تعتبر ظاهرة الابتزاز الالكتروني من الظواهر الجديدة نسبياً حيث أنها لم تظهر إلا بظهور وتوسع شبكة الانترنت، ومع ظهور وسائل الاتصال الشهيرة تزايدت هذه الظاهرة وأصبحت تؤثر على فئات المجتمع الجزائري بدون استثناء، وباتت تخلّف مصائب مجتمعية، في وقت أصبح قراصنة يسعون بشتى الطرق للانتقام من خصومهم والنيل منهم من خلال استعمال منصات التواصل الاجتماعي، لتصفية حساباتهم، بمجرد الضغط على زر المفاتيح والإختباء خلف الشاشة.
ومن أجل الإحاطة أكثر بحيثيات الموضوع، تواصلت “ يومية الوسط” مع المحامية والمستشارة القانونية، فريدة عبري ، وقالت في هذا الصدد :”منذ انتشار مواقع التواصل الاجتماعي واقتحامها المنظومة الاجتماعية ، باتت قضايا التهديد بنشر صور ومقاطع فيديو غير لائقة، بحق النساء والفتيات في تزايد مستمر، أين يتقدمن بشكاوى أمام مختلف المؤسسات الأمنية لدواعي تعرضهن للابتزاز الإلكتروني، والتي تضاعفت في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، سيما بسبب جائحة كورونا والحجر الصحي المفروض حينها ،حيث يتعرض كثيرون للتهديد بفضح محادثاتهم وصورهم الخاصة مع آخرين”.
و أشارت ذات المتحدثة إلى وصف القانون الجزائري الابتزاز الالكتروني بالجريمة، والتي تتم حيثياتها عبر التهديد بنشر صور شخصية وفيديوهات غير لائقة خاصة بالضحية بغية الحصول على مبالغ مالية، أو دفع الضحية للقيام بأعمال غير أخلاقية، من أجل السيطرة واستغلال ، وصولا إلى التهديد بالقتل أو الخطف، وهذا حسب تصريحات الضحايا.
كما ذكرت فريدة عبري أن التبليغ عن المبتز تم تصنيفه سابقا ضمن خانة “الطابوهات”، نظراً إلى حساسية الموضوع وخوف الضحايا من نظرة الأهل والمجتمع بالنظر إلى العادات والتقاليد التي تحكم مجتمعنا، التي قد تسبب عقد نفسية تصل إلى محاولات الانتحار ،من بينها انتحار فتاة تبلغ من العمر 17 سنة بإلقاء نفسها من الطابق السابع للعمارة بعد تعرضها للابتزاز من شاب تعرفت عليه عن طريق موقع ” تيك – توك” ، إلا أنه ومع شيوع ثقافة التبليغ أصبح بالامكان إنقاذ أكثر من ضحية بالتبليغ عن مبتز لدى مصالح الأمن.
وأفادت المستشارة القانونية أن أغلبية ضحايا الابتزاز هم من النساء، لاسيما الفتيات القاصرات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 14و 16 عاما، وشابات أغلبهن من الطالبات الجامعيات، و أرجعت المتحدثة السبب في ذلك إلى إقامة الفتيات العلاقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تبدأ من محادثة فايسبوكية، تتطور مع مرور قليل من الزمن إلى إرسال صور شخصية وفيديوهات بوضعيات غير لائقة، والتي يدفعن بسببها الثمن غاليا جدا، وتكبر القصة إلى أن تصبح جريمة إلكترونية من العيار الثقيل بأتم ما تملكه الكلمة من معنى تنتهي في أروقة المحاكم.
عقوبة جريمة الابتزاز الالكتروني
يعاقب المشرع الجزائري على الابتزاز في الجزائر بالسجن ،حيث قالت فريدة عبري :” حسب المادة 371 (القانون رقم 82-04 المؤرخ في 13 فبراير 1982) كل من تحصل بطريق التهديد كتابة أو شفاهة أو بإفشاء أو نسبة أمور شائنة على أموال أو أوراق مالية أو على توقيع أو على المحررات المبينة في المادة 370 أو شرع في ذلك يكون قد ارتكب جريمة التهديد بالتشهير ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 2.000 إلى 30.000 دج، ويجوز علاوة على ذلك أن يحكم على الجاني بالحرمان من كافة الحقوق الواردة في المادة 14 أو من بعضها لمدة سنة على الأقل وخمس سنوات على الأكثر”.
النساء هم أكثر فئة مستهدفة
من جهته، اوضح المختص في علم الاجتماع، والأستاذ بجامعة الجلفة، حسين زوبيري في حديثه ليومية” الوسط” ، أن ظاهرة الابتزاز الالكتروني منتشرة في العديد من الدول، ويصنف القانون الجزائري رسائل التهديد جريمة جنائية خطيرة ، وتنطوي هذه الجريمة على أبعاد وأثار اجتماعية ونفسية، بالرغم من تعدد أشكال الابتزاز الإلكتروني، إلا أن النساء هم الضحايا الأكثر عرضة لهذه العمليات وفق الإحصائيات.
عن أسباب هذه الظاهرة يقول المتحدث “كشفت الدراسات السيكولوجية أن المرأة هي الاكثر عرضة للابتزاز العاطفي، وإنها في الغالب تتعرض لهذه الجريمة من دون وعي منها او ادراك لأن الرجل يستغل حبها، إضافة إلى عامل الثقة المفرطة والسريعة والجفاء العاطفي للفتيات القصر والنساء، ويعود السبب للفئة الأولى لتدني درجة الوعي، و الفئة الثانية للظروف الاجتماعية وإقامة علاقات خارجية مع الغرباء بغية الاستئناس، مما يجعلها فريسة سهلة بيد المبتز، إضافة إلى ذلك فإن غياب الحوار في مثل هذه المسائل داخل الأسرة، حيث أن المرأة أو الفتاة في حال وقوعها ضحية جريمة إلكترونية وتعرضها للابتزاز لا تستطيع البوح بما تعانيه لأفراد العائلة، ما يجعلها تخضع لمطالب ذلك المجرم الذي أوقع بها”.
كما نوه حسين زوبيري، إلى خطرة الإبتزاز الالكتروني عند فئة الأطفال والتي قد تؤدي إلى الابتزاز الجنسي، لاسيما وأن الابتزاز اليوم أصبح سهلاً نظرا إلى سهولة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الإلكترونية، وارجع المتحدث تفاقم الظاهرة إلى غياب حوار الأولياء مع ابنائهم، وتعنيف البعض منهم في سن الطفولة، وعدم متابعة تصرفات وسلوكيات أبنائهم، كذا عدم بناء الشخصية القوية للأبناء.
وفي الأخير ، شدد المختص في علم الاجتماع، والأستاذ بجامعة الجلفة، حسين زوبيري، إلى ضرورة التحلي بالوعي والتوعية بمخاطر الوسائل الإلكترونية ومختلف التطبيقات الإلكترونية لدى كامل فئات وشرائح المجتمع.