أقلام

إعادة تشكيل الذات.. كيف يُحفّز الفن التغيير العميق في الصحّة النّفسية ؟

في عالم يتّسم بسرعة التغيرات والتحديات النفسية المتزايدة، يبرز الفن كأداة غير متوقعة لكن قوية لإعادة برمجة العالم النفسي للأفراد. لا يقتصر تأثير الفن على كونه مجرد تعبير عن الجمال أو وسيلة للترفيه، بل يمتد ليشمل القدرة على تغيير الطريقة التي ندرك بها أنفسنا والعالم من حولنا. هذا التأثير العميق يعود إلى العلاقة الوثيقة بين الفن وعلم النفس، وتطبيقاته كوسيلة فعالة للعلاج النفسي‪.‬‬
الفن، بطبيعته، يشجع على التعبير الإبداعي والتواصل العميق مع الذات. في السياق النفسي، يوفر الفن وسيلة غير تقليدية للتواصل، خاصةً لأولئك الذين يجدون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم بالكلمات. من خلال تقنيات العلاج بالفن، يتمكن الأفراد من استكشاف وتفسير مشاعرهم وتجاربهم بطريقة تُعزز من الفهم العميق والتغيير الشخصي. على سبيل المثال، يُستخدم العلاج بالفن مع الأطفال الذين يعانون من اضطرابات سلوكية لتوفير وسيلة للتعبير عن أنفسهم والتعامل مع مشاعرهم بطريقة صحية، إذ يجد الأطفال في الرسم والنحت وسيلة لإخراج تجاربهم وصراعاتهم بطريقة لا يمكنهم التعبير عنها بوضوح من خلال اللغة‪.‬ كما أنّ تأثير الفن يمتد أيضًا إلى معالجة الصدمات النفسية والاضطرابات المزمنة. فالدراسات أظهرت أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة يمكنهم الاستفادة من العلاج بالفن كوسيلة لاستكشاف وتفريغ صدماتهم. من خلال استخدام الفن، يمكن لهؤلاء الأفراد مواجهة مشاعرهم العميقة ومعالجتها بطريقة أكثر أمانًا وفعالية. الفنون البصرية، على سبيل المثال، تسمح للفرد بتصوير تجاربه العاطفية بشكل ملموس، مما يتيح له فرصة لإعادة تقييم تلك التجارب وتفكيكها بطريقة أقل تهديدًا.‬
بالإضافة أنّ الأثر النفسي للفن يظهر أيضًا في تحسين الحالة المزاجية وتعزيز الشعور بالرفاهية. كما أنّ المشاركة في الأنشطة الفنية قد تؤدي إلى تقليل مستويات التوتر والقلق وتحسين الرفاهية العامة. هذا التأثير يعود إلى كيفية تفاعل الدماغ مع الأنشطة الإبداعية.
عندما ينغمس الأفراد في عملية الإبداع، يتم تحفيز مناطق في الدماغ مسؤولة عن المشاعر والذاكرة، مما يعزز من الشعور بالرضا النفسي والتوازن الداخلي. الفنون تقدم للأفراد فرصة لتجربة عالم من الإبداع والتفكير، وهو ما يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية على مزاجهم ورفاهيتهم العامة‪.‬‬
الجانب الآخر من تأثير الفن يكمن في قدرته على إعادة برمجة أنماط التفكير. فمن خلال ممارسة الفنون، يمكن للأفراد تغيير نمط تفكيرهم وإعادة تقييم تجاربهم بطرق جديدة. هذا التغيير في التفكير يمكن أن يؤدي إلى تحسين القدرة على حل المشكلات وتقديم حلول مبتكرة للتحديات الشخصية. فالعملية الإبداعية في الفن ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل هي أيضًا أداة لإعادة تشكيل طريقة تفكير الأفراد وتقديم رؤى جديدة لواقعهم‪.‬‬
والجدير بالذكر، أنّ تطبيقات العلاج بالفن تمتد أيضًا إلى المجتمع، حيث يُستخدم الفن كوسيلة لتعزيز التفاعل الاجتماعي وبناء المجتمع. وفي دور الرعاية المجتمعية، يُستخدم الفن كأداة لتعزيز التواصل والتفاعل بين الأفراد، مما يسهم في تقوية الروابط الاجتماعية وتعزيز الإحساس بالانتماء. هذا التأثير الاجتماعي للفن يعزز من دوره كوسيلة لتحسين الصحة النفسية والتواصل بين الأفراد‪.‬‬
في الختام، يُظهر الفن قدرته الفائقة على إعادة برمجة العالم النفسي للأفراد من خلال تأثيره العميق في علم النفس والعلاج. فمن خلال توفير وسيلة للتعبير عن المشاعر، وتعزيز التفكير الإبداعي، وتحسين الصحة النفسية، يثبت الفن أنه أداة قوية وفعالة في تحسين جودة الحياة وتغيير النظرة إلى العالم. فبفضل تطبيقاته المتعددة والناجحة، يمكننا أن نرى كيف يمكن للفن أن يلعب دورًا حاسمًا في معالجة القضايا النفسية وتعزيز الرفاهية الشخصية والاجتماعية‪.‬‬
– فكيف يمكن استكشاف دمج تقنيات الفن مع الأساليب العلاجية التقليدية لتعزيز الفوائد النفسية وتقديم حلول مبتكرة لمشاكل الصحة النفسية؟
‪ ‬‬

بقلم الباحثة ياسمين شطورو/تونس ‪ ‬‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى