
من العناوين المهمة التي تدعمت بها المكتبة الوطنية مؤخرا ،كتاب ( معجم طلبة الإمام عبد الحميد بن باديس) للباحث لحسن بن علجية ، الصادر عن دار الهدى للنشر و التوزيع بعين مليلة ،ضمن سلسلة البحوث و الدراسات التي دأبت مؤسسة الإمام ابن باديس تحت رئاسة الأستاذ الدكتور عبد العزيز فيلالي على نشرها ،حفاظا على تراث جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، و التعريف برجالاتها في ميادين التعليم و الإصلاح الديني و الاجتماعي ،و يعد هذا الكتاب هو الإصدار رقم 51 من حصيلة منشورات المؤسسة المتنوعة .
الكتاب يقع في 352 صفحة من حجم 15.5 سم*23.5سم . و قد أفرده المؤلف لذكر أسماء تلاميذ الإمام ابن باديس و شذرات من آثارهم و مآثرهم ،حيث قيد فيه تراجم لبعض التلاميذ المغمورين ،مع اختصار في تراجم المشهورين منهم ،و هناك من اكتفى بقوله (لم أقف على ترجمته ). و هؤلاء هم علماء و أدباء و شعراء و خطباء و سياسيون و مجاهدون و شهداء…أبلوا بلاء عظيما في تعليم و توعية أبناء الأمة الجزائرية ،و المحافظة على مقومات شخصيتها الحضارية و الوطنية .
في مقدمة الكتاب ،أشار المؤلف الى أن السبب الرئيس لاهتمامه بهذا الموضوع، يعود إلى أن جل المصادر و المراجع التي صنفت في سيرة و مسيرة الإمام ابن باديس لم تتطرق الى هذا الجانب ،حتى بقي من الجوانب المنسية ،و بالأخص في مجال حركته التعليمية ،رغم أن الشيخ ابن باديس بقي ينشر العلم زهاء خمس و عشرين سنة ،و تتلمذ عليه بضعة آلاف من الطلبة من مختلف مدن و قرى الجزائر، بل و حتى من خارجها كالمغرب و دول افريقية .
اعتمد المؤلف في إنجاز بحثه على أسماء طلبة ابن باديس الذين ذكرهم بقلمه في مجلة الشهاب -المجلد 10 الجزء 08 الصادر سنة 1934- ،مع ذكره أسماء العرفاء و المدرسين المساعدين له ،بالإضافة الى الأسماء المذكورة في صحف ابن باديس (المنتقد و الشهاب ) ،و جرائد جمعية العلماء و بالأخص :البصائر في سلاسلها الأربعة ،و السنة و الشريعة والصراط ،مع الاستفادة من مذكرات الأستاذ الشاعر عثمان بوقطاية، و كتاب (بين السنة و البدعة ) للشيخ أحمد حماني.
حيث تمكن من جمع أسماء ما يقارب 600 طالبا .و جاء ترتيب الأسماء وفق التوزيع الجغرافي لمناطق الطلبة -35 من الولايات حسب التقسيم الإداري القديم -.و منهم أسماء مشايخ تتلمذوا عليه ،و كلفهم بمباشرة الحركة التعليمية و الإصلاحية و بناء المساجد و المدارس الحرة في بعض مدن الجزائر و قراها .
و من خصائص الحركة التعليمية للشيخ ابن باديس أن تلامذته لم يكونوا من قطان مدينة قسنطينة و ما جاورها من البلدات، بل أكثرهم من الوافدين عليها من أغلب العمالات الجزائرية، و خاصة من أبناء زواوة و الأوراس و الزيبان .
في توطئة الكتاب أورد الكاتب لحسن بن علجية بالتفصيل جهود الإمام ابن باديس التعليمية ،و المساجد التي اختارها لتعليم طلبته ،حيث اتخذ من الجامع الكبير بقسنطينة مركزا في بدايته سنة 1913 ،قبل أن يتحول إلى المسجد الأخضر بعد عودته من أداء فريضة الحج ، و متخذا من بعض مساجد قسنطينة فروعا له كمسجد سيدي قموش و جامع سيدي بومعزة .
و قد قصد بعض المدن و القرى الجزائرية لإعلام أهلها بمشروعه التعليمي، وحثهم على إرسال أبنائهم للتلمذ عليه، و أن التدريس دون مقابل ،رغم تحذيرات المناوئين له.
و قد تكفل بالطلبة الوافدين عليه عن طريق بعض أصحاب المخابز و المطاعم بإطعام تلامذته، مع المساعدات التي تأتيه من مختلف المدن.كما أسكن الطلبة الوافدين في الطابق العلوي من مسجد بومعزة، زيادة على استضافة بعض العائلات القسنطينية كثيرا من تلاميذه مع التكفل بهم ماديا، الى غاية شراء دار كبيرة تحوي على ثلاثة طوابق .و تكفل بعض الأطباء بالسهر على صحة الطلبة و علاجهم منهم محمد الصالح بن جلول .
و علاقته الانسانية و الاجتماعية بطلبته فقد كان يقدم لهم النصائح و الإرشادات ،و يحثهم على الإجتهاد في طلب العلم و حفظ متونه ،و التعلق بأخلاق القرآن و ينصحهم بوضه العمائم على رؤوسهم ،و نهجه في تعليم العلم معتمدا على مناهج و مقررات التدريس بجامع الزيتونة ،و الكتب التي اعتمد عليها في إلقاء دروسه في علوم : التوحيد و التفسير و الحديث و الفقه و أصوله و السيرة النبوية و النحو و الصرف و التجويد و المنطق …، و أساليب و طرق تدريسه ،و امتحاناته لطلبته عند التسجيل بهدف توجيههم الى الطبقة التعليمية التي تناسب تحصيلهم العلميو كذلك عند انتهاء السنة الدراسية ،و الغاية المنشودة من التدريس .و من مميزاتها اجتهاده في إرسال بعثات من الطلبة لمتابعة دراستهم العليا بجامع الزيتونة المعمور بتونس، و عزمه على إرسال بعض الطلبة الى جامع الأزهر الشريف، و كذا السعي سنة 1938 الى إرسال بعض تلميذات مدرسة التربية و التعليم بقسنطينة للدراسة في مدرسة دوحة الأدب الخاصة بتعليم البنات بدمشق لصاحبتها الأميرة عادلة بيهم الجزائري – حفيدة الأمير عبد القادر -،مستخلصا أن الإمام ابن باديس كان قدوة لطلبته فهو الذي غرس فيهم ملكة التفكير الصحيح و الاستدلال و النقد ،و أعار لهم كتبه ،و اتسع صدره لمناقشتهم و اعتراضاتهم ،لهذا بقي اسمه منقوشا في ذاكرتهم ،و يحترمونه رغم تقدمهم في السن .
أما ملحق الكتاب فقد ضم مجموعة من الصور الخاصة بالجامع الأخضر و جامع سيدي قموش و جامع سيدي بومعزة قديما و حديثا ،بالإضافة الى صور تلامذة الإمام حسب طبقاتهم ( الأجرومية – القطر – المكودي – السعد ) ،و صورته مع العرفاء ..ثم قائمة المصادر و المراجع .
و من فوائد هذا البحث الجاد هو الكشف عن أسماء الكثير من الطلبة المنسيين ،مع ذكر أسماء بعض تلميذات الإمام بقسنطينة .
و نتمنى من أساتذة الجامعات الجزائرية توجيه طلبتهم الى دراسة كتاب ( معجم طلبة الإمام عبد الحميد بن باديس ) المهم دراسة تحليلية إحصائية مستفيضة ،لما يحتوي عليه من معلومات ثرية .خاصة و أن ابن باديس كان يهيىء و يعد تلامذته ليحملوا أمانة العلم ،ليكونوا علماء عاملين،و دعاة ربانيين ،و معلمين رساليين ،و يبذلون كل غال و نفيس ،لتبليغ أمانة العلم و الوفاء بواجابته.
و لعل هذه الدراسة ،كما أشار المؤلف – تكون حافزا لبعض الباحثين ،فينجزوا على نهجها رسائل يقيدون فيها أسماء طلبة بعض الزوايا العلمية و بالأخص: زاوية الشيخ علي بن عمر بطولقة ،و الزاوية الرحمانية بالهامل، و زاوية بلحملاوي بتلاغمة، و زاوية عبد الرحمان اليللولي ،و زاوية شلاطة ،و زاوية ابن أبي داود بآفلو و غيرها من الزوايا التي تصدر فيها مشائخ أجلة لتدريس العلوم لطلبتها – .
للإشارة ،فإن الكاتب لحسن بن علجية من الأقلام التي تحاول التنقيب في المخطوطات الوطنية و تحقيق الوثائق النادرة. أصدر على نفقته الخاصة مجموعة من الكتب تناولت التراث الجزائري منها :
– ابن باديس من خلال الإجازات و الوثائق و تقارير المخابرات الفرنسية .
– مراسلات في التاريخ و التراث الجزائري( الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله شيخ المؤرخين).
– العلامة محمد حمدان بن أحمد الونيسي القسنطيني المدني: حياته و آثاره
– تعشير البردة لناظم مجهول.
– ثلاث رسائل نادرة للإمام عبد الحميد بن باديس .
– الدر النفيس في إجازات و مرويات الإمام عبد الحميد بن باديس .
– العلامة نعيم النعيمي :حياته و آثاره .
– أشعار الإمام عبد الحميد بن باديس .
– العقد الجوهري في التعريف بالقطب الشيخ عبد الرحمان الأخضري .
– العلامة عبد القادر بن ابراهيم المسعدي :حياته و آثاره.
– الشيخ عمر دردور سيرة و مسيرة .
– أعلام جزائريون في بلاد الحرمين الشريفين .
– الشيخ علي بن أحمد بن محمد سلطاني حياته و آثاره .
-إرشاد الحائر الى من دخل من الصحابة و التابعين بلد الجزائر .
– شرح إملاءات الإمام عبد الحميد بن باديس في العقائد الإسلامية .
عرض : الأخضر رحموني