة عن انتخابات مفصلية، لكنه إذا تبين أن هناك مظاهر أخرى جديدة فإنه يمكن أن نناقش فكرة اختلاف هذا الموعد عن المواعيد السابقة.

اجتهدت السلطة من خلال تعديلات هامة على قانون الانتخابات لترسل رسائل سياسية مفادها أن انتخابات 12 جوان ستختلف حتما عن سابقاتها فقد اعترضت بقوة القانون الذين سكنوا قبة البرلمان لعقود من الزمن عندما منعت ترشح من تجاوز العهدة الواحدة من إعادة ترشيح نفسه لعهدة ثالثة وهو ما يضمن حتما غياب أكثر من نصف عدد النواب الذين شغلوا الفترات التشريعية الماضية.

ولم تكن ظاهرة تراكم الفترات التشريعية مقتصرة على نواب الموالاة السابقين بل شملت نوابا من أحزاب المعارضة بالنظر إلى كون أغلبهم أعضاء قياديون في تلك الأحزاب فلا يمكن الاستغناء عن ولايتهم البرلمانية وتركها لأفراد جدد خشية الانفلات والرحيل إلى أحزاب أخرى أو الانضمام إلى كتلة الأحرار. ولأن النائب يعود لحزبه بمداخيل سنوية تصل إلى 400 ألف دينار بالنسبة للنواب الرجال وإلى 500 ألف دينار بالنسبة للنواب النساء وهي مبالغ تصب في الحسابات البنكية للأحزاب فإن من مصلحة الكثير من هذه الأحزاب أن يظل تمثيل الحزب مقتصرا على الفئة القيادية. غير أن القانون هذه المرة سيغير كثيرا من معادلة تمثيل الأحزاب داخل المجلس الشعبي الوطني لأنه سيتيح المجال لظهور جيل جديد من النواب بإمكانه أن يكتسب مبررات ليكون على رأس القيادة من منطلق أنه صار مصدر مداخيل سنوية ثمينة وضرورية لتغطية ميزانيات الأحزاب وهي بمثابة دعم من الدولة منصوص عليه في الدستور.

ومما سيعزز من مكانة النواب الجدد الذين يدخلون قبة البرلمان لأول مرة أن نظام الاقتراع القائم على القائمة المفتوحة يجعل اختيار الأفراد أكثر أهمية من اختيار القائمة ذاتها وهو ما يجعل التنافس بين المترشحين على مستويين مختلفين أحدهما داخلي بين مرشحي القائمة الواحدة وبينهم وبين مترشحي القوائم الأخرى. وهو ما يقلب سلم القيم ذاته عندما يصبح الفضل في نجاح القوائم مرهونا بمكانة المترشحين أنفسهم لدى الناخبين. ومن هنا فإن من النتائج المحتملة لانتخابات هذا العام أن الكثير من الأحزاب ستحاول التخلص من حرسها القديم والدفع بالجيل الجديد من النواب إلى الصعود في سلم القيادة بمناسبة مؤتمرات الأحزاب القادمة وقد تلجأ القيادات الحالية إلى المناورة وتأخير عقد المؤتمرات لصد زحف الجيل الجديد فضلا عن أنه لا مفر للكثير من الأحزاب من بروز قيادات نسائية. وسيساعد على هذا الحراك الداخلي في الأحزاب أن كل النواب الجدد سيتسنى لهم أن يقيموا بالجزائر العاصمة بقرب مقرات أحزابهم مما سيجعلهم يطمحون لأن يتجاوزا موقع المسؤولية المحلية إلى موقع المسؤولية المركزية.

لكن ثمة عامل سياسي لا يقل أهمية هو حضور القوائم الحرة بقوة وإذا ما تمكن نصف عددها فقط من التمثيل في المجلس الشعبي الوطني المقبل فإن المعادلة السياسية ستنقلب بدرجة عالية لأن ذلك سيكون ايذانا بسقوط الخارطة السياسية التقليدية وبروز نخب سياسية جديدة انطلاقا من البرلمان وقد تشكل أحزابا لتضفي لنفسها لونا سياسيا غير أن هذه الأحزاب لا يمكن لها الاستفادة من إعانات الدولة بالشكل الذي تحدثنا عنه في السابق لأن نجاحها لم يكن تحت مظلة حزبية، ولعل هذا سيمنع البرلمان القادم من أن يصبح مصدر ثراء للأحزاب مثل ما حدث في الفترات التشريعية الماضية إذ حدث على سبيل المثال أن تحصل حزب جبهة التحرير الوطني على 220 مقعدا في انتخابات 2012 وهو ما يعني حصول الحزب على مبلغ يفوق بكثير 10 ملايير سنتم سنويا و50 مليار سنتم على مدى الفترة التشريعية. وإذا اضفنا إلى هذه المبالغ ما تحصل عليه التجمع الوطني الديمقراطي وبقية الأحزاب فإنه يحق أن تطلق على الأحزاب الممثلة في البرلمان صفة الأحزاب الملتهمة للميزانية partis budgetivores فهل تريد السلطة أن تضع حدا لاستنزاف المال العام لتغذية أحزاب عقيمة سياسيا وتنظيميا أم أنها ستدعم حضورها في المجلس الشعبي الوطني المقبل مقابل صمتها وتزكيتها السياسات غير الشعبية التي ينتظر أن تقدم عليها الحكومة القادمة؟ نتائج انتخابات 12 جوان كفيلة لوحدها لتظهر لنا التوجهات الكبرى. وكون التمثيل البرلماني للأحزاب مدر لمداخيل لا يمكن الاستغناء عنها بسهولة كفيل أيضا بأن يفسر لنا تلهف أغلب الأحزاب للمشاركة في التشريعيات لاسيما من التيار المحافظ والتيار الاسلامي الذي انقسم إلى عشرات الأحزاب التي ستحاول تصيد نصيبها من الريع.

المؤكد أن الانتخابات التشريعية لهذا العام ولو لم تعد بطفرة سياسية خاصة مع غياب التيار اليساري والعلماني فإنها ستكون دافعا لتغيير موازين القوة داخل الأحزاب ذاتها بظهور فاعلين جدد ولوضع الأحزاب في حجمها الحقيقي بعد تجفيف منابع تمويلها البرلماني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى