
تتصدر وسائل الإعلام الجديد المشهد العام في المجتمعات اليوم وأصبحت تتأثر مختلف المؤسسات بما يتناول الإعلام الجديد من مادة لإشباع رغبات المتلقي وذلك ليس راجعا إلى قوة تنفرد بها هذه الوسائل الإعلامية في الامتداد الجغرافي الشاسع وإنما بسبب الأوضاع العامة السائدة في معظم دول العالم ولذلك فإن ضعف فاعلية تلك المؤسسات إنما يمنح وسائل الإعلام البديل المزيد من التأثير في توجيه الرأي العام . فالتماسك الاجتماعي والفكري على سبيل المثال يحمي الجمهور من أن يصبح فريسة لتأثيرات وسائل الإعلام المحلية أو تلك الوافدة من خارج الحدود ، أما حينما يصيب هذا التماسك شيء من التفكك فإن الجمهور يواجه وسائل الإعلام فرادى يعانون شيئا من العزلة ومن ثم يزداد تأثيرها فيهم وفي السنوات الأخيرة في ظل التطور الرهيب للإعلام الجديد والتغير المستمر لأنماط المجتمع ظهرت ظاهرة جديدة في شكلها ومضمونها وحاملها ألا وهي الأخبار الزائفة
التي اتسع نطاقها من خلال وسائل الإعلام الرقمي بعد التوسع في قدرات نشر الأفلام على موقع اليوتيوب ونشر الأخبار والصور على الفايسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى وتقوم الأخبار الزائفة على تشويه أحداث واختلاقها وتلفيقها وبناء قصص وتقارير عليها لاستقطاب الرأي العام بناء على الخداع والأكاذيب ،أما الهدف الأساسي منها فهو تحقيق مآرب سياسية ومصالح اقتصادية واجتماعية ويزدهر موسم الأخبار الزائفة خلال الحروب والحملات الانتخابية والأزمات التي تهدف إلى النيل من الخصوم أو تغيير الواقع بطريقة أخرى . وتعتمد الأخبار الزائفة في محاولة تطويق الرأي العام بالمعلومات والمعطيات المزيفة وحتى التحليلات المفبركة من أجل نشر الخوف أو الترهيب أو الخطر وإثارة مشاعر المتلقي .وهذا نتاج ما يراه القائم بصناعة الأخبار الزائفة خطر يهدد المجتمع أو البيئة التي ينتمي إليها وقد يلجأ أحيانا القائم بفبركة الأخبار الزائفة إلى خلق حالة من الفوبيا والكراهية وهذا الأمر يعتبر خطرا يهدد الحياة العامة وقد يمس الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الثقافي والأخلاقي ويبرز أهل الاختصاص أن الأخبار الزائفة أصبحت منحى عاما ،خاصة في مجتمع (ما بعد الحقيقة) الذي ظهر مع وسائل التواصل الاجتماعي التي توظف لنشرها وكيف أن مثل هذه الأخبار يمكن أن تغير مجرى السياسات العامة على المستوى الدولي ،ناهيك عما يمكن أن تحدثه على المستوى الشخصي والمجموعات محليا وكذلك إذكاء التناحر داخل المجتمع ونحن نتحدث عن القيم لا بد أن نتدارك حقيقة أننا بتغلغل هذه التكنولوجيا الحديثة إلى حياتنا أصبحنا نعيش هزة قيمية وأخلاقية كبيرة قد تهدأ لتعيدنا إلى قيمنا الأصلية مع بعض الشروحات جراء هذا الدمج الرهيب بيننا وبين الآخر وبين الوسيط التكنولوجي وقد تستمر الهزة القيمية لتجرف بذلك معها كل ما هو أصيل مرتبط بثقافتنا وديننا وأخلاقنا وقيمنا خاصة نحن كمجتمعات إسلامية واضحة معالمها وحضارتها .إن ما يحدث اليوم جراء هذا التطور هو أن كل البنى الاجتماعية قد تأثرت ابتداء من الأسرة إلى الفرد الواحد إلى المؤسسات الاجتماعية أي إلى مستويات معينة مرتبطة بالفرد، كالمستوى المعرفي لديه والمستوى السلوكي وحتى المستوى الوجداني والمستوى القيمي والأخلاقي ويشير هنا البروفيسور بدر الدين زواقة من جامعة باتنة في إحدى مداخلاته “كل هذه البنى تعرف التحول المستمر الذي قد يشعر به الفرد المستخدم للفايسبوك مثلا وقد لا يشعر به لأنه يأتي بطريقة تحول ذكية جدا لا يدركها الفرد بل وحتى يستهين بها “.
فالعالم اليوم يشهد العديد من المتغيرات المتسارعة بسبب التطور الهائل للتكنولوجيا وظهور ثورة اجتماعية غيرت الكثير من سلوكيات الفرد والمجموعات وظهرت أنماط اجتماعية جديدة أصبحت قابلة للدراسات العلمية، وهو تحول ملموس في حقل التواصل الإنساني بل يعتبرها البعض ثورة في الوسائط الإعلامية على حياة الفرد في كل أبعادها . فقد كان لتطور الأنترنيت واستخداماتها الأثر البارز في الكثير من المتغيرات في المجتمع من خلال الربط تارة والفصل تارة أخرى كنتيجة لاختزال عاملي الزمان والمكان وأفرز المشهد التكنولوجي الذي نعيشه آثارا جمة على حياة الفرد داخل بيئته التي حولته إلى مستهلك مفرط للوسائط المتعددة لإشباع رغباته التي أصبحت حاجيات يومية مثل الأكل والشرب والنوم،فلا يستطيع الفرد في عصرنا هذا أن يعيش بدون هذه التكنولوجيا الحديثة .
ومن هنا فإن الإعلام الجديد غير الكثير من الاتصال الإنساني الذي أخذ شكلا تقاربيا وتفاعليا جديدا ومتطورا عما كان عليه من قبل سواء من حيث سمة التفاعل أو التقنية أو عناصر وأفراد هذا التفاعل وحتى محتوى الاتصال .كل هذا وغيره جراء ما أنتجته لنا هذه التكنولوجيا من مفرزات علمية وعملية واتصالية جديدة على رأسها ما يحدث في العالم اليوم حيث تغلغل إلى الأفراد نموذج اتصالي جديد بوسائل متطورة وسريعة ،فتحت فرصة لتفاعلات اجتماعية حديثة .هذه التفاعلات الاجتماعية ظهرت أكثر في الميديا الجديدة وخاصة عبر مواقع التفاعل الاجتماعي التي ربطت أجزاء العالم في قرية إلكترونية صغيرة لكن عميقة الإبحار حيث مهدت الطريق للفرد والمجتمعات للتقارب والتعارف وتبادل الأفكار نظرا لخائصها في توفير الراحة والحرية والهدوء لمستخدميها.
وأصبحت مواقع التفاعل الاجتماعي تمثل مصدرا مهما في الحصول على المعلومات والأخبار وإشباع حاجيات الفرد الإعلامية بطرق أكثر سهولة وراحة بل أصبحت بالفعل بيئة إعلامية لتبادل المعلومات الإيجابية والسلبية معا .هذه الأخيرة كشفت لنا الوجه الآخر لهذه الشبكات التواصلية التي أثارت فوضى إخبارية ومعلوماتية وأصبحت فضاء ملائما لانتشار الأخبار الكاذبة ،هذا الوجه السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي أدى إلى الاهتمام العالمي لمواجهة هذا النمط القديم للأخبار الزائفة الذي ظهر في بيئة جديدة رقمية (الميديا الجديدة) تمتاز بالذكاء والمرونة وقوة التقنية في النشر على نطاق واسع .
وقد تعددت سلبيات الإعلام الجديد في السنوات الأخيرة ومنها عدم تمحيص المواد المنشورة،وعدم الثقة بالأخبار والمواد الموجودة به.ونشر الأخبار الكاذبة،كذلك ظهور الأشكال والمخاطر الأمنية المتأتية عن الإعلام الجديد فهي مخاطر متعلقة بالفكر الإرهابي ونشر ثقافة العنف ومخاطر أخرى، كذلك مخاطر متعلقة بإثارة النعرات الطائفية والعنصرية، ومخاطر متعلقة بالجريمة الجنائية الرقمية وانتحال الشخصيات،كذلك الذم والتحقير والإهانة عبر الشبكة الافتراضية .وما شهدناه في بيئتنا من النصب والاحتيال في المعلوماتية. أيضا انتهاك البيانات الشخصية الإلكترونية.والتحرش والمضايقة عبر برامج أنشطة الاعتداء على الخصوصية وهي تتعلق بجرائم الاختراق .كذلك تشكل أحد وسائل غسيل الأموال.وتتيح تشكيل منصات مواقع إلكترونية إباحية.مع سهولة إخفاء معالم الجريمة الإلكترونية وصعوبة تتبع مرتكبيها.والأكثر من كل هذا نقول في ختام هذا الموضوع الميديا الجديدة غيرت من أنماط الحياة في المجتمع العربي الإسلامي بشكل ملفت وفككت سياج الأسرة والمدرسة والقبيلة وتعدت على القيم والأخلاق.
بقلم : أ. زنوحي محمد الأمين ( كاتب صحفي وباحث بجامعة وهران -1)