أقلامالأولى

الاحتباس المنزلي و الحكومة الالكترونية

بقلم: الوليد فرج
 
 
في الوقت الذي تعالت فيه نداءات التحذير و التنبيه عبر العالم من ساسة و خبراء و ناشطين ، تدعو إلى التضامن و التآزر و التعاون الدولي ، لمجابهة فيروس كورونا ، لضمان المعالجة الفعالة لهذا الوباء ، تحت وقع صدمات الأرقام المهولة لضحايا هذه الجائحة ، اعتبرت أصوات أخرى أن هذا المرض يعد فرص للولايات المتحدة الأمريكية والصين من أجل التعاون والتشارك في الانتصار على هذا المرض ، الذي يعتبر كارثة عالمية ، لا سيما بعد تحقيق الصين نجاحا ملموسا في السيطرة عليه ، حيث أعلنت عدة قنوات صينية رسمية ، أنه منذ يوم الإثنين وعلى مدار سبعة أيام ، لم يتم تسجيل أي إصابة جديدة بالفيروس ، في يوهان بؤرته الأولى ، وغادر المستشفيات 271 مريض ، رغم التحذير من احتمال حدوث موجة جديدة للمرض بعد  تسجيل 693 حالة وافدة من 42 دولة حتى نهاية يوم السبت ، رغم انخفاض حالات العدوى إلى أكثر من 3000 الجهود في تكاثف مستمر ، وصلت إلى معالجة حاملي الفيروس دون أعراض .
و توازيا مع بديهيات الثقافة الصينية في مثل هذه الأوضاع لم تكتفي الصين بتقديم خبراتها في الوقاية و مكافحة هذا الوباء ، باعتبار إن هذا الفيروس فوقوطني لا يؤمن بحدود ولا آفاق ، فنقلا عن شينخوا قدمت الصين مساعداتها من دعم لوجيستكي طبي لـ 89 دولة و4 منظمات دولية مقسمة على 4 دفعات في التصدي لهذا الوباء، في انتظار الانتهاء من إعداد الدفعة الخامسة من البرامج الدولي الذي قررته بكين في  تنفيذ المساعدات .
إن المتفحص في إدارة ومعالجة بكين لهذه الأزمة الصحية البيولوجية الكارثية المتعددة المخاطر على أكثر من صعيد ،يجد أن السياسة الصارمة للحجر الصحي و الاستجابة الشعبية للحجر المنزلي الطوعي  ، كانت المنعرج الحقيقي لتحقيق هذه النتائج الممتازة في مقارعة هذا الفيروس الفتاك .
 فكيف نجح هذا التدبير داخل المجتمع الصيني ؟ لماذا ألتزم الصينيون منازلهم ؟ وكيف أداروا حياتهم من غرفهم ؟
لعل الشعب الصيني يعتبر أكثر الشعوب استجابة و تحاقلا  تعاليم المرفق العمومي و التزاما بقراراته ، وأكثر انسجاما و تضامنا فيما بينه ، نظرا لطبيعة النظام المؤسساتي التربوي الصارم الذي تخضع له التنشئة الاجتماعية و إدارة الحياة العامة ، الذي غرس ثقافة جمعية خلقت ما نسميه بمجتمع التعنصر الوظيفي ، أين يصبح كل فرد هو عنصرا داخل الكتلة المجتمعية يؤدي دورا يكمل دور الذي سبقه ، ممهدا دور الذي يليه في ارتباط وظيفي ، تحت صرامة القيادة الإدارية المرفقية  . 
كما أن الطفرة العلمية في ميدان تكنولوجيات الإعلام و التواصل في العالم كان للصين نصيب وافر منها ، مما جعلها قوة اقتصادية كونية ، استطاعت من خلالها توظيف الذكاء الصيني في كل المجالات و الاختصاصات ، باستغلال أنجع البرامج و النظم و السياسات وتأتي وعلى رأسها ما يسمى اليوم الحكومة الالكترونية والتي كانت المحور الأساس في نجاح الحجر الصحي المنزلي . أي تصير الحياة و المعايش رهن كبسة زر .
الحكومة الالكترونية تعتبر الطريقة المتكاملة و المستمرة لتوفير الخدمات العمومية واعتمادا على الاستعمال الأمثل لتكنولوجيات الاتصالات ، حيث تسمح بتحسين نوعية الخدمات العمومية الموردة الكترونيا ، كانعكاس حقيقي و وجه من أوجه التطور الذي تصل إليه الحكومة البيروقراطية الكلاسيكية .
وفي هذا الصدد نقلا عن وكالة شينخوا صرح تشو بو وين، رئيس الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي بمجموعة جيه دي ورئيس لجنة التكنولوجيا بالمجموعة، إن منصة الذكاء الاصطناعي الإبداعية المفتوحة لسلسلة الإمداد الذكي تضطلع بدورها بفضل الجهود المشتركة للسلطات الحكومية والشركات ، و على اعتبار أن أول أسلحة أي معركة هي المعلومة ، استحدث الصين بعباقرتها : “منصة النشر والمطابقة لمعلومات موارد الطوارئ” التي صار لديها أكثر من 15 ألف مستخدم، ووفرت 66 مليون قطعة من الإمدادات لـ 600 مؤسسة حكومية و 500 مؤسسة طبية في أنحاء البلاد. طبقا لنفس المصدر و تم استحداث  المنصة الالكترونية : للخدمة العامة للبيانات الكبرى الصناعية الوطنية لإمدادات أعمال الوقاية من الوباء ومكافحته”.
لتبين لنا أن الحرب ضد الفيروسات العالمية القادمة التي تتهدد البشرية بالويل ، متعددة الأسلحة ، ومنها الاحتباس المنزلي ، الذي يستحيل  أن لم تتوفر موجباته و شروطه ، وعلى رأسها الحكومة الالكترونية و التي بدورها تستحيل دون رقمنه الخدمات الرديئة في شكلها الكلاسيكي أصلا ، مع تأخر المنظومة البنكية التي مازالت في العهد الورقي و طابورات الانتظار.
في حين تبقى مفاخرات الوزير الاول بمناسبة زيارته لمستشفى فرانز فانون بالمقدرات الكفاءات البشرية لقطاع الصحة المهترئ قبل فيروس كورونا ، مجرد دوباج سياسي ، لا يلقح و لا يقي من فيروس كورونا ، وإشاداته بآليات التضامن التي وفرتها الدولة حيث تعهد على لسانها بأنها لن تترك مواطنا واحد دون مساعدة . في الوقت الذي صارت فيه حفنة سميد تقايض بالذهب ، و كيس الحليب قبل كورونا أثار زوابع و معارك دونكيشوتية من نافلة القول إعادة ذكره .
تبقى الحوكمة الرقمية و الحكومة الالكترونية و أدواتها ، التي انفجرت منذ 1998 بعيدة عن لغة الخشب ، و السياسات الترقيعية الفاشلة التي عجزت في إدارة الشأن العام و المرفق العمومي بالطريقة التقليدية الكلاسيكية ، فلا يمكن الحديث عنها مع محترفي البلايستيش.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى