محمد سعيد بوسعدية
جاء في المادة 139 المطة 10 من دستور 2020، “أن القواعد العامة المتعلقة بالصفقات العمومية من مجال القانون التي يُشرع فيها البرلمان”. ويعتبر هذا الإجراء سابقة دستورية وتشريعية في تاريخ الأحكام الخاصة بقانون الصفقات التي كانت من المجال التنظيمي منذ أول نص ظهر في عهد الرئيس هواري بومدين في سنة 1967 إلى آخر نص ظهر في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في سنة 2015. وهذا يعني أنّ فترة الرئيس عبد المجيد تبون ستعرف لأول مرّة إصدار قانون الصفقات العمومية من قبل السلطة التشريعية بدل السلطة التنفيذية، أي ينتقل من المجال التنظيمي إلى المجال التشريعي. في انتظار ذلك، نحاول عبر هذا المقال التطرق إلى التطور التاريخي لقانون الصفقات الذي عرف ستة نصوص أساسية إلى جانب تسعة عشر تعديلا، أي بمعدل تعديل في كل ثلاث سنوات وهو ما ينم عن حساسية هذا النص التنظيمي وعدم استقراره مما يعني غياب الأمن القانوني، كما سنرى فيما يلي.
- فترة ما بعد الاستقلال من 1962 إلى 1967
عرفت هذه الفترة فراغا قانونيا فيما يخص الصفقات العمومية، وكان من الطبيعي أن يُسد هذا الفراغ بمقتضى القانون رقم 62–157 المؤرخ في 31 ديسمبر 1962 والرامي إلى تمديد، حتى إشعار آخر، لمفعول التشريع النافذ إلى غاية 31 ديسمبر 1962 ماعدا النصوص التي تمس بالسيادة الداخلية والخارجية أو التي لها طابع استعماري أو عنصري أو التي تمس بالحريات الديمقراطية، إذ تعتبر ملغاة. وعليه تمَّ، في هذه الفترة، تطبيق التنظيم الفرنسي الساري المفعول والمتمثل في النصوص التالية:
– المرسوم رقم 57–24 المؤرخ في 8 يناير 1957، المتعلق بالصفقات المبرمة في الجزائر؛
– المرسوم رقم 57–1015 المؤرخ في 26 أوت 1957، المتعلق بمراقبة الصفقات المبرمة باسم الدولة؛
– القرار المؤرخ في 24 جويلية 1954، المتعلق باللجنة الاستشارية للصفقات بالجزائر؛
– القرار المؤرخ في 26 نوفمبر 1960، المتعلق بتطبيق التنظيم الخاص بصفقات الدولة على الصفقات المبرمة باسم الجزائر.
وقد تدعمت هذه النصوص بعد الاستقلال بالمرسوم رقم 64–103 المؤرخ في
26 مارس سنة 1964 والمتضمن إحداث اللجنة المركزية للصفقات لدى وزارة الاقتصاد الوطني. وتتولى هذه اللجنة تقديم رأي حول احترام التنظيم الخاص بالصفقات العمومية والمتطلبات الاقتصادية لإبرام الصفقة. أما صلاحيات اللجنة فتمتد لكل الصفقات المبرمة من قبل الدولة والمؤسسات العمومية ذات الطابع الاقتصادي.
- فترة التصنيع والمخططات الكبرى من 1967 إلى 1982
تميزت هذه الفترة بإصدار الأمر رقم 67–90 المؤرخ في 17 يونيو 1967، والمتضمن قانون الصفقات العمومية. نشير إلى أن في غياب الدستور المنظم لصلاحيات البرلمان ومجال التنظيم صدر هذا النص على شكل أمرية رئاسية دون أن يكون له طابع تشريعي. والحقيقة أن فترة الفراغ الدستوري الممتدة من 1965 إلى 1976 شهدت الكثير من الأمريات الرئاسية التي كان لها طابع تنظيمي وليس تشريعي. وقد تعرّض هذا النص إلى ستة تعديلات هي على التوالي:
– الأمر رقم 69-32 المؤرخ في 22 مايو 1969؛
– الأمر رقم 70-57 المؤرخ في 6 أوت 1970؛
– الأمر رقم 71-84 المؤرخ في 29 ديسمبر 1971؛
– الأمر رقم 72-12 المؤرخ في 18 أبريل 1972؛
– الأمر رقم 74-09 المؤرخ في 30 يناير 1974؛
– الأمر رقم 76-11 المؤرخ في 20 فيفري 1976.
وقد نص هذا الأمر على أحكام تتعلق بالرقابة القبلية للصفقات العمومية والمتمثلة في الرقابة الداخلية المكرسة من قبل لجنة فتح الأظرفة، بينما غض الطرف على لجنة تقييم العروض. أما الرقابة الخارجية فقد أوكلها النص في البداية إلى اللجنة المركزية للصفقات العمومية، المحدثة لدى الوزارة المكلفة بالتجارة، والتي تتولى مراقبة الصفقات المبرة من قبل الدولة والمؤسسات الوطنية وكذا إلى اللجنة الولائية للصفقات العمومية المكلفة بمراقبة الصفقات المبرمة من قبل الولايات والبلديات والمؤسسات العمومية الولائية والبلدية.
ومع إصدار قانون التسيير الاشتراكي للمؤسسات تم توسيع الرقابة الخارجية إلى لجان جديدة حيث أمست كما يلي:
– اللجنة المركزية للصفقات المختصة بمراقبة الصفقات المبرمة من قبل الدولة والمؤسسات الاشتراكية الموضوعة تحت وصاية الوزراء؛
– لجنة صفقات الوزارات المختصة بمراقبة الصفقات المبرمة من قبل الوزارة؛
– لجنة صفقات الولاية المختصة بمراقبة الصفقات المبرمة من قبل الولاية والبلدية والمؤسسات الاشتراكية المحلية؛
– لجنة صفقات المؤسسات الاشتراكية المكلفة بمراقبة الصفقات المبرمة من قبل المؤسسات الاشتراكية شرط ألا يتعدى مبلغ الصفقة اختصاصات اللجنة المركزية للصفقات.
ويلاحظ القارئ أن هذا النص أخذ في البداية الطابع الليبرالي باعتبار أنه استلهم أحكامه من التشريع الفرنسي، بينما تأثرت التعديلات المتتالية على هذا النص بالمنهج الاشتراكي خاصة منذ بداية السبعينات من القرن الماضي مع إحداث التسيير الاشتراكي للمؤسسات.
- فترة إعادة الهيكلة الاقتصادية من 1982 إلى 1991
تميزت هذه الفترة بصدور المرسوم رقم 82-145 المؤرخ في 10 أبريل 1982 والمتضمن تنظيم الصفقات التي يبرمها المتعامل العمومي والذي قام بإدخال تعديلات أساسية على الأمر رقم 67-90 السالف الذكر خاصة في مجال الرقابة. وقد أخذ المنظم في الحسبان التطورات الاقتصادية التي عرفتها البلاد في مطلع الثمانينات والتي تميزت بانفتاح اقتصادي محتشم حيث تم الحفاظ على المنهج الاشتراكي مع إدخال إصلاحات في مجال التصنيع تمَّ على إثره إعادة هيكلة الشركات الوطنية الكبرى. وكان من الطبيعي أن يساير التنظيم الخاص بالصفقات العمومية هذه القفزة النوعية في مجال الاقتصاد.
وقد تعرض هذا المرسوم إلى تعديلات كرّستها النصوص التالية:
– المرسوم رقم 84-51 المؤرخ في 25 فيفري 1984 ؛
– المرسوم رقم 86-126 المؤرخ في 13 مايو 1986؛
– المرسوم رقم 88-72 المؤرخ في 29 مارس 1988؛
– المرسوم التنفيذي رقم 91-320 المؤرخ في 14 سبتمبر 1991.
ومن مزايا هذا المرسوم أنه كرّس بابا كاملا لرقابة الصفقات وأدخل مفاهيم جديدة لعمليات الرقابة تتمثل في الرقابة الداخلية والرقابة الخارجية والرقابة الوصائية. وقد أوكل هذا المرسوم الرقابة الداخلية إلى لجنة فتح الأظرفة ولجنة تقييم العروض. أما الرقابة الخارجية فأوكلها إلى اللجان التالية:
– لجنة صفقات وزارة أو كتابة دولة؛
– لجنة صفقات المؤسسة الاشتراكية الوطنية؛
– لجنة صفقات وحدة المؤسسة الاشتراكية الوطنية؛
– لجنة صفقات المؤسسة التي جل رأسمالها عمومي؛
– اللجنة الولائية للصفقات؛
– لجنة صفقات المؤسسة الاشتراكية الولائية؛
– اللجنة البلدية للصفقات؛
– لجنة صفقات المؤسسة الاشتراكية البلدية؛
– اللجنة الوطنية للصفقات.
وقد تعرّضت هذه اللجان إلى تعديلات حيث تم إضافة لجنة صفقات المؤسسة العمومية الوطنية ذات الطابع الإداري ولجنة صفقات المؤسسة العمومية المحلية ذات الطابع الإداري. كما تم إلغاء لجان صفقات المؤسسة الاشتراكية الوطنية ووحداتها والولائية والبلدية وكذا لجنة صفقات المؤسسة التي جل رأسمالها عمومي. نشير إلى أن هذا التعديل كان نتيجة حتمية للإصلاحات الاقتصادية التي أدخلت في بداية سنة 1988 والتي كرسها خاصة القانون رقم 88-01 المؤرخ في 12 يناير 1988 والمتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية الاقتصادية المذكور آنفا. أما الرقابة الوصائية فتمارسها السلطة الوصية على المتعامل العمومي وتتمثل في التحقق من مطابقة الصفقات التي يبرمها المتعامل العمومي لتوجيهات الحكومة وتعليماتها وللمقاييس التي تتحكم في إبرام الصفقات والتأكد من كون العملية التي هي موضوع الصفقة تدخل فعلا في إطار البرامج والأسبقيات المرسومة للقطاع.
ملاحظة: المقال مقتبس من كتابي المعنون: مدخل إلى قانون الرقابة الجزائري.