أقلامالأولى

الجزء السبعون,, جمال عبد الناصر هو من كبح الميول الإسلامية لبن بله

بقلم احسن خلاص 

تكتسي متابعة سيرة حياة المناضل والمؤرخ الجزائري محمد حربي أهمية قصوى بالنظر إلى ما تحمله من قراءة واعية ومتبصرة للأحداث التي عاشتها الجزائر منذ ولادته في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي إلى اليوم. وتكتسب هذه السيرة قيمة أكبر عندما يرويها محمد حربي نفسه مصحوبة بقراءات سوسيو-تاريخية لمختلف المحطات التي تناولها وبمسحة ذاتية طبيعية من منطلق أن الراوي لم يكن ملاحظا دارسا فحسب بل كان فاعلا في كثير من الأحداث. نحاول هنا أن نتتبع سلسلة من الحوارات التي جرت باللغة الفرنسية على موقع اليوتيوب بعنوان: “الجزائر الذاكرة والتاريخ” استعرض فيها مع الباحثين بيرنارد ريتشارد وروبي موردر حياته الدراسية والنضالية ونقدم ما تيسر منها للقارئ العربي. 

بدأ التقارب في العلاقة بين الدولة والدين مع بن بله ابتداء من موقفه من مؤتمر الصومام واتهامه المؤتمرين على قلتهم بأنهم قاموا بتنازلات للأوروبيين بشكل عام وفي قضية الجنسية بشكل خاص والتي تجلت في عدة جوانب منها الانحدار من الأصول الإسلامية حيث أن رفيقه محمد خيضر كان مستشاره هو توفيق الشاوي الذي كان ممثلا للإخوان المسلمين في المنطقة المغاربية. أمام ضغط بعض الأوروبيين تردد بن بله لبعض الوقت ولم يرد الخضوع لرأي خيضر. كان بجانبه فرحات عباس لكن هذا الأخير لم يكن له وزن كبير. 

كان بن بلة يخشى أن يحاصر في مسألة الإسلام من قبل الأكثر تطرفا منه. كنت قد تحدثت معه عن الإسلام بمناسبة بلورة برنامج طرابلس كان يصر بقوة على إعطاء مكانة كبيرة للإسلام لكننا عندما بدأنا نتحدث حول تحديث البلد انتهى به الأمر إلى قبول إرساء ثقافة ديمقراطية علمية لكنه تراجع عن ذلك وقد حدث أن جاء بعناصر من الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين ليواجهوني وكشف لي عن رغبته في إضافة حرف الميم التي تعني المسلمين إلى الاتحاد العام للعمال الجزائريين إلا أن عبد الناصر وقف في طريقه لأنه كان في مواجهة علنية مع جماعة الإخوان المسلمين في بلده ثم أن الأجهزة كلها كانت على شاكلة الأجهزة الفرنسية مما كان يقدم صورة ظاهرية بأن هناك تقدما ديمقراطيا. 

لم يكن تصريح بن بله في تونس (نحن عرب) يدل على التوجه الإسلامي لبن بلة بالضرورة بل جاء انتصارا لعبد الناصر على حساب بورقيبة الذي الاتجاه الفرانكفوني. لم يكن يأخذ مبدأ الأصول الإسلامية للجنسية الجزائرية بجملة من العوائق منها أن هناك فئات من سكان منطقة القبائل الذين تحولوا إلى المسيحية منذ مدة طويلة وفقدوا بذلك الانحدار الإسلامي ومع ذلك منح هؤلاء الجنسية الجزائرية ولم تمنح للأقلية اليهودية المتجذرة في البلد منذ قرون. 

لم تقتصر مشاركة اليهود في حرب التحرير على العلمانيين منهم فقط بل شملت حتى المؤمنين. كان أغلبهم من الأنتلجانسيا أو المنخرطين في الحزب الشيوعي. غير أن الظلامية كانت سائدة بقوة وهناك من المسيحيين واليهود وحتى من المسلمين مما غادروا الجزائر بسبب عقيدتهم الدينية وقد كان يشترط عليهم بعد الاستقلال أن يقدموا طلبا للحصول على الجنسية وقد امتثلوا لذلك إلا واحدة منهم وهي المحللة النفسانية أليس شركي التي كانت تعتبرها جزائرية بالأصل وقد منحها بوتفليقة الجنسية الجزائرية فيما بعد عندما احتج مثقفون لدى وزيرة الثقافة في ذلك الوقت من كونها مطالبة بالحصول على التأشيرة إذا أرادت زيارة الجزائر. 

لم يكن القائمون على ملف الجنسية يميزون بين الدولة الأمة والأمة الإسلامية ولم يكونوا على دراية بالحركة الوطنية التي تشكلت من عدة فروع منها الفرع الذي أتى من تجربة الهجرة التي لم تكن تبني الإشكال على الإسلام بل على الدولة الوطنية وتشكيل جيش وجميع التحولات التي وردت في برنامج نجم شمال إفريقيا. بينما كان الفرع الثاني مهتما بالهوية وقد شكلته جمعية العلماء بدل الوطنية الشعبية التي استوعبته فيما بعد. وفي كل مرة تصطدم فكرة الدولة الأمة مع الواقع يتم اللجوء إلى مسألة الهوية. لذا نجد اليوم في الأبحاث الجامعية أنواعا من الوطنية، الوطنية الشعبية والوطنية الثقافية التي هي صيغة الوطنية الإسلامية بينما نجد الإصلاحيين المسلمين كانوا ضد الوطنية التي يرون أنها تقسم في حين أن الإسلام يوحد.

كانت هناك مقاومة دائمة لتحرير المرأة منذ حرب التحرير ففي 1959 أوصى المجلس الوطني للثورة الجزائرية الحكومة المؤقتة بإنشاء تنظيم نسائي لكن الحكومة المؤقتة لم تفعل بسبب مقاومة بعض قادتها الأساسيين. بعد 1962 صارت مسائل ميراث وتحرير المرأة في قلب تجمع الإسلاميين الذين أرادوا وضع عقبات مثل رفض الاختلاط غير أنهم وعلى لسان قائدهم الهاشمي تيجاني لم يكونوا يعتبرون الحجاب مسألة إسلامية بقدر ما كانوا يرون ذلك في الاختلاط وقد أدى إجبار الفتيات على الزواج إلى انتحار العديد منهن. من جانب آخر ظهر نوع من الرقابة على الكتاب فعندما أصدرت فضيلة مرابط كتابها حول المرأة الجزائرية ذهب عضو المكتب السياسي عمر بلمحجوب إلى مكتبة العالم الثالث وانتزع منها جميع نسخ هذا الكتاب وعندما أخبرت بذلك انتقلت إلى هناك وأعدت الواجهة كما كانت، فطلب من المكتب السياسي إقصائي لكن الحاج بن علا رفض ذلك.                 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى