د.غازي حسين
انطلق الاستعمار الاستيطاني من مقولة الرجل الأبيض المتفوق، والحضارة الأوروبية المتطورة، وتخلف شعوب آسيا و إفريقيا، ووجوب تحضيرهم بنشر الحضارة الغربية و الديانة المسيحية في أوساطهم.
كانت الأرض والمياه والثروات الطبيعيةهي الهدف الأساسي للمستوطنين بدعم وتأييد كاملين من الدول الاستعمارية. واتصفوا بالمعاملة الوحشية والعنصرية للسكان الأصليين لإذلالهم وكسر إرادتهم وإخضاعهم ودفعهم إلى الاستسلام أمام غطرسة المستوطنين ووحشيتهم.
استغلت الدول الأوربية الاستعمار الاستيطاني كوسيلة لفرض هيمنتها وحضارتها على الشعوب الآسيويةوالافريقية.
اتسمت العلاقة بين المستوطنين والسكان الأصليين بإنكارهم حقوقهم في ملكية الأرض وحقوقهم السياسية والإنسانية، والتصميم على إبادتهم وترحيلهم خارج وطنهم.
الاستيطان هو إن يقوم غرباء باستيطان أرض يملكها السكان الاصليين بتأييد من الدول الأوروبية، فالمستوطنون غرباء، جاؤا من وراء البحار، واستقروا في أرض ليست لهم، وهدفهم زيادة الهجرة والاستيطان والأرض المغتصبة، وكسر إرادة السكان الأصليين بالقوة والإرهاب والإبادة العنصرية.
تزعم الأنظمة الاستيطانية بأنها أنظمة ديمقراطية،وهي في حقيقة الأمر ديمقراطية للمستوطنين فقط و عنصرية و إرهابية وطاغية مستبدةبحق السكان الأصليين .وتتجلى عنصرية المستوطنين و إغراقهم في العنصرية و التمييز العنصري و الإبادة الجماعية باستخفافهم بحقوق و حياة وكرامة و أملاك السكان الأصليين , فارتكاب المجازر الجماعية و مصادرة الأراضي حدث طبيعي في سلوكهم وممارساتهم .
ثبت بجلاء التحالف الاستراتيجي بين أنظمة الاستعمار الاستيطاني ومنها الكيان الصهيوني مع الدول الاستعمارية. «فالاستعمار الاستيطاني كجزء لا يتجزأ من الظاهرة الاستعمارية ينبع أساسا من المصالح الإستراتيجية والاقتصادية التي تعمل على تعميم الحضارة الغربية ”
وترافقت بعض حالات الاستعمار الاستيطاني الأولى مع بدء عهد الاكتشافات الجغرافية. ويستمد وجوده من مرحلة التوسع الاستعماري التقليدي.
واعتبر العنصريون الأوربيون من أمثال اللورد آرثر بلفور” إن الاستعمار الاستيطاني هو حق للرجل الأبيض في نقل الحضارة الغربية للشعوب المتخلفة، وذلك باحتلال بلدانهم،”ولو كان ذلك القضاء السكان الأصليين ”
قام الاستعمار الاستيطاني اليهودي على أسس استعمارية وعنصرية تخالف مبادئ القانون الدولي. وميثاق الأمم المتحدة وبقية العهود والمواثيق والقرارات الدولية.
اعتبر هرتسل أن هجرة اليهود إلى فلسطين والاستيطان فيهاوترحيل العرب منها المرتكز الأساسي للحركة الصهيونية لإقامة إسرائيل في فلسطين العربية. و طالب بترحيل العرب عن دولة اليهودية المزمع إقامتها، وطردهم عبر الحدود، وحرمانهم من العمل لتسهيل طردهم.
رفع المؤسسون الصهاينة شعار:” فلسطين وطن بلا شعب، لشعب بلا وطن،” وذلك لتسهيل اقتلاع الشعب العربي الفلسطيني من وطنه و توطين المهاجرين اليهود محله .
أصبحت الهجرة اليهودية، و الاستيطان اليهودي، و ترحيل العرب المرتكز الأساسي في الفكر و الممارسة الصهيونية لتحقيق الاستعمار الاستيطاني بإقامة الكيان الصهيوني .
تبلور الاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين من خلال أربع مراحل:
المرحلة الأولى: تهجير اليهود إلى فلسطين.
المرحلة الثانية: الاستيطان فيها وبناء المستعمرات اليهودية والعصابات الإرهابية اليهودية المسلحة بمساعدة حكومة
الانتداب البريطاني.
المرحلة الثالثة: استخدام سلطة الانتداب والمجازر والإرهاب لمصادرة الأراضي وترحيل العرب.
المرحلة الرابعة: إشعال الحروب العدوانية وارتكاب المجازر الجماعية وتدمير القرى والأحياء العربية لتحقيق التوسع والاحتلال و الضم و التهويد و الترحيل.
المرحلة الخامسة: تحويل كيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي والإرهابي والعنصري الوحيد المتبقي في العالم إلى امبريالية يهودية في البلدان العربية عن طريق اتفاقات الإذعان وإسرائيل العظمى الاقتصادية ومشروع الشرق الأوسط الجديد.
في بادئ الأمر قامت الحركة الصهيونية بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ببناء القاعدة الديمغرافية اليهودية الغربية في فلسطين.
اتصف سلوك المستوطنين اتجاه سكان فلسطين الأصليين بإلاستعمار الاستيطاني والعنصرية والإرهاب والازدراء والكراهية والبغضاء من اجل ترحيلهم وجلب قطعان جديدة من المستوطنين اليهود.
وأخذت الحركة الصهيونية بدعم من سلطات الانتداب البريطاني تقيم المستعمرات اليهودية لترسيخ الوجود اليهودي بخلق الأمر الواقع واعتراف السكان الأصليين به بمساعدة بريطانيا العظمى.
رفع الصهاينة أطماعهم في الأرض والثروات العربية وممارساتهم للعنصرية والإرهاب والإبادة إلى مرتبة القداسة الدينية.
وتصاعدت الهجرة اليهودية من ألمانيا بعد استلام هتلر للحكم فيها، ووقعت الوكالة اليهودية مع وزارة الاقتصاد النازية اتفاقية هافارا لترحيل يهود ألمانيا فقط إلى فلسطين ودفع التعويضات للمهاجرين اليهود الذين يتوجهون إلى فلسطين.
و لعب المهاجرون اليهود الألمان و أموال التعويضات التي دفعتها لهم ألمانيا النازية بموجب اتفاقية هافارا الدور الأساسي في إنجاح الاستيطان و بلورة المجتمع اليهودي في فلسطين , لما ليهود ألمانيا من خيرات في مختلف مجالات الصناعة و التجارة و الخدمات و لأموال التعويضات التي تلقوها على شكل بضائع ألمانية استلمتها الوكالة اليهودية في تل أبيب .
وانطلاقا من ووثائق التعاون بين النازية والصهيونية يمكن القول أن النازية خدمت نجاح الاستيطان اليهودي في فلسطين عن طريق تعاونهما لتنظيف ألمانيا وأوربا من اليهود و إرسالهم إلى فلسطين.
إن الاستعمار الاستيطاني اليهودي بشكل خاص يتعارض مع مبادئ القانون الدولي المعاصر، التي أكدت على ضرورة إنهاء الاستعمار بكافة أشكاله، وفي مقدمتها الاستعمار الاستيطاني الذي يشكل أبشع وأخطر أنواع الاستعمار، أنظمة الاستعمار الاستيطاني بحكم نشأتها الاستعمارية، وطبيعتها العنصرية، وممارساتها للإبادة و العقوبات الجماعية تنتهك أحكام و مبادئ القانون الدولي، و أهم العهود و المواثيق الدولية.
وتشكل انتهاكا فاضحا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والتي تنص على: ” لا يجوز لدولة الاحتلال إن ترحل أو تنقل جزءا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها «أثبت التاريخ البشري إن مصير الاستعمار التقليدي و الاستيطاني و النظم العنصرية إلى الزوال زالت النازية من ألمانيا والفاشية من ايطاليا والعنصرية من روديسيا والبرتغال والابارتايد من جنوب إفريقيا الاستعمار الاستيطاني من الجزائر ومصير اسرائيل إلى الزوال.