أقلامالأولى

الجزء الثامن والستون.. قال لي كيوان لا يمكن إنجاح الكفاح دون الدين

بقلم احسن خلاص 

تكتسي متابعة سيرة حياة المناضل والمؤرخ الجزائري محمد حربي أهمية قصوى بالنظر إلى ما تحمله من قراءة واعية ومتبصرة للأحداث التي عاشتها الجزائر منذ ولادته في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي إلى اليوم. وتكتسب هذه السيرة قيمة أكبر عندما يرويها محمد حربي نفسه مصحوبة بقراءات سوسيو-تاريخية لمختلف المحطات التي تناولها وبمسحة ذاتية طبيعية من منطلق أن الراوي لم يكن ملاحظا دارسا فحسب بل كان فاعلا في كثير من الأحداث. نحاول هنا أن نتتبع سلسلة من الحوارات التي جرت باللغة الفرنسية على موقع اليوتيوب بعنوان: “الجزائر الذاكرة والتاريخ” استعرض فيها مع الباحثين بيرنارد ريتشارد وروبي موردر حياته الدراسية والنضالية ونقدم ما تيسر منها للقارئ العربي. 

ليست العلمانية ظاهرة تلقائية بل هي عملية تدريجية تكتسب من خلال التخلص من عدد من الممارسات وإقامة مسافة إزاء الدين ولو لم يعترف بها علنا. ويمكن تفسير نجاح المذهب الوهابي والإسلام السياسي بعوامل متعلقة بالتاريخ الاجتماعي وليس بالاعتقاد بأن هناك رغبة في العودة إلى الإسلام الأول. ينبغي أن نعود إلى تاريخ الجزائر وإلى التحولات الموعودة من قبل الحركة الوطنية وفشل التيار الوطني وإلى أريفة المجتمع الجزائري لفهم الظاهرة. 

وتمثل الوهابية ذلك التحول الذي حدث على يد رشيد رضا لفكر الأفغاني وعبده. لقد صار رشيد رضا مفكر السلفية القائمة على التأويل الحرفي للقرآن والسنة. وتمثل الوهابية المذهب الأكثر تطرفا في تأويل النص لأن المالكية يقبلون العرف. ففي مسألة توريث المرأة يعتبر إبعادها من الوراثة تدخلا للعرف في قراءة النص وهو شكل من أشكال التأويل. وتختلف النظرة إلى السلطة التي يمارسها الدين بين السلطة القهرية والسلطة المتفق عليها فنظام الحسبة أقوى وأشد عند الحنابلة من المذاهب الأخرى. لذا ينبغي أخذ التوافقات الاجتماعية في الحسبان بدل النظر إلى القناعات. ويبدو أن التوافق الاجتماعي كان قاسيا لأنه مكبوت يقوم على حياة خفية مقابل الإعلان أمور لا نؤمن بها وهذه المفارقات انتشرت في المجتمع. في وقت ما كانت هيئة الثياب مسألة دينية وكان ارتداء البدلة الغربية اعتداء على الإسلام ولم يعد كذلك اليوم وهو ما يندرج ضمن تفسير التطور الاجتماعي ولا علاقة له بالدين في حد ذاته. عندما غادرت الجزائر في الخمسينات صار تفكيري حرا فلم تكن المسألة الدينية هي التي تشغلني بل المسافة التي ينبغي أن نقفها تجاهها وعلمنة المجتمع. حينذاك لم يكن موقف الحزب الذي أنتمي إليه موافقا لمواقف جميع المنخرطين لأن الحزب كان يرى أنه لا ينبغي المساس بالدين إذا أردنا التجذر في المجتمع لذا منع أي تفكير نقدي فكنا ندافع أمام الناس عن أشياء لم نكن نؤمن بها. 

في حديث لي مع عبد الرحمن كيوان قال لي بالحرف: إذا نزعنا الدين فستكون العواقب وخيمة علينا ولن يتبعنا أحد فقلت له إنه لا أنزع الدين بل أطالب بحقي في الوجود فالآخر هو الذي لا يتيح لي أن أكون كما ينبغي لي أن أكون وكيف أصير. بدأت قطيعتي خلال النقاش حول الامة الجزائرية في بداية الخمسينات فقد اصطدمت مع جميع أشكال الإقصاء تجاه الأوروبيين واليهود إذا أرادوا الانضمام إلى الحركة الوطنية من حينها قلت في نفسي إنه لا علاقة لي بهذا المحيط الذي كان يصدني في كل مرة بذريعة أن الوقت لم يحن بعد لطرح مثل هذه المسائل وهذا يعبر عن الخوف من القطيعة وتشكيل ثقافة جديدة انطلاقا من المبادئ العلمانية. 

وقد تجد من يغير رأيه دون أن يقبل بالقطيعة التي تعني مواجهة الناس الذين يمنعون القطيعة والتقدم. وعندما تقرر عام 1954 الكفاح من أجل أهداف دنيوية بوسائل دينية تراجع التفكير النقدي إذ لم يكن ممكنا تبادل التفكير غير التقليدي حول جميع المسائل وليس فقط المسألة الدينية وهذا نابع من التوجيهات الإرادية والحتمية لقيادة الثورة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى