
بقلم احسن خلاص
بينا في مقال سابق كيف تسلل إريك زمور إلى الساحة السياسية الفرنسية من بوابة التطرف العنيف الذي شهدته فرنسا في السنوات العشر الأخيرة واوضحنا كيف نهض من سبات طويل عندما كان نجم الصحافة والإعلام السمعي البصري وانتقل دون سابق إنذار إلى عالم المنافسة السياسية حيث قاده طموحه الجارف لدخول المعترك الانتخابي الرئاسي. حاملا في حقيبته قنبلة موقوتة معبأة بالكراهية والتحريض، وهو ينطلق من ادعاء في طياته عقده النفسية وهو الدفاع عن عظمة فرنسا التي داستها أرجل الأجانب. لقد بدا زمور وهو يسير عنوة مقابل ريح العولمة كأن يستنكر أن يهاجر الفرنسيون إلى عوالم أخرى بحثا عن فضاءات تناسب طموحاتهم وأهدافهم مقابل أن يدخل فرنسا مئات الآلاف من البشر من إفريقيا وآسيا والعالم العربي والإسلامي.
لم ينكر زمور أصوله اليهودية الأمازيغية وانتماءه إلى يهود الجزائر الذين هاجروا إلى فرنسا وتعانقوا مع عظمتها وتبنوا تاريخها تاركين جزائر ظلت لألفي سنة يتداول عليها الاحتلال الأجنبي. وبالرغم من مولد أجداده على الأرض الجزائرية وبقاء قبورهم شاهدة على أنهم سكنوها إلا أن يتوانى عن اعتبار الجزائر صناعة فرنسية متماهيا بذلك مع المنظور الاستعماري للتاريخ وهو المنظور الذي ينطلق منه دعاة الانفصال هنا في الجزائر وعلى رأسهم فرحات مهني. ونجد أن زمور زاد هذا المنظور الاستعماري جرعات من التطرف والعداء المتجذر الذي ينطلق من أنه بصدد القيام بمهمة تاريخية تتمثل في الانتقام للعنصر اليهودي الذي لم ينصهر في المجتمع الجزائري حتى اضطر للاستنجاد بمرسوم كريميو الذي رد لليهود اعتبارهم وأدمجهم في الدولة الفرنسية. وهو ما اعتبره زمور دينا على عاتقه بقدر ما يعتبر الانتقام من الجزائريين هوسا ملازما له وهو الذي لم يفوت فرصة على المنابر الإعلامية ليصب شتائمه وضغائنه على الجزائر المستقلة.
يدعو زمور الجزائريين لأن يحمدوا الله صباح مساء على أن اليد الرحيمة لبيجو وكلوزيل وروفوال وكافينياك وغيرهم لم تبدهم على بكرة أبيهم وذهب إلى أن المجازر التي ارتكبت في حق الجزائريين بعد احتلال أراضيهم أقل ما كان ينبغي أن تفعله القوات الفرنسية أمام شراسة الاعتداءات التي تعرضت لها دولة جاءت لتخرجهم من الظلمات إلى النور معتبرا أن الاستعمار الفرنسي أكثر أنواع الاستعمار إفادة للجزائريين فما تركه الفرنسيون من منشآت وبنايات يعد مضاعفا بالمقارنة مع تركه من سبقوهم من المحتلين مقابل أن الجزائريين لا يزال نشيدهم الوطني عبارات تطالب فرنسا بالحساب من خلال بيت نشيد قسما يا فرنسا إن ذا وقت الحساب واستعدي وخذي منا الجواب.
لم يعد زمور منتوج مرحلة خاصة ميزها الاحتكاك العنيف بين العالم الإسلامي والعالم الغربي بل هو منتوج استعماري بامتياز فهو ينكر على المسؤولين الفرنسيين محاولاتهم للاقتراب من الجزائر وإقامة علاقات صداقة أو علاقات تعاون وشراكة اقتصادية ومحاولة الوصول إلى صلح الذاكرات الجزائرية والفرنسية ويعتبر هذه المحاولات نفاقا وهروبا إلى الأمام تجاه جزائريين لا يزالون يحملون الحقد والكراهية تجاه فرنسا بالرغم من مسارعتهم إلى الذهاب إليها للدراسة والعمل والعلاج. ولم يخف زمور هواجسه في أن تتحول المعادلة الديمغرافية في فرنسا إلى حد ما أسماه الإبدال بفعل التسهيلات المستمرة والكبيرة التي تقوم بها الحكومة الفرنسية للهجرة الجزائرية إلى فرنسا وعبر عن خشيته من أن تتحول الجزائر بالنسبة لفرنسا إلى تركيا بالنسبة لألمانيا جراء التأثير الذي تمارسه تركيا على القرار فيها.
لقد جعلت النزعة التطرفية لزمور ماري لوبان تبدو أكثر تفتحا على الجزائر وأكثر احتراما لتاريخها ورموزها وهي التي تعلم علم اليقين أن بروز زمور على الساحة الإعلامية الفرنسية كمرشح سياسي إنما يندرج ضمن سعي لوبيات لطمس تيار لوبان وكبح تقدمه بتقديم أفكار متطرفة مآلها الطريق المسدود قبل أن تجدد العهد مع الرئيس الحالي ماكرون. وهي تدرك جليا أن الفرنسيين لن يسيروا وراء مزاعم تمجيد فرنسا هي منتوج عقد نفسية وضغائن تاريخية من رجل جاء لينتقم بدل أن يبني.