أقلام

الثورة الجزائرية من خلال كتابات فرحات عباس

  • بقلم الأستاذ : عادل فرحاني.

 

نواصل في هذ االمقال التاريخي تسليط الضوء على مؤلف فرحات عباس الموسوم بتشريح حرب – إشراقة الحرية ، حيث نعالج في هذا العدد مجموعة من الأحداث  المهمة في تاريخ الثورة الجزائرية 1954-1962م 

 

اجتماع الحكومة المؤقتة 29 جوان  1959

 

نتيجة للأزمات التي تعرضت لها الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية الشيء الذي أدى إلى تراجع فاعليتها قرر أعضاؤها عقد اجتماع طارئ محاولة لمعالجة تلك الإشكاليات والخروج بحلول لها ،وفي اجتماعها المنعقد في 29جوان 1959 قدم نائب رئيس الحكومة المؤقتة ووزير القوات المسلحة كريم بلقاسم ،اقتراحا يتمثل في اختزال الحكومة المؤقتة في سلطة الباءات الثلاث الذي يراهم الوحيدين في مواجهة خطر الداخل غير أن زميليه عبد الحفيظ بالصوف ولخضر بن طوبال رفضا ذلك، كما رفضا أن يكون رئيسا لها ،وفي هذا الاجتماع الذي ترأسه  فرحات عباس أخذ  كريم بلقاسم الكلمة ،وطرح اقتراحه وسط التعجب العام  ،والرفض الشامل والاستياء الواضح الذي عبر عنه بن يوسف بن خدة وعبد الحميد مهري ولامين دباغين ومحمود الشريف وأحمد فرانسيس في حين التزم أحمد توفيق المدني ومحمد يزيد الصمت ،حيث كان كريم الوحيد الذي كان مهتما بإعادة تشكيل حكومة مؤقتة جديدة أما لخضر  بن طوبال وعبد الحفيظ بالصوف فقد قبلا الاقتراح بشيء من التحفظ  وقد انتبه كريم  بسرعة الى الرفض المحيط باقتراحها أما الوحيد الذي شدد من لهجة الرفض هو وزير التسليح  العقيد  محمود الشريف حيث وجه انتقادات لاذعة  لكريم بلقاسم  أدت إلى نشوب صراع بينهما ،أما عن فرحات عباس فقد لخص موقفه من ذلك قائلا “شعرت بالخوف لأول مرة بسبب مسؤولياتي وتذكرت نصيحة عبان رمضان التي حث فيها  بضرورة الاعتماد على الشعب من أجل الظفر النهائي مؤكدا على تجنب الفرقة وإصراره، على  المحافظة على الوحدة وفي 10جويلية عدت إلى الاجتماع  باقتراح مفاده تسليم مهام الوزراء لمجالس الولايات ،وبعد اجتماعها  يتم في جلسة ثالثة للحكومة المؤقتة بتشكيل حكومة جديدة وإلى ذلك الحين تواصل الحكومة الحالية مهامها وقد تم الموافقة على اقتراحي دون اعتراض .

 

-اجتماع العقداء العشرة أوت  ديسمبر 1959

 

بعد نهاية اجتماع الحكومة المؤقتة تم استدعاء قادة ولايات الداخل إضافة إلى مسؤولي هيئتي أركان الشرق والغرب وبحضور كل من كريم بلقاسم ولخضر بن طوبال وعبد الحفيظ بالصوف وذلك لمحاولة تقديم حلول لما وقعت فيه الثورة من إشكاليات قلصت من أداء فاعليتها نتيجة لعجزها عن حلها بمفردها وبخصوص هذا الاجتماع يقول فرحات عباس: ” كانت لنا جلسة عمل مع مسؤولي الولايات الذين دعوتهم إلى تونس شخصيا من الحكومة المؤقتة ، وفيما عدا العقداء كريم بن طوبال وبوالصوف لم يكن مسموحا لأي وزير مدني  المشاركة في الاجتماع سوى محمود الشريف وأنا عن نفسي لم يكن لي مرخص بالمشاركة من  الناحية القانونية و الداخلية حضور المداولات لولا أن الاجتماع والجلسة كانا من مبادراتي الشخصية كان العقداء قد بدأوا يبدون نشوة السلطة وأريحية التصرف بسطوة وكان حظهم من التعليم لهم بإتقان أشياء كثيرة ،ثم إن شخصا مثل عبان رمضان لم يعد هنا لنهرهم وإرجاعهم إلى جادة الصواب ،وإلى قدر معين من التواضع كان حضورهم مكثفا بين عقداء ورواد الحاج لخضر والزبيري عن الولاية الأولى علي كافي ولأمين خان على الولاية الثانية ومحمد السعيد وسعيد يازوران عن الولاية الثالثة والصادق دهليس والرائد عزالدين  وعمر أوصديق عن الولاية الرابعة ،ولطفي وبومدين عن الولاية الخامسة  أما السادسة فلم تكن ممثلة بعد استشهاد سي الحواس ، طيلة شهر نوفمبر جرت اجتماعات ومداولات  المجالس الولائية بحضور الوزراء االثلاثة”الباءات” ، المؤامرات الحسابات الضيقة فورات الغضب جلسات التسامح  كان ذلك طعامهم اليومي اتفقوا في نهاية الأمر على استدعاء المجلس الوطني للثورة لعقد اجتماع  في تاريخ 13ديسمبر 1959 بطرابلس .

 

-الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وحق تقرير المصير

 

يعد تاريخ 16سبتمبر 1959 تاريخا لا يقل أهمية عن الفاتح نوفمبر 1954 فإذا كان هذا الخير  إعلانا ضد الأكذوبة الاستعمارية فإن 16سبتمبر 1958 يعد انتهاء لحكم الأقوى وما أعلن الجنرال شال ديغول رئيس الدولة الفرنسية إمكانية تقرير المصير حتى حل المشكل الجزائري ولو بصفة افتراضية لقد كان اعتراف الجنرال باسم فرنسا بحق الجزائريين في الاختيار الحر لمصيرهم ،حتى كان قد أعلن تلقائياعن حقهم في الاستقلال ورغم أنه كان آملا منذ ذلك الحين في وقف إطلاق النار  وبداية المفاوضات 

إلا أن ذلك كان وهما ،لا شيء من ذلك حدث والأعسر كان لايزال في الطريق  فلم يكن المشكل على مستوى رئيس الجمهورية الفرنسية بل كان هناك ثلاثة خصوم لسياسة فرنسا 

-أولهم فرنسيو الجزائر الذين عسر عليهم التخلص من الخرافة الساذجة الجزائر فرنسية حيث كانوا يعتقدون أن بعض العمليات العنيفة واغتيالات الأبرياء وحرق الأماكن العمومية كاف  لإيقاف المسار التاريخي للتخلص من الاستعمار .

-المجموعة الثانية هم ضباط زعزعتهم الأساليب الماركسية في الهند الصينية وجاءوا للجزائر للانتقام من خلال إخضاع الشعب الجزائري .

-أما المجموعة الثالثة فهم السياسيون الرجعيون رجال الدولة الذين يرون أن  الميزة الوحيدة لهم هي الظهور بمظهر رجال يؤمنون ضد التيار العام بعودة الإمبراطورية الاستعمارية وتجديد محاولة التخلص من جبهة التحرير الوطني. 

صادق البرلمان الفرنسي بتاريخ 16 أكتوبر 1959 على مضمون اقتراح الرئيس الفرنسي شال ديغول الخاص بتقرير المصير وفي 10 نوفمبر 1959 حدد هذا الأخير اقتراحه على مسامع جميع الجزائريين  والفرنسيين بلغة صارمة ومباشرة :”أقول لكل الجزائريين من كل  الاتجاهات انه يمكنكم وينبغي لكم المشاركة في السيرورة التي من شأنها تحويل الجزائر الى بلد لرجال أحرار كرماء شم الأنوف ومتطورين، أنتم يا فرنسيي الجزائر يامن فعلتم الكثير الكثير ،هنا على امتداد أجيال عديدة اذا كانت ريح التاريخ القوية قد قلبت صفحة فإنه يمكنكم كتابة الصفحة الموالية كفى من الحنين الفارغ ،كفانا مرارة وحسرة وقلقا ،اغتنموا  المستقبل مثلما هو وخذوه أخذ العزيز القوي…”

وعن موقف الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تجاه مشروع تقرير المصير يقول فرحات عباس “في شهر  سبتمبر 1959 رأت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بصيص نور عقب عرض فكرة الجنرال ديغول لفكرة تقرير المصير كان لابد آنذاك برد فعل ،كنت في سويسرا عائدا من اسبانيا وقد أخبرني محمد يزيد بضرورة الدخول إلى تونس مباشرة اجتمعت الحكومة المؤقتة حال وصولي في 18سبتمبر 1959وكان محمد يزيد قد دعا  لجلسة العقداء أعمر اوعمران وسيلمان دهيلس ومحمدي السعيد لطفي والحاج لخضر أعبيدي  اضافة الى الرائد عزالدين  واحمد بومنجل وعمر اوصديق  وسعد دحلب ومحمد الصديق بن يحي ،كتبنا بيانا فيه رد على اقتراح شارل ديغول في 28سبتمبر 1959م وكان بيانا حذرا، لعلمنا من جهة  اننا نتعامل مع من هو أقوى منا ؛  ولابد من عدم إثارة جيش التحرير ولا جمهور الجزائريين بأمان قد تفسر لأشياء قبل الوقت المناسب ،كنا جميعا شديدي الثقة بالجنرال ديغول إلا أننا كنا على يقين من عداء مسؤولي  الجزائر له وكنا نخشى ردة فعلهم وما يترتب عنها “

وحسب اقتراحها  الصادر بتاريخ  20نوفمبر 1959 فقد أكدت الحكومة المؤقتة  للجمهورية الجزائرية  على ضرورة قيام   الجنرال شال ديغول بالاتصال  بالمساجين الخمسة بسجن الصحة لإجراء المحادثات باسم  الحكومة المؤقتة وفي هذا الصدد يقول فرحات عباس “كان ردنا إيجابيا على الجنرال شال ديغول  شرحنا أن الاتفاق المبني على اختيار تقرير المصير لابد له من ضمانات وأن الخطوة الأولى هي بالتأكيد إيقاف الجيش لإطلاق النار ” غير أن الجنرال  شارل  ديغول رفضه بحجة إرادته للتحاور مع الجماعة التي تحارب على الميدان لا أولئك الذين خرجوا عنها وحسب فرحات عباس فقد كان الجنرال ديغول غير متحكم في زمام الأمور وقد كان هاجسه العميق إلحاق الجيش بجماعة المعارضين ولم يكن يأبه بشيء يضحي بكل شيء عدا الجيش مفضلا التريث وكانت نظرته صوب وحدة الجيش وإخضاعه لسلطته 

 أما عن  ردود  فعل كبار قادة الجيش الفرنسي كأورتيز وماسو ولاغيارد  فقد كان سلبيا حيث صمم هؤلاء من أجل خلق حركة جديدة شبيهة لحركة13ماي 1958 تكون أكثر ضراوة ودفاعا على مواقفهم المتصلبة والمتشبثة بفكرة الجزائر فرنسية وقد برزت مخططاتهم في إقامة المتاريس والحواجز  وإطلاق الرصاص  بداية من 24 جانفي 1960 وبخصوص ذلك رأت جبهة التحرير الوطني  أن ردود المستوطنين تعمل في صالحها فأمرت الشعب  الجزائري بالتزام الحياد .

وفي 29جانفي خاطب الممثل العام ”دي لوفري ” فرنسيي الجزائر وحذرهم من سيرورة الأمور وعواقبها الوخيمة  وفي نفس اليوم خطب رئيس الدولة بالتذكير بأن هيبة الدولة غير قابلة للحوار ،والنقاش وأخبرهم بأن الجمهورية والحكومة موجودتان والاحترام والخضوع  مطلوبان ،وقد صار تقرير المصير هو الحل الوحيد لإنقاذ فرنسا “، ونتيجة لوجود التمرد في العاصمة وانتشار الفوضى التي  ضربت بأطنابها عرض السماء فإن الممثل العام ”بو دي لوفري ” ممثل فرنسا في الجزائر بمعية الرائد العام قد وصل إلى القرار الحكيم لحقن الدماء وتجنب الكارثة الدامية فعلى جميع الجنود إبقاء أيديهم نظيفة لأن الأمن سيستبب بعد حين والوسائل لضمانه كثيرة ومتنوعة  وفي اليوم التالي أجاب ديغول في مجلس الوزراء ببعض الملاحظات قائلا :”من الواضح أن الجنود ضد سياسة الجنرال ديغول والسفلة العسكريين في العاصمة لا تبدي ردة فعل فيعلم الجميع ان سياستي لن تتغير وأن التمرد سيقهر وأن الجنرال شال لم يسارع  بالحراك سيتم تعويضه بغيره بعد أسبوع من ذلك انتهى اسبوع الحواجز وإقامة المتاريس واختفى مهندسها الجنرال أورتيز وقد سلم لاغيارد نفسه للجنرال غراسيوا في حين نقل  الجنرالات فور مبرانمبوا غراديو والعقداء يروازا وأرغو وغودا إلى فرنسا “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى