أقلامالأولى

التطور التاريخي لقانون الصفقات العمومية

الجزء الثاني

محمد سعيد بوسعدية      

جاء في المادة 139 المطة 10 من دستور 2020، “أن القواعد العامة المتعلقة بالصفقات العمومية من مجال القانون التي يُشرع فيها البرلمان”. ويعتبر هذا الإجراء سابقة دستورية وتشريعية في تاريخ الأحكام الخاصة بقانون الصفقات التي كانت من المجال التنظيمي منذ أول نص ظهر في عهد الرئيس هواري بومدين في سنة 1967 إلى آخر نص ظهر في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في سنة 2015. وهذا يعني أنّ فترة الرئيس عبد المجيد تبون ستعرف لأول مرّة إصدار قانون الصفقات العمومية من قبل السلطة التشريعية بدل السلطة التنفيذية، أي ينتقل من المجال التنظيمي إلى المجال التشريعي. في انتظار ذلك، نحاول عبر هذا المقال التطرق إلى التطور التاريخي لقانون الصفقات الذي عرف ستة نصوص أساسية إلى جانب تسعة عشر تعديلا، أي بمعدل تعديل في كل ثلاث سنوات وهو ما ينم عن حساسية هذا النص التنظيمي وعدم استقراره مما يعني غياب الأمن القانوني، فلنتابع الجزء الثاني 

  • فترة الانفتاح الاقتصادي من 1991 إلى 2002

 

تميّزت هذه الفترة بصدور المرسوم التنفيذي رقم 91-434 المؤرخ في 9 نوفمبر 1991 والمتضمن تنظيم الصفقات العمومية. وقد روعي في إعداد هذا النص التنفيذي مجمل الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية والسياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي والتي كرّسها كل من دستور 1989 ومختلف القوانين الصادرة خاصة قوانين البلدية والولاية والمحاسبة العمومية ومجلس المحاسبة والنقد والقرض والأملاك العمومية.

 

وقد تعرّض هذا النص إلى ثلاثة تعديلات تتمثل في النصوص التالية:

 

– المرسوم التنفيذي رقم 94-178 المؤرخ في 26 جوان 1994 ؛

– المرسوم التنفيذي رقم 96-54 المؤرخ في 22 جانفي 1996 ؛

– المرسوم التنفيذي رقم 98-87 المؤرخ في 07 مارس 1998 .

 

وقد حافظ هذا النص على تشكيلة رقابة الصفقات والمتمثلة في الرقابة الداخلية والخارجية والوصائية. حيث أوكل، على غرار مرسوم 1982، الرقابة الداخلية إلى لجنة فتح الأظرفة ولجنة تقييم العروض والرقابة الخارجية لمختلف لجان الصفقات والرقابة الوصائية للسلطة الوصية.

  • فترة الإنفاق العمومي من 2002 إلى 2010

 

تميزت هذه الفترة بصدور المرسوم الرئاسي رقم 02250 المؤرخ في 24 يوليو 2002 والمتضمن تنظيم الصفقات العمومية. وقد تم إعداد هذا النص في ظروف اقتصادية تميزت بالإنفاق العمومي الكبير نتيجة انطلاق المشاريع الكبرى على غرار الطريق السيار ومواصلة مشروع “ميترو” الجزائر وانطلاق مشاريع “التراموي” ببعض مدن الجزائر وهو الأمر الذي يتطلب تسيير راشد وعقلاني واقتصادي في آن واحد مدعم بنصوص تنظيمية تحمي المسير وتؤطره. 

 

وقد تعرض هذا النص هو الآخر لتعديلين تمثلا في النصين التاليين:

 

– المرسوم الرئاسي رقم 03301 المؤرخ في 11 سبتمبر 2003 ؛

– المرسوم الرئاسي رقم 08338 المؤرخ في 26 أكتوبر 2008

 

وعلى غرار النصوص السابقة، حافظ هذا النص على تركيبة الرقابة بأنواعها الثلاث أي الداخلية والخارجية والوصائية. وقد خول الرقابة الداخلية للجنة فتح الأظرفة ولجنة تقييم العروض التي أمست لأول مرة تٌقيم العروض على مرحلتين: الأولى تقوم فيها بالتقييم التقني للعروض حيث يتم فيها إقصاء غير المؤهلين تقنيا، ثم تلي المرحلة الثانية ويتم فيها التقييم المالي والذي على إثره يتم انتقاء المتأهلين. أما الرقابة الخارجية فقد أوكلها النص إلى مختلف اللجان، بينما خص الرقابة الوصائية للسلطة الوصية. وقد قام مرسوم 2008 بإدخال تعديلات أساسية في طبيعة لجان الصفقات حيث أضاف لجنة صفقات المؤسسات العمومية ومراكز البحث والتنمية والمؤسسات العمومية الاقتصادية، كما أمست اللجنة الوطنية للصفقات لجنتان الأولى مكلفة بمراقبة صفقات الأشغال والثانية مكلفة بمراقبة صفقات اللوازم والدراسات والخدمات.

  • فترة المحاسبة وإعادة النظر 20102015 

 

تميزت هذه الفترة بإصدار المرسوم الرئاسي رقم 10-236 المؤرخ في 7 أكتوبر 2010 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية. وقد جاء هذا النص في ظروف اقتصادية متناقضة باعتبار أن الجزائر عرفت من جهة وفرة مالية كبيرة نتيجة التهاب أسعار المحروقات في بداية الألفية الثانية كما عرفت من جهة أخرى فضائح مالية وقضايا فساد كبيرة دفعت بالسلطات العمومية إلى وضع منظومة قانونية وتنظيمية قصد حماية المال العام.

وقد تعرض هذا المرسوم إلى ثلاث تعديلات أساسية تتمثل في النصوص التالية:

 

– المرسوم الرئاسي رقم 11-98 المؤرخ في أول مارس 2011؛

– المرسوم الرئاسي رقم 11-222 المؤرخ في 16 يونيو 2011؛

المرسوم الرئاسي رقم 12-23 المؤرخ في 18 يناير 2012؛

– المرسوم الرئاسي رقم 13-03 المؤرخ في 13 يناير 2013.

  • فترة الغموض في تسيير الصفقات العمومية 20152019

عرفت هذه الفترة ظهور المرسوم الرئاسي رقم 15247 المؤرخ في 16 سبتمبر 2015، يتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام. وتطبق أحكام هذا المرسوم على الصفقات العمومية محل نفقات الدولة والجماعات الإقليمية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري والمؤسسات العمومية الخاضعة للتشريع الذي يحكم النشاط التجاري عندما تكلف فقط بانجاز عملية ممولة كليا أو جزئيا بمساهمة مؤقتة أو نهائية من الدولة أو من الجماعة الإقليمية. وقد عرفت هذه الفترة إخلالا كبيرا بقانون الصفقات العمومية وغابت الرقابة والشفافية والمنافسة في المناقصات، كما بينته التحقيقات القضائية.

  • استنتاج

مما سبق، يمكن الوصول إلى عدة استنتاجات، نوجزها فيما يلي:

  • تميّز قانون الصفقات العمومية بعدم الاستقرار، إذ عرف ستة نصوص أساسية و19 تعديلا. غياب الأمن القانون فيما يخص الصفقات العمومية أثرّ سلبا على المستثمرين الخواص سواء كانوا أجانب أو جزائريين، كما أثرّ على النفقات العمومية و تأخير المشاريع الكبرى؛
  • انتقل تنظيم الصفقات العمومية من أمرية رئاسية في عهد بومدين، إلى مرسوم في عهد الشاذلي، إلى مرسوم تنفيذي في حكومة غزالي استمرّ العمل به خلال رئاسة المجلس الأعلى للدولة ورئاسة ليامين زروال، ليصبح مرسوما رئاسيا أي من المجال التنظيمي في عهد عبد العزيز بوتفليقة. حتميا، سيمسي قانونا صادرا من البرلمان في عهد عبد المجيد تبون وفق أحكام الدستور؛   
  • تعتبر الصفقات العمومية بوابة الفساد المالي، ومن ثمة فكل نص ينظم الصفقات العمومية عليه بالشفافية في تنظيم المناقصات واحترام مبدأ المنافسة بين المتعاملين  سواء كانت المناقصات دولية أو وطنية أو محلية. 

 

ملاحظة: المقال مقتبس من كتابي المعنون: مدخل إلى قانون الرقابة الجزائري.  

    محمد سعيد بوسعدية: باحث حر      

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى