أقلامالأولى

الجزء الخمسون.. تمرد الأفافاس في 1963 كان من صنع كريم بلقاسم

بقلم احسن خلاص 

تكتسي متابعة سيرة حياة المناضل والمؤرخ الجزائري محمد حربي أهمية قصوى بالنظر إلى ما تحمله من قراءة واعية ومتبصرة للأحداث التي عاشتها الجزائر منذ ولادته في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي إلى اليوم. وتكتسب هذه السيرة قيمة أكبر عندما يرويها محمد حربي نفسه مصحوبة بقراءات سوسيو-تاريخية لمختلف المحطات التي تناولها وبمسحة ذاتية طبيعية من منطلق أن الراوي لم يكن ملاحظا دارسا فحسب بل كان فاعلا في كثير من الأحداث. نحاول هنا أن نتتبع سلسلة من الحوارات التي جرت باللغة الفرنسية على موقع اليوتيوب بعنوان: “الجزائر الذاكرة والتاريخ” استعرض فيها مع الباحثين بيرنارد ريتشارد وروبي موردر حياته الدراسية والنضالية ونقدم ما تيسر منها للقارئ العربي. 

 

عشية مؤتمر 1964 كان حزب جبهة التحرير الوطني حركة تجمع اتحادات في طور التشكل. كان كل شيء يقرر من مستوى أعلى ويتم تنفيذه تدريجيا ولم يكن المؤتمر تمثيليا فلجنة إثبات تمثيل المؤتمرين كانت تحت إشراف الجهاز الأمني المتكون من رئيس جهاز الأمن العسكري ورئيس جهاز الشرطة ورئيس شرطة الرئاسة. 

  • مؤتمر أم ساحة معركة؟ 

هكذا كانت الأمور تسير دائما وفق موازين القوة وإن كان اختيار المندوبين في بعض المناطق عن طريق الانتخاب فإن أغلب من حضر المؤتمر جاء عن طريق التعيين ففي عنابة التي كان فيها حضور قوي لليسار فعلوا ما يريدون فقد كان التمثيل عن طريق التعيينات التي لم تكن تحترم أي معيار من المعايير التي وضعت لانتخاب الممثلين في المؤتمر. كانت التعيينات تخضع للسرية لدى أصحاب الولاءات فحضور فيدرالية فرنسا مثلا كان مقتصرا في البداية على أنصار عمر بوداود الذين عينوا للمشاركة في المؤتمر فتدخلت لدى بن بله لأنبهه إلى عدم سلامة العملية فتمت إضافة عدد من الأفراد الذين أقصاهم عمر بوداود. 

لم تكن الأمور تسير بشكل طبيعي على جميع المستويات، فمن اعترض على ما كان يرغب فيه بن بله لم يكن يصل ليعبر عن رأي أو يفرضه مهما كان عدد الأصوات التي يحوز عليها. كان مقررا في البداية أن تتشكل اللجنة المركزية من 50 عضوا وبعد اجتماع بن بله بلجنة المؤتمر ارتفع العدد إلى 99 عضوا مقابل تنازلات ودعم له.

وبالعودة إلى مسألة التوكيل في مؤتمر طرابلس كان موقف بن خده الأكثر مشروعية فمسألة التوكيلات قد حسمت قبل بداية المؤتمر. لكن ثمة اختلالات قد حدثت أثناء التصويت فقد فوضت الولاية الرابعة احمد بن شريف الذي صوت عكس رغبة من فوضه والشيء ذاته عرفته الولاية الثالثة التي كانت وراء بلقاسم كريم ولكن المفوض محمدي سعيد صوت ضد موقف من فوضه أيضا. ومما ساعد على الخضوع للمكتب السياسي على حساب استئناف دورة المجلس الوطني للثورة الجزائرية انهزام المعارضين له وتأسيس المجلس التأسيسي الذي تم تعيينه في البداية باختيار الولايات لممثليها غير أنه بعد إقامة المكتب السياسي بالعاصمة الجزائر حذفوا من يقرب من 50 عضوا من بينهم أنا كما أقصوا عددا من العقداء من الولاية الثانية وأعضاء اللجنة الذين حرروا برنامج طرابلس. وعندما سأل السفير الفرنسي بن بله عن سبب إقصاء هذا العدد من الإطارات رد عليه بن بله بأنهم ليسوا رجال سياسة بل هم مجرد تقنيين. 

 

حرب الرمال أنقذت المعارضة 

لقد جعلت الحرب مع المغرب أغلب المنشقين يُرسلون إلى الحدود ليلقوا حتفهم هناك كما ساعدت هذه الحرب على التخلص من عمليات تمرد أخرى مثل تلك التي حدثت في منطقة قسنطينة وبين صفوف فرق جيش الحدود. كان الجميع يدرك أن القوتين غير متكافئتين وأنه لولا حرب الرمال لتمكنت قوات الجيش من سحق المتمردين لذا توقفت عمليات التمرد ما عدا قلة من أنصار ايت احمد الذين كانوا يمتلكون مشروعا سياسيا بالرغم من أنهم جاءوا من الولايات وأغلبهم كان مستاء من الحرب فقد حدثت في منطقة القبائل مأساة تضاهي تلك التي حدثت خلال حرب التحرير بما حملته من خسائر فادحة. كان بن بله قد أنشأ مليشيات مشكلة من مناضلين جاءوا من منطقة القبائل وكانوا يعرفون الميدان جيدا فانطلقت حرب أهلية، ليس فقط بين السلطة والولايات بل بين سكان القبائل أنفسهم وقد تركت آثارا رهيبة نتيجة غياب الواقعية لدى أيت احمد الذي لم يكن وراء تحضير عملية التمرد من بدايتها بل كانت من صنع أتباع بلقاسم كريم قبل أن يرحل إلى الخارج لأسباب أمنية ليتولى أيت احمد قيادة هذه الحركة التي لم تكن تدين له بالولاء التام إذ بمجرد أن نادى العقيد محند أولحاج أنصاره للنزول من الجبال استجابت له الأغلبية ومن بقي منهم مع ايت احمد لم يكونوا يشكلون قوة هامة. 

 

  • ايت احمد يقترح لشرف وزيرا للداخلية

أثناء تمرد ايت احمد كانت هناك محاولات لإيجاد تفاهم بينه وبين بن بله. كان هناك قياديون من منطقة القبائل وبعضهم من اليسار سعوا بثقلهم ليقبل بن بله لقاء ايت احمد وكان لابد أيضا من إقناع ايت احمد بلقاء بن بله. لم يكن الأمر سهلا لكن اللقاء حدث وأخذ ايت احمد ضمانات أنه في حالة عدم التوصل إلى اتفاق أن يعود ايت احمد إلى حمل السلاح وهذا ما حدث فعلا. تسنى لنا أن نعرف في ما بعد أن ايت احمد اقترح مصطفى لشرف وزيرا للداخلية وهو ما أضحك بن بله سائلا ايت احمد: أتعتقد أن لشرف قادر على تولي وزارة الداخلية ولا تعتقد في ما يقوله لك بن بله؟  

 

  • بن بله يساعد بومدين على توحيد الجيش

كان الرهان أساسا حول من يستولي على الحزب والجيش. كان الجيش بين يدي بومدين لأن بن بله ساعده على الحصول على ما كان ينقصه لاسيما وأن عددا من الثكنات لم تكن تخضع لسلطة قادة جيش الحدود بل كانت موالية لبن بله الذي تحدث مع أفرادها وأعادهم إلى صفوف الجيش، كانت عمليات التمرد هذه خفية إذ لم تعلن للرأي العام آنذاك. وأعتقد شخصيا أن بن بله قدم لبومدين جزء هاما من القوات المسلحة بعدما وجد نفسه أمام معضلة كبيرة إذ أن مواجهة الولايات وعمليات التمرد المنتشرة هنا وهناك ومجابهة المعارضة التي لم تقبل بسلطة المكتب السياسي كانت تحتاج إلى سند لم يكن لتجده إلا عند الجيش. ومن هنا يمكن القول إن المعارضة عندما توجهت إلى العمل المسلح زادت من قوة ومكانة بومدين الذي لم يكن يمتلكهما من قبل. يضاف إلى أشكال التمرد المسلح أنواع أخرى من التمرد الشعبي برفض بعض المناطق السلطة الإدارية المحلية للدولة إلى جانب ظهور العصابات الاجتماعية. 

 

  • شعباني يرفض عضوية المكتب السياسي

لم نكن نشهد وجود حقل سياسي وتنافسا بين البرامج السياسية بل كان الصراع على السلطة يتم عن طريق الولاء والمحسوبية فعندما جرى انتخاب المكتب السياسي رفض محمد شعباني الانضمام إليه لأنه فهم أنه سيفقد بذلك قيادة الناحية العسكرية التي هي بالنسبة إليه أداة سلطة لذا اقترح أحد مقربيه لكنه لم يقبل ونعرف بقية القصة. ويمكن القول إن بن بله أخذ على عاتقه إخماد التوترات والمشكلات الكبرى وهيأ الأرض لبومدين.

 ستكون لنا يوما فرصة معرفة تفاصيل ما جرى في أزمة 1962 وما عرفته من فوضى عارمة عندما نفتح أرشيف القنصليات الفرنسية وأرشيف الولايات.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى