بقلم : وليد فرج
منذ منتصف مارس 2014 ، لم يتخل الغرب عن سياسة ليّ الذراع الجائرة، تجاه روسيا الاتحادية، فبعد منع 21 شخصية روسية من السفر إلى الاتحاد الاوروبي و تجميد حساباتهم، لم يكاد يأزف شهر مارس حتى أضيفت للقائمة المنع و التجميد 12 شخصية اخرى، لتطال قائمة العقوبات مع نهاية سنة 2021 ، مئتين شخص ، لم تتوقف العقوبات على حركة الأشخاص ،وممتلكاتهم فقط، بل طالت أيضا بعض البنوك الروسية و تعاملتها المالية مع البنوك الاوروبية، ولحقت حتى بعض الشركات البترولية الروسية التي منعت من استيراد بعض مستلزماتها المتعلقة بنشاطاتها .
وبتفصيل أدق منع الاتحاد الأوروبي التعاملات و التحويلات البنكية مع خمسة (05) بنوك روسية و فروعها، وثلاثة شركات طاقوية، ومنع تصدير أسلحة و تكنولوجيات ذات استعمال حربي إلى ثلاثة شركات روسية، كما تم منع تصدير التجهيزات و التكنولوجيات المتعلقة بالتنقيب و الاستكشاف البترولي لكبريات الشركات الروسية.
ولعل أضعف ذاكرة لمواطن روسي، لن تنسى ان ايعاز العقوبات بدأته الولايات المتحدة الأمريكية ففي نفس الشهر (مارس 2014) بنفس سياسة العقوبات التي مست جل النشاطات، لتلحق بها كندا و استراليا و اليابان التي مست عقوباتها قطاع الاستثمارات العسكرية و تكنولوجيا الفضاء و ملف تسيير التأشيرات بين البلدين، ووسعت اوكرانيا قائمة عقوبات منع دخول أراضي لـ : 170 شخصية روسية و 65 شركة .
لعل المتأمل في هذه الاجراءات ذات الاهداف الردعية التي انتهجها الغرب، تجاه روسيا منذ 2014 يقف على عدم جدوها، أمام عقيدة الدب الروسي التي عنونها بوجوب الذهاب إلى عالم متعدد الأقطاب.
فماذا تشكل استراتيجية العقوبات الاقتصادية؟ وهل هناك خيارات إرغامية أخرى؟ وهل تعتبر بديل ناجع عن شن الحرب؟ .
إن هاجس تكلفة الحرب، و ما ينجر عنها من أخطار، جعلت القوى الإمبريالية الغربية، تبحث عن ادوات بديلة عن لغة السلاح، هيأت لهذه البدائل مجموعة من الارضيات على رأسها عولمة التجارة و الاستثمار و الموارد المالية و الطاقة و المعلومات، لتسهيل انفاذ خيارتها الارغامية لا سيما تجاه من تصنفهم اعداء ممن يسهل عليهم الوصول الى الانظمة و الأسواق التي ذكرنا، وفي الغالب يلجأ الغرب بالموازاة مع العقوبات المالية و الاقتصادية، إلى تجنيد و دعم المرتزقة السياسية تحت غطاء المعارضة السلمية، وهذا الأسلوب يبقى يقتصر على الإشعار بالتهديد، لاسيما بعد الانفجار على مستوى وسائل الإعلام ،كما تعتبر الحروب السيبرانية والعمليات الهجومية الالكترونية واحدة من اهم الادوات الإرغامية التي نفذها الغرب الجائر، غير انها تبقى مقتصرة على اهداف محددة، خشية ردود فعل عكسية، لاسيما زعزعة الثقة الدول و الاسواق، كما المنع من الوصول إلى نظام الشبكة العالمية للبنوك ايضا يتسبب في اذى اقتصادي شديد ذي اثار قابلة للانتشار.
إن عجز أمريكا على السيطرة على مواقع جديدة في الأسوق العالمية للغاز السائل والنفط، جعلها تفشل في احباط روسيا الاتحادية في استغلال مواردها الطاقوية، كسلاح ذا جدوى عالية تم توجيهه نحو أوروبا، ولعل نسب التضخم التي عرفها الاقتصاد الالماني خير دليل على ذلك، كما يعتبر الارتباك الحاصل في اجتماع دول الاتحاد الأوروبي بروكسل يوم 30 ماي الحالي حول الحزمة السادس للعقوبات والتي لم يقع الاجماع حولها.
إن طموحات للولايات المتحدة الامريكية، في استغلال موارد الطاقة كسلاح ، لا سيما بعد إرتفاع الانتاج النفطي في السنوات القليلة الماضية من 5 مليون برميل يوميا إلى 9 مليون برميل، ومع اكتنازها على احتياطي كبير للغاز الصخري مما يؤهلها إلى التحول إلى مصدر للغاز السائل، مع تنامي الاستهلاك العالمي، قد يضع بين يديها سلاح إرغام جديد، ويضعها في مأمن من ضغط منظمة الدول المصدرة للنفط و روسيا و فنزويلا ، إلا أنه رغم تجذر عرف العقوبات الاقتصادية الدولية، يبقى سوق الطاقة العالمي شبه محصن من هذا العرف رغم بعض السوابق التاريخية، وهذا لعدم قدرة منتج واحد على التحكم فيه .
يبقى مسار الدب الروسي نحو أقاليم الهواء الدافئ سالكا، وما دعمه للانفصاليين الموالين له، شرق أوكرانيا إلا ذريعة لبداية شق طريقه نحوه تأسيس امبراطورية أوراسيا، تطبيقا لنظرية روسيا (قلب الأرض) .
اليوم إن لم تكن عضوا حيويا في جسم الأرض فلا تكن الذيل ..