
ه وتوظيفه بالغ الأهمية في حياتنا، مهم في بناء شخصية الكائن الإنساني المزود بخصائص متفردة، تميزه عن باقي الكائنات، فهو يحسّ ويشعر، يتألم ويتلذذ، كما أنه يميّز القبح والحسن، وهو مزود بنزعات الخير والشر، كما له عناصر المقاومة تمكنه لإثبات وجوده، فتجده يرفض الاحتواء والذوابان، يعمل بما يستطيع ليثبت ذاته وتميزه عن غيره، كما أنه يفكر ويبدع، يصيب ويخطئ، له قدرة على تدوير الآراء وفرزها والحكم علبها وبطلانها، كل تلك الخصائص الإنسانية تجعله مميزا عن غيره، وكل تلك السمات لا تمنع هذا الكائن، أن يتناغم مع الآخر في شراكة ندية نفعية، فيشارك الغير خبراته وأفكاره، وتلك سمّة الشخصية السّوية، الشخصية المؤثرة والفاعلة، فتكون جميع تلك الخصائص عوامل صحّة، تقوي بنية الشخصية السوية.
في حين يعد مفهوم مصطلحنا الذي سنتناوله بشيء من التحليل ، فالشخصية المستقلة في قرارها وتفكيرها، هي الشخصية التي ينتفع المجتمع الإنساني، أمّا الشخصية التي يحملها التّيار حيث يشاء ومتى شاء وأين شاء وكيفما يشاء، فإنها تسير في ركب الإمعية، التي من معانيها، جمود الفكر وانحباسه، ومسايرة المتغلب مغمض العينين، يصدقه المثل الشعبي عندنا (أغمض عينيك واتبعني) ، أو كما تصفه الحكمة الجاهلية (إذا كنت في قوم فاحلب في إنائهم) ، في موافقة عمياء، تذوب فيها الفروقات الفردية، وتلك تعدّ مصيبة كبيرة، بل طامة كبرى.
ولي ولك أن تتأمل أن الشارع الحكيم حرّم على العبد المسلم التقليد في الاعتقاد، بل شرع للمسلم أن يكون حرا، في اختياره، رفع عنه الإكراه، حتى يتحمل نتائج أفعاله، فكان العقل مناط التكليف الشرعي، فجعل العقل ركنا من أركان التكاليف الشرعية، وفي تلك تظهر عظمة وتميزا إيجابيا لديننا الحنيف، للذي يعطي التكريم لهذا الكائن المكرم، الذي جاءت كل أحكامه ترفض الإمعية بكل صورها وأشكالها، لأنها تغمط الحق وتزكي الباطل لسلبية صاحبها، الذي يوافق الجميع دون ضابط.
كما قررت السنة النبوية المكرمة تميزها أن أقرت ضوابط حماية، فرضت للمسلم أن لا يكون إمعة، يسير في الركب، كالأطرش في الزفة، ولكم أن تتأملوا أحاديث رسولنا صلى الله عليه وسلم وأقوال سلفنا الصّالح
وأخرج الإمام أحمد وغيره من حديث عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن عليكم قوماً، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم”.
وثبت عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: (اغد عالما أو متعلما ولا تغد إمعة بين ذلك). وعنه- أيضا- قال: (لا يكون أحدكم إمعة، قالوا: وما الإمعة يا أبا عبد الرحمن؟ قال: يقول: إنما أنا مع الناس، إن اهتدوا اهتديت، وإن ضلوا ضللت، ألا ليوطن أحدكم نفسه على أن كفر الناس، ألا يكفر).
وخلاصة المقال على المرء أن يكون كيسا فطنا، لا يجامل على حساب الحق والفضيلة ومكرمة الأخلاق، على المرء أن لا يكون إمعة ينقاد كرغوة الصابون، أو الريشة الطير في الهواء، تأخذها حيث شاءت، على المرء ألا يجامل في الحق ولو خسر الصديق والقريب، بل ينبغي أن يكون ذو رأي حصيف وعزيمة قوية، يساير من يرفع قدره، ويعلي مكانته، ويحفظ قدره بين الأشهاد (يوم لا ينفع مال ولا بنون).
الأستاذ حشاني زغيدي