أقلام

الحداثة لم تكن عيبا إنما مطلب حضاري

بقلم : جمال نصرالله

لا يحق لنا صراحة كأمة واعية بشؤون عصرها،أن تجلب أدوات من الغرب(خاصة الأوروبية منها) ثم تحاول من خلالها أن تقلب بها علينا مقدساتنا التي ألفناها أو تم الإقتناع بها منذ قرون خاصة النص الديني ،لأن هنالك أطراف كثيرة عندنا في الجزائر تحاول أن تقلد بعض الأسماء الغربية ممن هي تنتج لنا بعض المصطلحات التابعة ووليدة الحداثة المزعومة حتى لا نقول العبثية…كالإبستمولوجيا والسيموطيقا والميتا وغيرها من المعاول التي تصلح في بيئة دون أخرى بلا شك.. وتصلح لفن أدبي وروائي ومقام دون آخر، ثم تحاول استخدامها بل تعلن عن بدأ إعمالها في تراثنا وصولا إلى الدين نفسه ،مخدشة بذلك مشاعر المليار وأزيد من المسلمين في العالم .

هذا الدين كان بمكان أن يظل خطا أحمر لأنه كلام الله وليس من صنع البشر كما يذهب البعض من أشباه الملاحدة؟ا أو يُزج به في التراث كذلك كما يدعي بعض البحاثة الأكادميين..ثم ضف ،لماذا ظل همهم الوحيد هو الدعوة إلى إعادة القراءة .بحجة أن التفاسير الأولى للقرآن..تصلح لعصرها ومعاصريها ليس إلا، وما معنى إعادة القراءة (هل هو إعادة تفسيره،أم وضع تأويلات جديدة للآيات، أم إعادة كتابته من جديد لا قدر الله ؟ا)فهم يقولون بأن تفاسير كابن كثير والطبري والقرطبي ،اجتهدوا في عصرهم وأمدونا بمفاهيم جاءت حسب قدراتهم الفكرية آنذاك، ودليلهم أنك تجد هذا التفسير يختلف عن الآخر وهذه حجة أنها اجتهادات بشرية ،تختلف حسب الزمان والمكان والقدرات العقلية ومزاجات مختلفة معرضة للنقد نفسها لماذا يقولون بأن لكل عصر مفهومه للدين..ماذا سيضيفونه يا ترى .

هل يريدون أن يلبِسوا الأمة دينا جديدا حسب فهمهم وعلى مقاسهم ؟ا نحن لسنا ضد الاجتهاد والتباين في التأويلات ،لأن القرآن جاء كنص بياني ولم يورد لنا فيه بأن ما قيل هو الحقيقة المطلقة وعينها بل أن معظم المسائل تُرك فيها باب الاجتهاد مفتوحا؟ا ـ لماذا هؤلاء وأولئك لا يفعلون نفس الشيء مع ديانات ومذاهب أخرى ،وماذا سيحدث بعدها ،هل لديهم الجرأة أن يقول لنا منهم بأن التوراة والإنجيل كتبها أحد البشر من الكهنة أو القساوسة . لقد فُعِل ذلك مرار في الثقافة العربية ونقصد مع النص الديني الذي يعتبرونه تراثا معنويا شفويا منها أسماء كنصر حامد أبو زيد وفرج فودة وهاهي أسماء معاصرة أخرى تدعو لذلك على رأسهم محمد شحرور والقمني ويوسف زيدان وحسين مروة…الخ، لماذا هذا التكالب المفرط على الدين الإسلامي والإصرار على الترويج لفهمه بطرائق هي وليدة مدارس الوجوديين وكثير من الفلاسفة المعرفين بعبثيتهم في الحياة ويأسهم الشديد إلى درجة الانتحار ؟ا كسارتر ونيتشه وماركس وكيركغارد ..هؤلاء الذين أرادوا إبعاد الدين كلية عن الحياة العامة للبشر .وقالوا حتى بموت الإله والعياذ به مثلما فعل دانتي الإيطالي؟ا والسؤال الأكبر هل الإسلام حقا يضايق ويخنق أفكارالإنسان ويحد من حرياته أم أن فيه شرائع وأحكام تنظيمية هدفها الحفاظ على قدسية الإنسان نفسه حين يحافظ على قوامه ويوم يجد نفسه واعيا سليما من الخطايا والموبيقات ،وسليما كذلك من الأمراض والخبائث ..أليس النصف الأكبر من القرآن هو نهي وتوجيه ودعوة إلى التأمل وإعمال العقل في التدبر في الكون .بل الدعوة الملحة على طلب العلم وكيف بين الله سبحانه وتعالى مكانة العلماء ودرجاتهم في الدنيا والآخرة..ما الذي ينقص هذا المخلوق حتى تذهب به صعلكته وتمرده إلى العصيان.

أهمها إسقاط الكثير من النظريات الفلسفية على مسائل هي مقدسة لا لشيء سوى أنها من عنده سبحانه وتعالى، راغبين في ذلك إلى جعل الإنسان سيد نفسه ،وهو الذي يحدد حتى ظروف موته وحياته؟ا ويوجه نفسه بحرية تامة(هكذا تذهب بهم هذه الشطحات) فمن أي منتوج هي الأدوات التي استعملوها، أليس هم من قالوا بأنه لا يوجد شيء اسمه خالق الكون ..هذا طرحه أحد الأساتذة الغربيين ،فكان أن أجابه أحد تلامذته (ألك يا أستاذنا الكريم عقلا ـ قال : نعم ،ثم أضاف أين ؟ا فارتبك الأستاذ واختلطت أذرعه مع أصابعه مع هسهساته ) فرد عليه التلميذ كذلك يا أستاذ لا نستطيع تحديد عقولنا فنحن نكسبها لكننا لا نستطيع ملامستها أو تشخيصها…لأنها هبة ربانية فيها إعجاز..رغم أنها هي من توجهنا وتبين لنا الحق من الباطل…إن الدين الإسلامي نفسه يدعوا للحداثة والتغيير والتبصر والتأمل …فلو حدث وأن دققنا في كثير من الآيات لعثرنا على الكثير مما يدعوا إلى إعمال العقل ..وكذلك حتى فصل شؤون الحياة الدنيا عن العبادات.(ولكنهم للأسف لم يقرأوا القرآن جيدا ولم يفهموا مقاصده) ويوم سمعنا بهذه المفاهيم الحداثية رحبنا بها وكنت شخصيا من المدافعين عنها خاصة في الشعر والقصة والرواية والمقالة وفي كثير من شؤون الحياة، إلى غاية أن قلنا كذلك مرحبا بها حتى في السيرة،لأن كثير من الأحاديث لا تتقابل أو تتناسب مع العقل والمعقول وبعض الوقائع كذلك فيها كثير من الشك لكن أن تصل بنا وبهم الجرأة للشك في كلام الله …فهذا مالا نقبله نهائيا.. ونثور في وجه كل من حاول ذلك.. لأن القرآن كما أشرنا نفسه يحث على الحداثة التي تعني التغيير والتجديد وتهذيب وتحذيق التجارب الحياتية ورسكلتها نحو الأفضل وليس التقرب من المقدسات..وفي القرآن كذلك علمانية. كما أشرنا (إن العلمالنية ليست كلها شرا مبرحا ولكن أي علمانية غفي أنواع ومخارج ومداخل). ولسنا بحاجة لعلمانية الغرب التي تريد إبعاد الدين نهائيا من الحياة الدنيا…ألم نرى العلمانيين أنفسهم يستنجدون بالدين في شتى مصائبهم ومحنهم.. وأنتم أيها الحداثيون العرب تريدون وضع الدين في المتحف وخلق دنيا جديدة وكون جديد…إفعلوها إن استطعتم.. فقط أنتم تقلدون المخالفين الأكثر شهرة حسبكم وما شهرتهم إلا زوابع من غبار سرعان ما تنهزم أمام صفاء السماء..التي فيها خلاص البشرية جمعاء

شاعر صحفي جزائري*
DJAMILNACER@GMAIL.COM

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى