أقلامثقافة

التناغم بين الفن التشكيلي والرسوم المتحركة

ليليا عثمان الطيب

أستاذة جامعية (جامعة الجزائر02)

أدى التطور الحاصل في الفن التشكيلي إلى التطور الإبداعي للسينما إذ أصبح للبعد السينمائي حضور مهم داخل اللوحة التشكيلية بحيث أضفى السينمائي على اللوحة التشكيلية الحركة، وقد نحا الفن التشكيلي المعاصر عقب الحرب العالمية الثانية نحو إتجاهات فنية جديدة ما أدى إلى انفتاح الفنان التشكيلي على عوالم افتراضية أخرى، الشيء الذي جسدته تيارات الفن السيبيرنيطيقي المستفيدة من ثورة النص الافتراضي، وبهذا فالسينما استفادت بدورها من حقل l’infographisme خاصة في مجالات الرسوم المتحركة والخدع السينمائية .

من بين أشهر مخرجي الرسوم المتحركة في العالم الذين يعتمدون في أفلامهم على تكنولوجيا الفن التشكيلي الحي المخرج الروسي ألكسندر بيتروف Alexander Petrov الذي درس الفن على يد مخرج الرسوم المتحركة الشهير  يوري نورستين Yuri Norstein، ولد بيتروف في 17 يوليو سنة 1957 في روسيا، وتميز أسلوبه في التحريك بالطابع الواقعي الرومانسي القوي فالشخصيات المتحركة والحيوانات والمناظر الطبيعية في أفلامه هي أسلوب واقعي للغاية لذلك حصلت العديد من أفلامه على جوائز عالمية من بينها جائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة قصير.

تعتبر الأعمال الأدبية الكلاسيكية المتحركة لبيتروف ذات أسلوب تشخيصي مبهر، فهو يرسم بطريقة فريدة حيث يرسم بأطراف أصابعه بالطلاء الزيتي على الزجاج Oil on Glass وهي تقنية نادرة وصعبة ولايتقنها إلا القليل حيث يستبدل الفرشاة بأصابعه لرسم لوحات فنية متحركة فكل إطار في الفيلم يمثل صورة تشكيلية ناطقة في حد ذاتها، مما يخلق لغة متناغمة بين اللوحات الفنية والرسوم المتحركة .



كل أفلام بيتروف هي رائعة من روائع الفن التشكيلي الحي أبرزها فيلم Marathon (1988)، وThe Cow (1989) الحائز على جائز الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة قصير الذي تقل مدته عن عشر دقائق إلا أنه يعبر عن حالة إنسانية وشاعرية بين صبي وبقرة، وThe Dream of a Ridiculous Man (1992) المقتبس عن رواية للأديب Fyodor M. Dostoyevsky ، Mermaid (1997)، The Old man And The Sea (1999) الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة قصير، وقصة الفيلم مقتبسة من رواية شهيرة للكاتب الأمريكي أرنست همنغواي تحمل نفس الاسم، وإستغرق الفيلم أكثر من عامين في صنعه من مارس 1997 إلى أبريل 1999 ولوحات تتكون من 29،000 إطار  ومدة الفيلم 20 دقيقة من المتعة البصرية للمشاهد، و Winter Days (2003)، وفيلم My Love (2006) الحائز أيضا على الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة قصير، وقد تم تقديم الفيلم في مسرح Angelika في شيبويا باليابان برعاية أستوديو غيبيلي Studio Ghibili الياباني المعروف كأول فيلم رسوم متحركة غربي في متحف مكتبة غيبيلي The Ghibili Library Museum .

إن أفلام بيتروف بعيدة عن التنميق أو مجاملة المشاهد بل تنقل له مشاعره كما يعيشها، في لوحات تشكيلية ناطقة تجمع بين متعة الصورة وإبداع المخرج وحوارات هي أشبه بهمسات منها إلى أحاديث صاخبة لكنها تهز كيان المشاهد لأنها تجمع بين الرمزية والرومانسية والإنسانية بالإضافة إلى الموسيقى المعبرة التي تمثل لغة في الفيلم ومزاوجة بين جمالية الصورة والقصة، فلا يوجد بطل واحد في أفلام بيتروف فكل شخصية وإن كانت ثانوية لها امتداد مع الشخصية الرئيسية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى