أقلام

إعادة قراءة التاريخ.. مجموعة من الأكاذيب طمست الحقائق

على امتداد القرن العشرين، تم حشو عقول البشرية بمجموعة لا نهاية لها من الأكاذيب التي طمست الحقائق بعيداً حتى أصبحت صعبة المنال، بحيث لا تجد العقول أمامها سوى الأكاذيب والتدليس في السياسة والعلوم والفكر والاجتماع والحرب والدين والأخلاق، وغيرها، عن طريق الإعلام والدراما والمدارس والجامعات والمكتبات والأراشيف والموسوعات ومراكز البحوث والدراسات والمعلومات، التي كانت الأموال والمؤسسات والنخبة اليهودية تسيطر عليها سيطرة شبه كاملة، وقد أشرت في مقالي السابق (الصعود اليهودي الثالث) إلى ضرورة إعادة قراءة التاريخ لكي نقف على حقيقة الأمر، وكشف التزييف الذي تعيشه البشرية في كافة زوايا حياتها، وفي هذا المقال نعرض لبعض الأكاذيب التي طمست أعين الناس وعقولهم، وأصبح من الصعب عليك إقناعهم بخلافها، حتى جاءت حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لتهزّ وجدان البشرية وعقلها من جديد، وتطرح الأسئلة التي لم يتح لها طرحها من قبل في دوامة الخداع والتضليل التي تعيشها.

أكذوبة عصر التنوير

ربما كان أكبر هذا الأكاذيب ما اشتهر بعصر التنوير الذي حرر أوروبا من الجهل والتخلف والاستبداد والإقطاع، وفتح لها أبواب الحرية والعلم والتطوير وسيادة العقل وحقوق الإنسان القائمة على العدالة والمساواة، وعلى هذا الأساس انتشر هذا الفهم إلى جميع دول العالم، وأصبحت أوروبا حاضنة التنوير، ومشعل التطور والحضارة الذي سيخرج هذه الدول من الظلام إلى النور، ومن التخلف إلى الرقي ومن الجهل إلى العلم والتقدم، وأصبحت الجامعات والمدارس في جميع أنحاء العالم تدرّس طلابها عصر التنوير ورواده وفلاسفته ودوره في تطوير الدول الأوروبية التي صارت تستقبل سنوياً مئات الطلاب والباحثين لدراسة التنوير، ونقل فكره إلى دول العالم الثالث التي تتطلع إلى الحرية والتحضر والتقدم. وحقيقة الأمر أن هذا العصر كان عصر هيمنة الماسونية على أوروبا، وعصر تدمير العالم القديم وإسقاط السلطة الملكية والاقتصادية والدينية والاجتماعية والأخلاقية؛ وإنشاء العالم الحديث القائم على أسس تمكّن الحركة الماسونية من إحكام السيطرة على النظام السياسي والاقتصادي والتشريعي دون منافسة، نظام يقوم على تقديس العقل والعلم والحرية المطلقة والنظرية الرأسمالية والسلطة النيابية التي تملك التشريع نيابة عن الشعب، دون أي اعتبار للدين والأخلاق والكيانية المجتمعية.
وقد رأينا أن جميع الدول الأوروبية التي اجتاحتها أنوار التنوير المظلمة، انطلقت في حملات استعمارية لجميع أقطار العالم، أشد بأساً واستبداداً وقتلاً ونهباً مما كانت عليه قبل التنوير أيام الاستعمار الإسباني والبرتغالي. وما زالت الدول التي تم استعمارها منذ أكثر من 170 عاماً؛ تئن تحت وطأة الفقر والتخلف والمرض والاستبداد والصراعات ونهب الخيرات حتى يومنا هذا، وما زال الاستعمار الذي انطلق من رحم عصر التنوير وغادرت جيوشه الدول التي استعمرها في النصف الأول من القرن الماضي؛ يهيمن عليها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً وإعلامياً وثقافياً، ولم تجلب أفكار التنوير لتلك الدول سوى مزيد من الفقر والجهل والاستبداد والقتل والدمار.

أكاذيب صهيونية

تعلمنا منذ بدايات القرن الماضي أن (إسرائيل) مشروع استعماري، أقامته الدول الغربية في الوطن العربي لتمنع استقراره، ولتكون خنجراً مسموماً في خاصرته، فيبقى مريضاً مضطرباً لا يقوى على النهوض والنمو والازدهار من جديد، ولتحافظ على نفوذ الاستعمار الغربي في المنطقة بعد انسحابه منها، إلا أن الحقيقة التاريخية خلاف ذلك، فقد كانت النفوذ اليهودي الماسوني في أوروبا في القرن ١٩م نفوذاً واسعاً، وخاصة في بريطانيا التي كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وكان لهم دور كبير في تفكيك أطراف الدولة العثمانية، وخلخلتها من أعماقها، حتى تم هزيمتها في الحرب العالمية الأولى التي تحتاج منا إلى وقف خاصة لنتعرف على حجم الأكاذيب التي تحيط بها، والتي ضللت العالم حتى اليوم.
لم يكن (وعد بلفور) منحة بريطانية لليهود، وإنما كان استحقاقاً لازماً، وتطلعاً عالمياً واسعاً على مستوى الحركة الماسونية، ولكنه تم إخراجه على هذا النحو لذر الرماد في عيون العرب الذين ساندوا بريطانيا في الحرب العالمي الأولى ضد الدولة العثمانية، ولتعزيز التعاطف الغربي مع اليهود.
وتعلمنا أن اليهود كانوا مضطهدين في أوروبا المسيحية، وأنهم كانوا يعيشون في مناطق مغلقة عليهم تسمى (غيتوهات)، وأنه كان يحظر عليهم دخول الأسواق المسيحية ولا الظهور في أعيادهم. وهذا في معظمه على خلاف الحقيقة، فدائما ما تتعرض الأقليات الاضطهاد والاعتداءات في أي مجتمع من المجتمعات، وخاصة في زمن الدول الاستبدادية وغياب القانون. وغالبية ما كتب في هذا الموضوع، وما يتغذى عليه البشر في جميع أنحاء العالم، إنما تم بأيدي كتاب وباحثين وروائيين يهود، بالغوا في تصوير مظلوميتهم ليكتسبوا تعاطف دول العالم، وتعاطف شعوب الدول الغربية التي يسيطر اليهود على حكوماتها (الديمقراطية).
لا أحد منا يتذكر في حياته أنه شاهد فيلماً درامياً أو وثائقياً أو قرأ كتاباً يتناول جرائم الحلفاء الأوروبيين في الحربين العالميتين الأولى والثانية. لقد امتلأت رفوف المكتبات بالكتب والدراسات والموسوعات التي تتحدث عن جرائم النازية في الحرب العالمية الثانية، ورغم مرور أكثر من ٨٠ عاماً على هذه الحرب، لا يكاد يمر عام أو عامان دون أن تقدم السينما فيلماً جديداً يرسّخ في عقول البشرية ووجدانها الأكاذيب القديمة حول النازية.
لا تنتهي الأكاذيب عند هذا الحد، فالحديث فيها يحتاج إلى عشرات المجلدات، وهو يحتاج إلى انقلاب سياسي هائل يمهد الطريق لمراجعة التاريخ والقيام بعملية التصحيح دون تهديد أو اتهام أو اعتقال أو مقاطعة.

محمود عبد الهادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى