
الحفناوي بن عامر غـول
تعيش العديد من مديريات التربية هذه الأيام وككل عام بمناسبة الدخول المدرسي،على وقع احتجاجات من طرف أولياء التلاميذ ، بعدما سرحت المؤسسات التربوية آلاف من الأطفال تحت مسمى التسرب المدرسي دون أن تدرك حجم الكارثة ومصير هؤلاء في ظل المشاكل الاجتماعية . وغياب أي تأطير لهم أو على الأقل توجيههم للحياة العملية ،سواء عن طريق التكوين أو إعادة تعليمه ضمن التعليم عن بعد عبر المراسلة .فالأرقام كبيرة وتدعوا للحيطة والحذر ووضع تصور وحلول في القريب العاجل لانتشالهم من الضياع .حيث في كل سنة نجد حوالي عشرة آلاف متسرب – حسب إحصائيات رسمية- مصيرهم الضياع ،ولم يجدوا سوى الشارع ملجأ ومحتضنا،إذ يتأقلمون معه بسرعة في غياب الرقابة والمتابعة من طرف الأسرة التي تعيش هي الأخرى مشاكلها اليومية مع غلاء الأسعار ورحلة البحث عن لقمة العيش وكيفية إيجاد حل لمشكل بطالة أرباب الأسر ، والاكتظاظ في البيوت وظاهرة الأمراض الاجتماعية التي تلاحق أبنائنا خاصة توسع عالمي الجريمة والمخدرات والتي لم يسلم منها حتى الكبار والجامعيين والمثقفين غيرهم الذين يشكلون بدورهم جيشا من البطالين.
وفي ظل عدم الاهتمام فان فلذات أكبادنا تضيع منا أمام أعيننا ،حيث آلاف الأطفال يطردون من المدارس بسبب منظومة تربوية فاشلة لم تتأقلم مع محيطها . وضعف المستوى لدرجة يعجز فيها تلميذ سنة رابعة متوسط عن كتابة اسمه باللغة الأم.يضاف لها لا مبالاة القائمين على القطاع بعدما تحول التعليم والتربية من رسالة إلى مجرد وظيفة تتم عن طريق المحسوبية والمعريفة واستفحال ظاهرة الرشوة في التوظيف والترقية . وابتعاد المدير عن واقع مدرسته و غرور أساتذة ومعلمين لا يؤدون وظيفتهم على أكمل وجه و الغياب المستمر لهم، يضاف له سلسلة الاضطرابات والإضرابات التي شهدتها المؤسسات التربوية طيلة عشريتين أتت على ما تبقى من أخضر ويابس، ورفع مطالب تعجيزية ضع معها مستقبل التلاميذ والطلبة فلم يعد هناك من يستوعب الدروس .لندخل في متاهات سوء التسيير ، ويتحول أبنائنا من عالم التربية إلى مجال إعادة التربية. وحتى التكوين الذي له وزارة لم يعوض المدرسة لأنه غير مؤهل وغير مهتم به ، ولا يعرف حتى كيف يجذب المتسربين ، مع أن العزوف عن الالتحاق بعالم التكوين والتمهين له أسبابه ، باعتبار أن الشاب الراغب في التكوين ينظر من حوله إلى جيش من خريجي الجامعة البطالين ومنهم آلاف من حملة شهادة الدكتوراه ! ، وهو يدرك أن مقعد جامعي يعني منصب عمل؟. ولهذا فالفشل تتحمله مصالح كثيرة أثبتت عدم القيام بدورها وتحمل مسؤوليتها. بعدما تخلت الأسرة والمدرسة عن دورهما المنوط ،وعشعشت البيروقرطية في عقول المسؤولين الذين اثبتوا أنهم غير قادرين على أداء مهامهم والنهوض بقطاعات التربية والتعليم والتكوين، تاركين المتسربين من الأطفال في مواجهة مع المشاكل والإدمان. فاسحين المجال لمصالح الأمن وجهاز القضاء وإدارة السجون للتعامل معهم، حيث أصبح كل متسرب مشروع مجرم ،ونخلق منهم (مواطنين) غير صالحين فاقدين لصفة المواطنة،و يكبر معهم الغل والحقد ويكفرون بكل ما يربطهم بالوطن ، ثم بعد ذلك نتحسر على وضع كان يمكن إصلاحه بالحكمة والإحسان إلى فلذات أكبادنا.