بقلم د. محمد مرواني
من الملاحظ ان المهام المسندة لولاة الجمهوية أصبحت معقدة, فالوالي الذي يتمتع بصلاحيات قوية في ادارة الشأن العمومي لم يعد ذالك الوالي الذي يطلب منه فقط حل مشاكل تنموية وتحسين إطار معيشي للمواطنين, بل أصبحت للوظيفة السامية “الوالي “” مقتضيات أخرى تفرض على الوالي أن يتكيف مع الكثير من التغييرات المجتمعية والمؤسساتية التي تحيط بتسيير الشأن العام الذي لايتوقف عند مطلب فئة معينة من الناس وإنما قد يصل إلى أن تجد الهيئة التنفيذية حالات من المشاكل ،والمعضلات ،والظواهر الجديدة المفروض على الوالي أن يجد لها حلا ،ويعالجها حتى ،ولو يكن للمعالجة ،وإدارة الموقف سند مرجعي وقانوني.
فعلى سبيل المثال لا يمكن استيعاب الكم الهائل من الرسائل التي تصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي من شباب وممثلين عن فعاليات جمعوية ونخب فاعلة في العمل العام موجهة هذه الرسائل إلى الولاية ،والسلطات المحلية بشكل أدق لا يمكن استيعابها والتعاطي معها بطريقة اتصالية جيدة إلا إذا كان الطاقم الذي يشتغل مع الوالي مؤهلا ،وقادرا على تقدير المواقف الاتصالية ،ونشر ما يمكن نشره إعلاميا في إطار الاتصال المدروس مع المواطن وفعاليات اخرى .
هنا على الوالي أن يكون فعلا مالكا لقدرة وخبرة في الاتصال تجعله يدير جزءا هاما من الشأن العمومي برؤية اتصالية تخدم الدولة وتعزز من توازن مؤسساتها ،وتحقق في استقرارا مجتمعيا ،وسياسيا هاما قد لا تحققه المشاريع التنموية على أهميتها ولعل من أهم الخصائص المهنية التي يجب أن تتوافر لدى الوالي قدرته على الإقناع.
إدارة الأزمات فن وعلم يطب
الاحتجاجات مثلا التي تقع في أكثر من مناسبة في ولاية من الولايات لا تتطلب المعالجة الأمنية ،ولا الظرفية ،والكثير من هذه الأزمات لوتمحصنا في تفاصيلها وتوقفنا عند كرونولوجيا الأحداث لوجدنا أن غياب الاتصال مثلا في الوقت المناسب كان سببا في تأزيم الأوضاع وتأخر الحلول ،وترك الوضع متأزما إلى غاية اتخاذ إجراءات تطمينية لا يكون الاتصال فيها حاضر بالشكل المطلوب ولا المنشود ولوعدنا إلى ماحدث لولاة مؤخرا في ولايات عديدة بدا فيها الأداء الاتصالي غير مقنع لتأكدنا أن الاتصال وفنونه ،والاحترافية في ممارسته خاصة في المناصب السامية لقطاع الداخلية والجماعات المحلية يعتبر في الوقت الراهن ضرورة ملحة بل إن الاتصال الذي يمارسه المسؤول بكفاءة عالية يمكن أن يكون مفتاحا للحل وطريقا ممهدا للعديد من الحلول ،ولا يحتاج هذا الأداء الاتصالي إلا لتكوين عميق يراعي العديد من التحولات التي تطرأ على المجتمع وخاصة الاهتمام بمنابر التواصل الاجتماعي التي أضحت في هذا الوقت ،وسيلة اتصالية فعالة تستقطب أكبر عدد من المواطنين خاصة منهم الشباب لو تأملنا في حيثيات المشهد الاتصال المؤسساتي لمؤسسات قطاع الداخلية والجماعات المحلية لوجدنا أن استحداث صفحات للفايسبوك على التواصل الاجتماعي للولايات ورد الوالي المباشر على انشغالات المواطنين أسس لتقاليد اتصال هامة وفعالة ،وأعتقد أن الأداء الحالي اتصاليا للكثير من صفحات الولايات ليس ثابتا فهناك ولايات أرى كباحث في الاتصال والإعلام مهتم بالاتصال في الجماعات المحلية أدائها الاتصالي عبر صفحة الفايسبوك نوعيا وعاليا ومهنيا وهناك نقائص أخرى في ولايات أخرى أعتقد يجب الانتباه إليها خاصة من قبل الولاة الذين ندعوهم إلى الاعتماد على مستشارين في الاتصال ونحن نلح على هذا الطلب لأنه أضحى ضرورة قصوى ،وقد أثبتت الأحداث الأخيرة التي جرت في العديد من الولايات ،وأقصد حركة لاحتجاجات طابعها مطلبي حاجة الولاة إلى امتلاك قدرات في الاتصال مقنعة ،وبالنسبة لخلايا الاتصال بدواوين الولاة فإننا نلاحظ بحكم الاهتمام أنها تحتاج لرؤية مهنية جديدة في نشاطها ،وعملها ،ولا يمكن أن تكون فقط هذه الخلايا همزة وصل بين الوالي،والصحافة وإنما يجب توسيع دائرة النشاط إلى مجالات أخرى ترتكز مثلا على أن تنظم هذه الخلايا أبوابا مفتوحة على الولاية وتؤسس لتقاليد اتصال مع المجتمع المدني وتقترب أكثر من المواطن ،وتكون الجهة التي تنسق تحت إشراف رئيس ديوان الوالي الاتصال بين مختلف الإدارات ،والمؤسسات وتوسيع دائرة نشاط هذه الخلايا يمكن أن يؤسس لتقاليد عمل فعالة لخلايا الاتصال التي يجب رفع عدد موظفيها ،وعدم الاعتماد فقط على موظفين عددهم ضئيل في هذه الخلايا الاتصالية والإعلامية الهامة فألاهم هو أن هذه الخلايا تعتبر الواجهة الاتصالية للولاية كجهاز إداري تنفيذي ثقيل يمثل رئيس الجمهورية والحكومة ولا يمكن أن نرى المؤسسات التي تؤطر نشاطات الدولة ونحن نتحدث عن الاتصال إلا بهذه المقاربة والرؤية فكل ما يتعلق بتسيير شأن الدولة لا يمكن إلا أن يؤطره الأكفاء ويجسد في سياسة اتصال ،وإعلام فعالة تشترك فيها حتى وسائل الاعلام التقليدية والحديثة .
“الولاة ” مقاربة جديدة للتسيير
لذا لم يعد منصب الوالي منصبا سياسيا فقط بل أصبحت الوظيفة تجتمع عندها الكثير من الوظائف وهذا الذي يجب أن تقيم له وزارة الداخلية والجماعات المحلية الحسبان ،وتتدبر فيه بإمعان لأن الأحوال تتغير وإدارتها يجب أن تتغير على مستوى الذهنيات والممارسات لدى المسؤولين المحليين المطالبين بتجديد معارفهم والاهتمام اكثر بفنون الاتصال مع المواطنين وكل الطاقات الفاعلة في المجال العمومي سواء كانت رسمية أو غير رسمية .
ويبدو أن فنون الاتصال أضحت ضرورة في إدارة الأزمات في العديد من الولايات وعلى الولاة أن يتمتعوا بالقدر الكافي من هذه المؤهلات الهامة التي يجب أن تتوفر في إدارة الشأن العام في بعده المحلي والسياسي فقد انتهى عهد التسيير بعقلية المكاتب فالمواطنون في الوقت الراهن تحولوا فعلا إلى جهة تسائل الولاة والمسؤولين عن ما هو موجود وما ينجز من مشاريع ،ويطرحون انشغالا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهذا تحول اتصالي يجب على المسؤولين الانتباه إليه والتعامل معه باحترافية ،ومهنية عالية فالاتصال علم يطلب .يتبع ..