01 سياسة الأرض المحروقة ومسؤوليتها عن الإبادة الجماعية للجزائريين
جاء في تقرير أحد القادة ، العسكريين الفرنسيين ما يلي : “دمرنا تدميرا كاملا جميع القرى والأشجار و الحقول و الخسائر التي ألحقتها فرقتنا بأولئك السكان لا تقدر ، إذا تساءل البعض ، هل كان عملنا خيرا أو شرا ؟ فإني أجيبهم بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإخضاع السكان و حملهم على الرحيل… ” . أما المؤرخ فونتي فيقول : ” حول المدن الساحلية التي احتللناها فر الأهالي منها في الفترة الأولى من الاحتلال فترة فتاكة ودامية أرغمنا العرب على الجلاء من أراضيهم ” عباس فرحات ليل الاستعمار . أي أنهم ساروا في الطريق ، المؤدي لإبادة كل ما هو جزائري . لا لشيء سوى لحمل السكان ، على الرحيل وترك ديارهم ووطنهم . أي أن ما حدث ولا زال يحدث أنذاك ، للهنود الحمر في أمريكا طبقوه في الجزائر . لأن أي إجراء آخر كاحترام قوانين الحرب ، كما قال الجنرال بيجو ، سيؤخر عملية احتلال الجزائر مصطفى الأشرف الجزائر الأمة والمجتمع . ولذلك فأقصر الطرق تتمثل ، في إبادة الجزائريين وانتهي الأمر . وهي نفس الحجج التي استند إليها ، سانت أرنو في إبادته لهم ، فهو الآخر يرى بأن : ” مراعاة القواعد الإنسانية تجعل الحرب في إفريقيا تمتد إلى ما لا نهاية ” . . نفس المرجع ومن مظاهر سياسة الأرض المحروقة ، ما يخبرنا به دي مونتانياك . من أن الجنرال لاموريسيير ، يهاجم العرب ويأخذ منهم كل شيء ، نساء وأطفالا ومواش. يخطف النساء ، يحتفظ يبعضهن رهائن والبعض الآخر يستبدلهن بالخيول ، والباقي تباع في المزاد كالحيوانات ، أما الجميلات منهن فنصيب للضباط ” . نفس المرجع
وفي ذات السياق قال الجنرال كانروبير ِ، بأن جنودهم ينفذون هذا التدمير بحماس . إن التأثير الكارثي لهذا العمل البربري ، والتخريب العميق للأخلاق . الذي يبث في قلوب جنودنا وهم يذبحون ويغتصبون وينهب ، كل واحد منهم لصالحه الشخصي . وهذا التوجه التخريبي المدروس والممنهج ، ما يؤكده الكونت دو هيريسون ، في كتابه مطاردة الإنسان . حيث يخبرنا بأن الأراضي الإفريقية ، ويقصد الجزائر ما هي إلا مزرعة ، يستغلها كل واحد لمصلحته الخاصة . أما النقيب لافاي فيقول : ” لقد أحرقنا قرى لقبيلة بني سنوس ، لم يتراجع جنودنا أمام قتل العجائز والنساء والأطفال . إن أكثر الأعمال وحشية هو أن النساء يقتلن بعد أن يغتصبن ، وكان هؤلاء العرب لا يملكون شيئا يدافعون به عن أنفسهم ” . ونفس الأمر يتكرر أينما حل ، الجيش الفرنسي الغازي . فالسكان العزل يتركون قراهم ، تحت رحمته . لأنهم لا يملكون شيئا يدافعون به عن أنفسهم ، ولمعرفة المزيد عن هذه الأعمال الهمجية . أنظر كتاب LA CHASSE A L’HOMME GUERRES D’ALGÉRIE PAR LE COMTE D’HÉRISSON كما يخبرنا فرحات عباس ، في كتابه ليل الاستعمار بأن الفرنسيين : ” في أكثر من أربعين سنة أي من 1830 إلى 1871 قتلوا وأحرقوا الزرع والضرع … حتى كادت تصبح قاعا صفصفا “. وعليه فالجيش الفرنسي في الجزائر ، تحول إلى عصابات ، من قطاع الطرق . هذا ما جاء على لسان دو كرو ، الذي يقول بأن : ” ما نهب في رزايا واحدة حمولة 2000 بغل ” وفي نفس السياق يخبرنا ، صاحب كتاب مطاردة الإنسان المذكور أعلاه . بأن أفضل رزية هي رزية أولاد نايل ، حيث نهبوا فيها 25 ألف رأس من الأغنام ، و600 جمل محمل بالغنائم . أما النقيب لافاي فيقول : ” كان الضباط يخيرون الفلاحين بين أن يقدموا لهم الأكل أو الإبادة ، كنا نخيم قرب القرية ، يعطيهم الجنرال مهلة لإعداد الطعام أو الموت ، كنا نوجه سلاحنا نحو القرية وننتظر، ثم نراهم يتوجهون لنا ببيضهم الطازج ، وخرافهم السمينة ، ودجاجاتهم الجميلة ، وبعسلهم الحلو جدا للمذاق. ” . وللتعرف أكثر على الأسلوب ، الذي كان الجيش الفرنسي يمون به كتائبه ، في الجزائر راجع نفس المرجع مطاردة الإنسان ونحن هنا نقدم أمثلة ، عن تلك الممارسات الشنيعة . التي تمت في إطار سياسة ، الأرض المحروقة . الرامية إلى إبادة الجزائريين ، فمثلا في يوم 26 نوفمبر 1830 . أصدر الضابط ترولير ، أمرا إلى وحداته العسكرية . بتقتيل كل سكان البليدة الآمنة ، والبالغ عددهم الألفين مواطن . من دون تميز بين الطفل والشيخ ، والمرأة والرجل . والهدف من هذه الجرائم واضح ، إنه يتمثل في تفريغ الأرض من السكان ، بهدف الاستيلاء عليها وتوطين المعمرين . وهكذا تنتقل ملكيتها من الجزائريين ، إلى الغزاة المستوطنين . أبو القاسم سعد الله الحركة الوطنية الجزائرية الجزء الأول الطبعة الرابعة .
ولذلك فإن سياسة الأرض المحروقة ، التي اتبعها كل القادة الفرنسيين . أيام الحكم العسكري للجزائر 1830 – 1870 ، كانت نتيجتها الإبادة الجماعية للجزائريين . خاصة إذا ما تزاوجت ، مع سياسة مصادرة الأراضي . المصدر الوحيد لإنتاج ، الغذاء في الجزائر . وبرز هذا في مجاعات 1866 و 1868 ، التي راح ضحيتها حسب التقديرات ، حوالي نصف مليون جزائري . أمام مسمع ومرأى سلطات الاحتلال ، التي لم تسعى لنجدة الجزائريين . لأن هذا ما كانت تهدف إليه ، بغية تفريغ الجزائر من سكانها ، ليحل محلهم المستوطنون الأوروبيون . علما بأن خسارة ، نصف مليون من السكان الجزائريين . رقم كبير جدا يومها خاصة إذا علمنا ، بأن عدد سكان الجزائر ، في تلك السنوات لم يكن ، يتجاوز الثلاثة ملايين نسمة .
علما بأن فرنسا تعمدت ، تخريب الاقتصاد الجزائري ، مما يساعد على تدمير الجزائر لصالحهم . وذلك بإحراق الغابات والمزارع والحقول ، وتخريب القرى والمدن وردم العيونوالآبار . ولم يمر أقل من أربعين عاما على الاحتلال ، حتى وقعت مجاعة وقحط . ويبس في الزرع وغلاء في الأسعار ، وانتشار لوباء الكوليرا. الذي أدى إلى إبادة قبائل بتمامها، فمثلا قبيلة أولاد يحي بن طالب . فقدت364 أسرة من مجموع سكانها 10.211 نسمة ، ليصبح عددها 4.325 نسمة 79 . عاشور مرزاقة جرائم فرنسا في الجزائر -الإبادةالجماعية- أنموذجا (1849-1830) مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر . وبعد هذا يتحدثون عن الدور ، الإيجابي للغزو الفرنسي للجزائر ! ؟ .
ولم تكن هذه العمليات الإجرامية ، قاصرة على منطقة الشمال الجزائري . فأينما حل الاستعمار ، حلت معه سياسة الإبادة الجماعية . كما هو الحال في واحة الزعاطشة 1849 ،التي أبيد أهلها عن آخرهم . وإذا ما نحن اتجهنا صوب ، منطقة الواحات الشمالية . فنفس الجريمة والمشهد يتكرران ، فها هو العقيد بان . يقول عما حدث في ، مدينة الأغواط في العام 1852 : ” الشوارع والأزقة ، والميادين ، كانت كلها تغص بالجثث . إن الإحصائيات التي أقيمت بعد الاستيلاء على المدينة وحسب معلومات استقيناها من مصادر موثوقة ، أكدت أن عدد القتلى من النساء والأطفال 2300 قتيل ، أما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر لسبب بسيط هو أن جنودنا كانوا يهجمون على المنازل ويقتلون كل من وجدوه بلا شفقة ولا رحمة.” عباس فرحات ليل الاستعمار أما العقيد فوري فيقول : ” انطلقت من مليانة سبعة طوابير بهدف التخريب ، واختطاف أكبر عدد ممكن من قطعان الغنم ، وعلى الأخص النساء والأطفال ، لأن الوالي العام الجنرال بيجو كان يريد بإرسالهم إلى فرنسا أن يلقي الفزع في قلوب السكان ، واختطفنا في هذه الحملة ما يزيد على ثلاثة ألاف من رؤوس الغنم ، وأشعلنا النار في ما يزيد على عشرة من القرى الكبرى ، وقطعنا واحرقنا أكثر من عشرة ألاف من أشجار الزيتون والتين وغيرها… ” مصطفى الاشرف المرجع السابق والنتيجة الحتمية لهذه ، الأعمال الوحشية إبادة الجزائريين . فمن لم يقتل برصاص ، الغزاة وسيوفهم وخناجرهم ، فحتما سيقتله الجوع والبرد والثلج . خاصة أنهم يختارون ،موعد تلك الرزايا مع اقتراب فصل شتاء . وهكذا يباد الأهالي من دون ، طلقة رصاص وحدة . أما سانت أرنو فيقول : ” إنك تركتني في قبيلة البراز حرقتهم كلهم واتيت على الاخضر واليابس واليوم فإنني في قبيلة بني شويد فأتيت فيها على الزرع والضرع ” عباس فرحات ليل الاستعمار إلى أن يقول : ” إننا نحطم ونحرق ، ونخرب الديار والأشجار أما المعارك فإنها لا توجد أو قلما توجد” نفس المرجع نعود ونقول بأنهم عملوا على خلق ، الظروف المؤدية إلى إبادة الجزائريين ، بصورة جماعية . ونحن هنا نستشهد بما جاء في ، كتاب أمريكا والإبادات الجماعية . من أن العمل بالسخرة ، والتجويع الإجباري والترحيل الجماعي . وتقويض معنويات الضحايا ، تشحذ أنياب الأوبئة وتزيدها فتكا . منير العكش أمريكا والإبادات الجماعية
وكلها أدوات استخدمتها ، فرنسا في حربها ضد الجزائريين . كما أن فرحات عباس يخبرنا ، في كتابه ليل الاستعمار . بأن فاران صاحب كتاب ، هل تصبح الجزائر فرنسية يقول : ” يجب علينا أن نستولي شيئا فشيئا بدون هوادة ولا شفقة على جميع مراتعهم ومراعيهم ونثقل كواهلهم بضرائب مرهقة حتى تتعذر عليهم الحياة فلا يجدون ما يسدون به رمقهم ” . وهذا النص لا يترك مجالا للشك ، من أنهم أنزلوا مخطط إبادة الجزائريين أرض الواقع . فالعسكر وسيلتهم السيف والرصاص ، والساسة ورجال الاقتصاد وسيلتهم التجويع . مع حرمان الجزائريين من مصادر رزقهم ، التي تضمن استمرار بقائهم . وهكذا يلتقي الكل في هدف واحد ، ألا وهو إبادة الجزائريين . وبعد مصادرة واغتصاب الأراض ، جاء الدور على الغابات . التي كانت هي الأخرى مراعي ، للثروة الحيوانية . فقد تم منعهم من الدخول إليها ، من بعد أن حجزتها الدولة الفرنسية . فتفاقمت حالة السكان المجاورين لتلك الغابات وهذا من جراء هذه القوانين الجائرة والمجحفة ولم يبق للعرب إلا الأراضي الجبلية القحطاء ورمال الصحراء الجدباء نفس المرجع .
علما بأن الفرنسيين كانوا يظنون ، بأنهم سيتخلصون من الجزائريين . بصورة نهائية لمّا يطردونهم ، إلى المناطق الجبلية القاحلة ، وإلى هوامش الصحراء . ولكن من سوء حظ الجزائريين ، أن تلك المناطق أصبحت خزانا لا ينضب من الثروات . سواء الحلفاء أو منتجات ، الثروة الغابية المختلفة . أو مناجم الرخام كما هو الحال ، في منطقة زواوة ( القبائل ) وسكيكدة . رخام كثيرا ما زيّــن البيوت الرومانية قديما ، وجاء الدور ليجد مكانه ، في بيوت الفرنسيين مرة أخرى . مما سيجعل اللعنة تلاحق الجزائريين أينما حلوا ، متمثلة في تلك القوانين الجائرة ، المجحفة الصادرة بحقهم .
كما أن الغابات أصبحت ملكا للدولة الفرنسية ، وعند الدخول إليها يصبح الجزائريين ، معتدين على أملاك الدولة . كما يصبحون لصوصا ، يجب معاقبتهم ، لأنهم انتهكوا حرمة القانون . وسهولهم هي الأخرى اغتصبت ، لتمنح لشذاذ الآفاق . ومدنهم طردوا منها ، ليسكنها الغرباء . فإلي أين سيتجهون ؟ ، لم يبق أمامهم سوى الموت جوعا ، ورصاصة الرحمة التي ينتظرون لحظة اطلاقها عليهم . إن فرنسا شنت عليهم حربا عوانا ، لغصب بلادهم ونهب ممتلكاتهم ، وسلب خيراتهم . تحدوها فكرة تتمثل ، في إبادة الشعب الجزائري . ألم يقل الملك لويس فيليب في 1835 ، لا يهمنا أن نطلق مائة رصاصة في إفريقيا ، إذ لا تسمع أوروبا صدى تلك الرصاصات . نفس المرجع ومهما يدعي الفرنسيون ، في هذه المناسبة أو تلك . من أنهم لم يكونوا ، ينوون إبادة الجزائريين . وأنهم بريؤون من ، تهمة الإبادة الجماعية للجزائريين . فالفيصل ما كان ولن يكون ، مثل هذه التصريحات التي توشي باحتقار الجزائريين والتعالي عليهم ، وازدرائهم كما هو شأن الكولون المتعجرفين . وإنما وثائق الأرشيف والأحداث التاريخية المدونة ، بعيدا عن تصريح هذا أو ذاك من ساسة فرنسا . في إطار حملاتهم الانتخابية خاصة ، فيما يخص ما حدث في الجزائر . صحيح إن التاريخ يصنعه الساسة والعسكر ، ولكن الذي يكتبه هم المؤرخون .
02 نماذج من عمليات الإبادة الجماعية الفرنسية في الجزائر
يخبرنا شيخ المؤرخين الجزائريين ، أبو القاسم سعد الله . بأن عملية إبادة سكان الجزائر ، وتفريغها من أهلها . بدأت منذ اللحظة الأولى ، لسقوط مدينة الجزائر بيدهم . حيث قاموا بترحيل ، كل من له علاقة بالأتراك نحو آسيا الصغرى . وحلوا هم محلهم في الثكنات العسكرية ، ونفس الأمر حدث مع الأبراج وفيلات الأتراك ، التي طردوهم منها وسكنوها هم . وكلامه هذا لا يجانب الصواب ، فهم بالفعل قد باشروا عملية إبادة الجزائريين . وقضيتهم أصبحت مسألة وقت ، وهذا ما نستنتجه من قول أحدهم . من أن مسألة العرب قبرت نهائيا ، ولم يبقى لهم سوى الموت أو الهجرة ، أو قبول الخدمة عند أسيادهم ، هل يستيقظون قبل أن تطلق عليهم رصاصة الرحمة ؟ محمد علي دبوز نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة ج1 . وفعلا فقد بدأوا في إطلاق رصاصة الرحمة ، جاء في كتاب جرائم فرنسا في الجزائر : اتسمت الحرب التي شنها الجنرال بيجو ، ضد الشعب الجزائري بالطابع الإجرامي والعنف . إلى حد أن سكان الجزائر تناقص ، حسب تقرير أحد الضباط الفرنسيين . من 4 ملايين إلى ثلاثة ملايين نسمة . في مدى سبع سنوات . بل إن حمدان بن عثمان خوجة ، صاحب كتاب المرآة . يقول في هذا الكتاب ، وكما هو معلوم للعام والخاص من أن سكان الجزائر ، قد تناقصوا من عشرة ملايين إلى ثلاثة ملايين نسمة .
ولقد حرصت الدولة الفرنسية ، منذ سنة 1830 على تطبيق وصايا جنرالاتها . الذين أجمعوا على أنه ، حتى تتم السيطرة على هذه البلاد ، لابد من إبادة أهلها الأصليين . ولذلك كانوا يتخذون كل الإجراءات الصارمة ، للإطاحة بالقبيلة المنوي تدميرها بقوات كبيرة . بحيث يكون الهرب مستحيلا لأي مخلوق ، والسكان الآمنون لا يدركون الخطر المحدق بهم ، إلا عندما يسمعون قرع الطبول التي تضرب نغمة مؤذية للسمع . وبعد ذلك تحدث المفاجأة التي لا يوجد لها مثيلا ، إلا فيما نعرفه من قصص إبادة الهنود الحمر . مذكرات العقيد أسكوت من إقامته في زمالة الأمير عبد القادر1841 . لقد كانوا يقتلون الجزائريين ، بكل قسوة ووحشية ، لاقتناعهم بأن ذلك عمل أخلاقي . فها هو الرائد دي مونتانياك ، يعترف بجرائمه لكونه كان مقتنعا . بأن العرب ما فوق الخمس عشرة سنة ، يجب أن يعدموا أفضل من إيداعهم السجن ، بغض النظر عن عرقهم وجنسهم . لأن هذه هي الطريقة المثلي لمحاربة العرب وإخضاعهم ، لأن العرب لا يخضعون إلا للقوة مصطفى الأشرف المرجع السابق ولهذا فقد اقترفوا وكما يقول ديريسون : ” جرائم يذوب لوحشيتها الصخر ، وكثيرا ما حكمنا بالإعدام … ونفذنا ذلك رميا بالرصاص ” . نعم إننا لا ننتظر منه أن يكون أكثر نبلا ، من نابليون الثالث الذي قال 100 رصاصة لا تسمع صداها أوروبا . أو من ترومان الرئيس الأمريكي ، الذي محا هورشيما من الوجود ، وفعل ما فعل بناكازاكي ؟ .
ونبقى دوما مع الاعترافات الخاصة ، بسياسة الإبادة الجماعية للجزائريين . فها هو الضابط ليو ، كتب في العام 1843 ، عن الأعمال الوحشية بمنطقة شرشال يقول : ” لقد هدمت كثيرا من الدواوير وأزيلت من الوجود قرى بكاملها بعد إشعال النيران فيها وقطعت عدة آلاف من أشجار التين والزيتون وغيرها ” . نفس المرجع أما الرائد ويستي فيقول : ” إن الدواوير التي أحرقت والمحاصيل الزراعية التي أتلفت ، لا تكاد تصدق ، فلم يكن يرى من الجانبين من الطابور سوى النيران ” نفس المرجع وتلك الإبادة شملت الرجال والنساء ،فقبيلة العوفية أبادها الجنرال ورفيقو بكاملها ، وكان عدد أفرادها 12000 جزائري . نعم أبادها عن بكرة أبيها ، وأقام معرضا بباب عزون . وكان الناس يتفرجون على حلى النساء، ثابتة في سواعدهن المقطوعة وآذانهم المبتورة عمورة عمار موجز في تاريخ الجزائر . هذه هي الحرب المشروعة ، التي يتحدث عنها السيد فرانسو هولاند وأمثاله نعم إنه : ” هكذا تتم عملية الحرب مع العرب فيجب أولا وقبل كل شيء قتل كل رجالهم من سن 15 سنة فما فوق والاستيلاء على النساء والأطفال ثم إرسالهم إلى جزر الماركيز أو إلى أية جهة أخرى وبكلمة مختصرة إفناء كل ما من شأنه أن يزحف تحت أقدامنا كالكلاب ” سعدي بزيان جرائم فرنسا في الجزائر من الجنرال بيجو إلى الجنرال أوساريس .
علما أنه أينما حل الفرنسيون ، تحل معهم لعنة ، حرب الإبادة في حق الجزائريين . فها هي مدينة البليدة ، ستكون هي الأخرى مسرحا ، لجريمة حرب إبادة جماعية . جريمة وصفها حمدان بن عثمان خوجة بقوله قام : ” الجنود الفرنسيون بأعمال وحشية في المدينة وأحدثوا مجزرة رهيبة ، لم ينج فيها رجال ولا نساء ولا أطفال هناك من يذكر أنه تمتقطيع بعض الرضع من صدور أمهاتهم. ووقع نهب في كل مكان ولم يستثنى حتى الجزائريين الذين فروا إلى هذه المدينة لينجوا من ظلم الحكومة الفرنسية وليجدوا وسائلتمكنهم من العيش ، إنني هنا بكل نزاهة ولا أروى وقائع الأحداث إلا كما جرت. وهكذا فإن عددا كبير ممن لم يكونوا يفكرون في خيانة الفرنسيين ، ولا حتى في معاداتهم ، قد وقعتقتيلهم في هذه الظروف ” حمدان بن عثمان خوجة المرآة . وجريمة البليدة اقترفها الفرنسيون ، ضد السكان العزل ، على إثر مهاجمة المقاومة الوطنية ، للحامية الفرنسية بها . ففي يوم 26 نوفمبر 1830 ، أقدم الضابط ترولير ، على إصدار أمر إلى وحداته العسكرية . بمحاصرة بلدة البليدة الآمنة ، وأقدمت على تقتيل جميع سكانها البالغ عددهم قرابة الألفين مواطن . أبو القاسم سعد الله المرجع السابق .
وإذا ما نحن اتجهنا صوب منطقة جبال الظهرة ، فإننا نجد جريمة أخرى لا يمكن توصيفها . هل هي أكثر جرما وقبحا وبشاعة من الجرائم السابقة أو أقل . لأن كل جريمة ارتكبوها لهي ، أكثر وحشية من أختها ، ولا يمكن أبدا المفاضلة ، بين تلك الجرائم . وها نحن نلتقي مرة أخرى ، مع عمليات القتل الوحشي ، لقبيلة أولاد رياح في الكهف المسمى : ” غار الفراشيش وعددها أكثر من 1000 شخص رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا مع حيواناتهم ، فحاصرهم بيليسيه وجنوده بالغار من جميع الجهات وطالب القبيلة بالاستسلام فردت عليه بإطلاق النار ، فأعطى الأوامر لجنوده بتكديس الحطب أمام مدخل المغارة، وإشعاله فهلك كل أفراد القبيلة المقدرين كما ذكرنا بحوالي 1000 شخص ” سعدي بزيان المرجع السابق ولقد توالت هذه العملية يومين كاملين 17 و 18 جوان ، وقبل طلوع نهار اليوم الثاني . بنحو ساعة وقع انفجار كبير داخل المغارة ، فقضى على من تبقى على قيد الحياة .السعيد بورنان شخصيات بارزة في كفاح الجزائر1830-1962 رواد المقاومة الوطنية في القرن 19 .
ثم ها هو العقيد بان يكرر نفس المشهد ، في مدينة الاغواط سنة 1852 ويقول : ” لقد كانت مذبحة شنيعة حقا ، كانت المساكن والخيام التي في ساحة المدينة والشوارع والأزقة ، والميادين ، كانت كلها تغص بالجثث . إن الإحصائيات التي أقيمت بعد الاستيلاء على المدينة وحسب معلومات استقيناها من مصادر موثوقة ، أكدت أن عدد القتلى من النساء والأطفال 2300 قتيل ، أما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر لسبب بسيط هو أن جنودنا كانوا يهجمون على المنازل ويقتلون كل من وجدوه بلا شفقة ولا رحمة : ” نفس المرجع .
نعم لقد أبيد ثلثي سكان الأغواط ، في ما اصطلح عليه بعام ” الخلية ” في ديسمبر 1852 . فبعد سقوط المدينة في 04 ديسمبر ، من نفس العام أباد الفرنسيون 2500 شهيد ، من مجموع 3500 كانوا يسكنون المدينة . مع استخدام مادة الكلوروفورم ، كسلاح كيميائي ضد المدينة . فيلم على اليوتوب ” عام الخلية : فيلم وثائقي حول الإبادة الجماعية التي ارتكبتها فرنسا في ولاية الأغواط سنة 1852 ” . وإن لم تكن هذه إبادة جماعية ، فماذا عساها تكون ؟ ؟ ؟ . وماذا عن عام الشكاير ( الأكياس ) ، بتعبير الجزائريين . التي ألبسها الجيش الفرنسي ، لمن بقي حيا من سكان الأغواط . بعد تلك المجزرة الرهيبة ، ثم حقنوهم بغاز الكلوروفورم ، وأشعلوا فيهم النار أحياء . أليست هذه جرائم تفوق ، في بشاعتها ووحشيتها ، تلك التي اقترفها النازيون في حق أعدائهم ؟ .
ونحن هنا لا نتقول على هؤلاء الغزاة ، فهم من كانوا يفتخرون بقولهم : لقد قتلنا رجالا يحملون رخص المرور التي أعطيناها لهم ، كما أننا ذبحنا كثيرا من الجزائريين بشبهة عارضة . لقد أبدنا قبائل بأكملها تبين بعد أنها بريئة ، لقد حاكمنا رجالا يقدسهم السكان الجزائريون . لا لشيء إلا لأنهم تجرؤوا على التعرض لبغضنا ، وقد وجدنا القضاة الذين حكموا عليهم ، والرجال المتدينين الذين نفذوا عليهم أحكام الإعدام ، لقد كنا أكثر وحشية من السكان الذين جئنا لتمدينهم . هذا ما جاء في تقرير اللجنة الإفريقية 1833 .
حدثت تلك الفظائع لأن فرنسا ، كانت تريد أن تجعل من الجزائر قطعة غربية . وهذا لا يتأتى إلا بإحلال شعب ، مكان الشعب الجزائري . خاصة أن كل الفرنسيين ، في بداية الاحتلال كانوا شبه متفقين حول هذه النقطة . فها هو منظر الاستعمار الفرنسي في الجزائر ، أرموند فيكتورهان وجه في العام 1832 . نداء إلى الفرنسيين بالجزائر ، يخبرهم فيه باستحالة إدماج السكان الأصليين . ولذلك فهو يرى بأنه عمل مشروع طردهم إلى الصحراء ، أو إبادتهم في حالة المقاومة الطاهر عمري إشكالية الفهم كزاوية لكتابة تاريخ الاستعمار الفرنسي بالجزائر مقال منشور بمنتدى طلبة جامعة بسكرة 13 ديسمبر 2010 . وما دام الجزائريون سيقاومون الاحتلال ، وكتحصيل حاصل فالفرنسيون سيبيدوهم ، أو على الأقل سيحاولون إبادتهم وهذا ما حدث . وعندما لم يستطيعوا تنفيذ مخطط الإبادة ، فقد طردوهم وكما خططوا ، إلى المناطق الجبلية الجرداء أو المناطق الصحراوية . آملين في أن تكمل الظروف الطبيعية القاسية ، ما عجزوا عن فعله وتنجزه بالنيابة عنهم . أو على الأقل تحد من زيادتهم السكانية ، مما يضمن عدم الاختلال السكاني لصالح الجزائريين . وإن لم تُـجْـد هذه الحلول فيجب ، نفي الشعب الجزائري إلى الجزر البعيدة والنائية ، كجزر الماركيز في المحيط الهادي . ولكن هذا الحل لم يكن ممكنا عمليا ، لمَا يحتاجه من إمكانات ،مادية وبشرية ضخمة . ولذلك فالحل الممكن بيدهم ، هو إبادة الشعب الجزئري.
سمير خلف الله