أقلامالأولى

الجبهة والسلطة هل هو الطلاق الرجعي؟

بقلم احسن خلاص

 

إذا كانت أحداث أكتوبر 1988 قد استهدفت بالدرجة الأول حزب جبهة التحرير الوطني ومن ورائه الأحادية الحزبية حيث ألصقت به الأزمة الخانقة التي اجتاحت البلد بعد انخفاض أسعار المحروقات والصراع بين المحافظين والإصلاحيين في أروقة الحزب ودواليب الدولة، فإن حراك 22 فبراير استهدف النظام البوتفليقي لمنعه من الاستمرار والحيلولة دون تمكينه من التجدد بأساليب وفاعلين جدد. 

 

وكان حزب جبهة التحرير الوطني الذي اتخذه النظام البوتفليقي إحدى حواضنه الرئيسية والخزان الذي يستنفر منه زبائنه للتطبيل والتهليل قد وجد نفسه في عين الإعصار. وإن لم تستهدفه الشعارات المرفوعة في المسيرات الأولى للحراك بذاته إلا أنه نال نصيبا من الانتقادات واتهامات بالمشاركة في المؤامرة التي كادت أن تتوج بوتفليقة بالعهدة الخامسة لاسيما وأن الرأي العام لم يغب عن ذاكرته التجمع الذي أقامه الحزب بالقاعة البيضاوية عادة إعلان بوتفليقة ترشحه رسميا، ولم ينس كيف استطعم آلاف الشباب بساندويشات الكاشير ليشهدوا مباركة كادر صورة بوتفليقة والهرولة نحو لمسها والتبرك بها. وقد تكون تلك المناظر البائسة التي نقلتها كاميرات التلفزيون بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس ودفعت بالملايين من الجزائريين إلى الشارع.

 

كان لابد أن يجتاز “حزب الأغلبية” مرحلة من أصعب مراحله بما فيها المرحلة التي أعقبت أحداث أكتوبر 1988، إذ بالرغم من الغضب العام تجاه الحزب آنذاك إلا أنه لم يتلق الضربة القاضية التي تلقاها عقب حراك 22 فبراير فقد استمر برلمان الحزب الواحد إلى نهاية 1991 بحيث تحول إلى فضاء لمناقشة أهم قوانين الإصلاح السياسي والاقتصادي والمصادقة عليها وهي التي كرست الانتقال من الأحادية إلى التعددية ومن النظام الاشتراكي إلى نظام اقتصاد السوق. بينما وجدت الأغلبية البرلمانية وتلك التي يمتلكها الحزب في المجالس المحلية نفسها مكتوفة الأيدي ضمن مؤسسات عشش فيها الفساد وأحيل العديد من النواب إلى المحاكم وانتهوا في السجون. لقد وصل الأمر بالكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني إلى أن تنازلت دون مقاومة عن رئاسة المجلس الشعبي الوطني لصالح سليمان شنين النائب عن حركة البناء الوطني. يضاف إلى ذلك أن الحزب مر بفترة فراغ في قيادته، حيث كانت تسيره هيئة مؤقتة على رأسها رئيس مكتب عينه الأمين العام محمد جميعي في انتظار عودته من السجن لاستئناف مهامه. وفي مثل هذا اليوم من العام الماضي أذن مؤذن بضرورة تطابق الحزب مع قانونه الأساسي بعد انقضاء عهدة اللجنة المركزية من أجل انتخاب أمين عام جديد في شخص أبو الفضل بعجي الذي لا يزال يسير الحزب إلى اليوم، فترة لم تسلم ككل الفترات من الاحتجاجات وهي التي هدأت لتعود بعد انقضاء الانتخابات التشريعية.

 

يفتخر بعجي بأن قيادة الحزب لم تمارس أي ضغط على القاعدة ولم تتدخل في اختيار المترشحين بمناسبة هذه الانتخابات بل مكنت من بروز إطارات جدد تعرضوا للتهميش في الفترات السابقة وتمكنوا من الترشح بفضل ما أتاحه لهم قانون الانتخابات الجديد الشبيه إلى حد بعيد بقانون العزل السياسي الذي صدر في كل من مصر وليبيا مع اختلاف بسيط يكمن في أن القانون المصري استهدف جميع الوظائف العليا.

 

لا يمكن للمتابع أن يتوقع بدقة ما سيجود به الموعد الانتخابي لحزب جبهة التحرير الوطني الذي ما انفك يجدد الولاء للرئيس تبون ويدعو له بالحفظ في كل تجمعاته وأن القيادة الحالية ليست مسؤولة عن تأخر الحزب عن مساندة تبون في الانتخابات الرئاسية الماضية. لم يعد حزب جبهة التحرير الوطني يظهر بخطاب انتصاري واثق بتحقيق نتائج متقدمة لكنه لا يخفي رغبته في محو الصور المزعجة التي ورثها عن الفترة البوتفليقية والعودة بمكانة تحفظ له ماء الوجه وهو الذي يدرك أن السلطة لا يمكن أن تتخلى عن حزب جبهة التحرير الوطني الذي ظل الأداة الوحيدة التي وجدتها أمامها لمواجهة زحف الإسلاميين، قد يحدث الطلاق بين الحزب والسلطة لكنه دائما كان طلاقا رجعيا فهو أحد أعمدة النظام التي لا غنى عنها مع أن الدور المنوط به في هذه المرحلة يظل مبهما وهو ما جعل السلطة تنتظر لتختبر ما بقي له من وزن سياسي وما تبقى من وعائه الانتخابي لتحدد طبيعة العلاقة معه في المرحلة المقبلة قبل أن تنتقل إلى مقاربة جديدة قد لا تختلف عن تلك التي انتهجتها عام 1997 عندما أسست تكتلا سياسيا سمته التجمع الوطني الديمقراطي وخاضت به المرحلة على عجل قبل أن تعود إلى حزب جبهة التحرير الوطني.

 

ستكون للانتخابات التشريعية دون شك انعكاسات على الوضع الداخلي للحزب الذي سيشهد حراكا متعدد المستويات تبعا للنتائج التي سيتحصل عليها. ويرتقب أن يساعد إبقاء الحزب على مكانة معتبرة على الساحة الجيل الجديد على تولي قيادة الحزب وطرد ما يسمى الحرس القديم بحجة العمل على انعكاس وضع الجبهة على الجزائر الجديدة التي تعد بها السلطة وإحداث القطيعة مع تلك الجبهة التي تدخل إطاراتها في صراعات داخلية كلما حل استحقاق سياسي وتلك الجبهة التي اقترن اسمها بالفساد والاستبداد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى