بقلم: صالح عوض
ما يتم من تواصل بين أنظمة الخليج والمغرب بالكيان الصهيوني يتجاوز حالة التطبيع والسلام.. انه تشارك في مهمات إستراتيجية لاحت كثير من عناوينها ولا يخفي الإعلام الصهيوني أهمها.. ولعل الصهاينة أشاروا بوضوح الى الهدف بتأكيدهم على إبراز الأعداء الحقيقيين لهم وللأنظمة العربية.. وما هو مصير الدول العربية غير المهرولة؟ وماذا عليها أن تفعل؟
ما علاقة ما يجري في توثيق علاقة معظم أنظمة دول الوطن العربي مع الكيان الصهيوني بالحرب العالمية المندلعة بين الصين وأمريكا؟ وهل يكون قد تشكل الحلف العربي الصهيوني بقيادة أمريكا لإسقاط مشروع طريق الحرير الصيني الذي تنخرط فيه عشرات دول العالم؟ والى أي مدى يتمكن هذا الحلف من انجاز المهمة؟ هل نحن إزاء استقطاب صراع على طرفيه النظام الرأسمالي والنظام الشيوعي بطبعته الجديدة؟ ما هي اشتراطات التحالفات الجديدة؟ أين تقع روسيا وتركيا وايران وباكستان ودول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية؟ وأي مستقبل سيكون للعرب بعد جولات الصراع الأولى من هذه الحرب؟
صراع العملاقين:
في محاولة للسيطرة على العالم كان لابد من تشكيل نظام عالمي جديد يدار من أمريكا ونخب أوربية ذات علاقة جذرية بالأمريكان في ظل تطور النظام الرأسمالي في أوربا وأمريكا الذي بلغ ذروته ليس لكونه فقط أقوى اقتصاد في العالم بل لأنه كذلك يأخذ في التشكل بعيدا عن نمطية الاقتصاد الرأسمالي وقد أصبح بيد اسر وأشخاص تتحكم بأدوات عديدة منها الدولة.. هذا الاقتصاد ليس هو حالة الضعف الذي تمر به قطاعات الشعب ومؤسسات الدولة من مديونية او عجز بل هو اقتصاد عدد محدود من الأسر المتحكمة المالكة.
وفي المقابل ينمو اقتصاد الصين باضطراد مذهل ليحتل موقعا متميزا في قائمة أعظم الاقتصادات العالمية، وظل الأمريكان مطمئنين الى ان الاقتصاد الصيني تحت السيطرة وان نموه يزيدهم ثراء ويفتح لقدرتهم المالية أبوابا ضرورية للكسب.. ووضعوا آليات للتحكم في صيرورته واليات تجعله دوما يسير في مسارات معلومة يمكن السيطرة عليها من ضمنها المرجعية النقدية”الدولار”.. فكان التداخل في الشركات و التموقع في مؤسسات اقتصادية أمريكية على طريقة التشابك والتداخل الذي يصد الاقتصاد الصيني وقتما تأزف الآزفة.
علاقة من الحذر والمكيدة التاريخية والمكر العميق تحكمت في آليات التداخل الاقتصادي ففي حين كانت تتجه القوة المالية العملاقة في أمريكا إلى فرض السيطرة على البشرية بكل مافيها من اقتصاد ومجتمعات كان الشيوعيون الصينيون يتراجعون عن أدوات النشاط الاقتصادي الأيديولوجية الى مجالات رحبة من الاستثمار والفوائد والتوسع الاقتصادي والتفكير بتقويض النظام الاقتصادي الرأسمالي في نسخته الجديدة.. وذلك بنشاط عميق وهادئ بعيدا عن الخطاب السياسي التحريضي فكان نشاط الحزب والدولة تجاه الآخر من بالود والتقارب، واستطاع هذا الأسلوب وهذا الوعي ان ييسرا للاقتصاد الصيني الطريق لبلوغ ما بلغه من قوة.
جديد الاقتصاد الرأسمالي:
في هذا الإطار، يجب أن نذكر ما قاله أحد كبار زعماء هذه الأسر، ناثان ماير روتشيلد: «لا أهتم بأي دمية سيتم وضعها على عرش إنجلترا لحكم الإمبراطورية، فالرجل الذي يسيطر على المعروض النقدي البريطاني يسيطر على الإمبراطورية البريطانية وأنا أتحكم في معروض النقود البريطانية»
وتسير هذه النخبة الى التحكم ب«البقاء الإنساني نفسه»، كما جاء في كتاب «بذور التدمير» لمؤلفه ف. وليام انغدال أو ما يعبّر عنه المؤلف ب«إنتاج الخبز اليومي»، وذلك على قاعدة فكرة «بسيطة» تقول: إن السيطرة على تغذية الناس تسمح بالسيطرة عليهم هم أنفسهم .
ويشير الكتاب في هذا السياق إلى أهداف حقيقية ترتسم خلف «تعاون» مؤسستي غيتس وروكفلر اليوم وإنفاق ملايين الدولارات في مشروع أطلقا عليه تسمية «التحالف من أجل الثورة الخضراء في إفريقيا».. فليس ل«الشعارات الإنسانية» موقع هنا، كما يقول المؤلف: «إن دعم الولايات المتحدة وبريطانيا الحثيث للانتشار العالمي للبذور المعدلة وراثيًا كان في الواقع تنفيذًا لسياسة طويلة الأمد لمؤسسة روكفلر منذ عام 1930، عندما مولت بحوث النسل النازي – أي تخفيض عدد السكان على نطاق واسع، والسيطرة على ذوي البشرة الداكنة من قبل النخبة البيضاء الأنجلوسكسونية، لأن الحروب كوسيلة للحد من تزايد السكان مكلفة وليست فعالة».
هذه النخبة ليست مالية فقط بل لديها رؤية كونية صارمة فعلى ما يبدو تريد أيضًا أن يقل عدد سكان العالم عن مليار نسمة، وأنها على استعداد للذهاب إلى أبعد حد؛ بل التخطيط لأساليب هندسية عالمية للسيطرة على السكان مثل الفيروسات واللقاحات والأغذية المعدلة وراثيًّا، ويقال أيضًا إن هذه الأسر تحتفظ حتى بالعلاج النهائي للأمراض الخطيرة.
تبرز أسماء العائلات المتحكمة بالمال في العالم..عائلة روتشيلد، عائلة روبرت وعائلة جينوفي وعائلة أستور وعائلة روكفلر وعائلة مكماهون والعائلة الكابيتية.. ربما لا يتسع المجال لذكر جميع الأسر المتحكمة في عالمنا والتفصيل عن تاريخها ونشاطها، لكن نذكر سريعًا بقية الأسر المهمة: عائلات بورش «المعروفة في مجال السيارات»، وأوبنهايمر «في مجال التعدين»، وتاتا «هي أكبر صاحب عمل في الهند في مجالات البناء والعقارات والسيارات والنسيج»، وكولينز، وبوندي وفريمان، وكينيدي، ورينولدز والقائمة تتضمن عائلات مثل “هانوفر” و “كراب” و ” واربارج” و غيرهم من العائلات الإيطالية والروسية و الأوروبية، وهناك المزيد من العائلات التي لم تُعلن عن تواجدها الحقيقي في الروابط و جماعات الضغط التي تتحكم بالعالم وبثرواته وبقراراته المصيرية…
هنا تبرز حقيقة هذه الأسر وهدفها في السيطرة على كل شيء في جميع أنحاء العالم من الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والسياسات الخارجية والغذاء وحتى المنظمات الإرهابية فهم من يشكلها وهؤلاء يقررون أين ومتى سيحدث الهجوم الإرهابي المقبل، ويقررون متى ستسقط الأسواق، ويقررون ما يحدث في الأمم المتحدة، ويقررون كل شيء عمليًا.
قال موقع ” وورلد تروث” الأمريكي إن 13 عائلة تحكم العالم، وتمول كل الحروب والصراعات. وأن تلك العائلات “تمتلك 500 ترليون دولار وتسيطر على جميع البنوك المركزية لدول العالم”.. وتابع الموقع أنها تمتلك الإعلام والنفط والحكومات، وتتحرك ببطء وهدوء شديدين لاستعباد البشر بصورة كاملة.. ولفت الموقع إلى أن مقولة “المال هو إله العالم وأن عائلة ريشارد هي رسوله” تعكس حقيقة تلك العائلات ودورها في حكم الأرض.
ويشير تقرير لـ”إيكونوميست” إلى أن 90% من المشاريع في العالم تمتلكها أو تديرها عائلات، وأن ثلث الشركات الأمريكية تملكها عائلات و40% من الشركات الفرنسية والألمانية كذلك.. ونقل موقع وورلد تروث، أن هناك أكثر من 10 عائلات تمتلك الحصة الأكبر من الذهب فى العالم، بل إن لديها القدرة على التحكم فى أسعار الذهب عالميا، وهناك عائلات استطاعت خلال 3 قرون التحكم في عالم المال في قارة اوربا والولايات المتحدة واستطاعت ان تستولي على90 بالمائة من دخل شعوبها واستخدمت الأوربيين كحصان طروادة للاستيلاء على مقدرات العالم وخاصة الوطن العربي ولقد أصبحت هذه الشركات تملك بيوت الناس في أمريكا و أوروبا وتهدد بطردهم ان لم يدفعوا القروض بفوائدها.. وما يُشاهد في العالم من احتجاجات قائمة في الغرب وفرنسا بالذات إلا بداية ثورة على النظام الاقتصادي والبنوك الجشعة التي تمتلك معظم أسهمها ثلاث عائلات يهودية: “روتشيلد، وروكفلر، ومورجان”، وهي تمتلك مالا يقل عن 90% من أسهم البنوك المركزية في أغنى دول العالم، ما يجعلها صاحبة الحق في طباعة العملات الورقية لهذه الدول.
وما لا يعرفه الكثيرون أنّ (البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي) مؤسسة ليس للرئيس الأميركي أو أي مؤسسة حكومية سلطة عليه، فالبنك يطبع النقود للخزينة الأميركية بناء على نظام مبنيّ على الديون، أيّ أنّ أميركا كدولة يتحكّم في مصيرها (آل روتشيلد، آل روكفلر، آل مورغان)، والعائلات الأغنى في العالم تعمل على أجندة مخططة وُمنسّقة منذ فترة طويلة لإنشاء حكومة عالمية وبنك مركزيّ، وجيش وشعب صغير مترابط مرتبط بجهاز حاسوبٍ عالميّ.. اما النظم السياسية الغربية و الأحزاب فليست الا أدوات، ناهيك عن السيطرة على كل شيء في العالم ومحاولة جعله مدينة تحت السيطرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي غيّرت أنماط حياتنا كرهاً وطوعاً وجعلتنا تحت إشراف تام من قبل الكبار!!
تطور الاقتصاد الشيوعي:
تتحرك الصين بمشروعها الاقتصادي العملاق “طريق الحرير” وتجتذب إليه كثيرا من دول العالم الإسلامي وآسيا وإفريقيا.. إمبراطورية اقتصادية يبنيها الفكر الشيوعي في آخر تجلياته للتحرر من الهيمنة الامبريالية الأمريكية وقوانينها.. تجارة بينية، بعملات محلية، و تحرير السلع من الاحتكار، وتنمية في الأقطار المنضوية يعرف المشروع رسميا باسم “الحزام والطريق”، وهو مبادرة صينية لإحياء “طريق الحرير” الذي ربط بين الصين وأوروبا مرورا بالمشرق العربي والإسلامي بطول يتعدى عشرة آلاف كيلومتر، و هو يهدف استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية، ليكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، ويشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية.. تريد الصين من خلاله تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية والوسطى.. انه مشروع صيني عملاق انطلق بداية تسعينيات القرن الماضي، عبر ما عُرف بالجسر البري الأوروبي الآسيوي الذي يصل بين الصين وكزاخستان ومنغوليا وروسيا، ويصل إلى ألمانيا عبر سكك حديدية.. يتضمن المشروع فرعين رئيسين: البري “حزام طريق الحرير الاقتصادي”، والبحري “طريق الحرير البحري”..يمتد طريق الحرير البحري من الساحل الصيني عبر سنغافورة والهند باتجاه البحر المتوسط، أما الفرع البري من المبادرة فيشمل ست ممرات هي:- الجسر البري الأوراس ،- ممر الصين – مونغوليا – روسيا، – ممر الصين – آسيا الوسطى، – آسيا الغربية الذي يمتد من غربي الصين إلى تركيا.-، ممر الصين – شبه جزيرة الهند الصينية،– ممر الصين – باكستان، – ممر بنغلاديش – الصين – الهند – ميانمار – الهند… حتى الآن وقعت 126 دولة و29 منظمة دولية اتفاقات تعاون مع بكين في إطار المشروع وقد تفردت ايطاليا من أوربا بدخول المشروع كما ان روسيا وباكستان وإيران كانت من أهم المشجعين على المشروع هذا وقد استثمرت الصين في المشروع ثمانين مليار يورو ، كما قدمت المصارف قروضا بقيمة تتراوح بين 175 و265 مليار يورو وذلك في البنى التحتية للطرق والجسور والموانئ في إفريقيا واسيا.. وقد أنشأت في عام 2015 البنك الآسيوي لتنمية البنية لتعزيز المشروع.. وتم تقدير القيمة المتوقعة لمشاريع المبادرة بثمانية تريليونات.
تتضمن الخطة السيطرة على سلسلة المواني الحيوية وتتعدى المبادرة العالم المادي إلى الافتراضي باستحداث الصين شبكة ألياف ضوئية وطرق إنترنت جديدة عبر شبكة الجيل الخامس و هواي، وتشمل المبادرة -طريق الحرير- كذلك إنشاء متنزهات علمية وجامعات ومصافي بترول ومحطات تحلية مياه البحر ومحطات توليد الطاقة الكهربائية والشمسية والصخرية وسكك الحديد والطرق والأنفاق والسدود وقواعد بحرية وعسكرية في كل الدول التي وقعت عليها وبلغت 60 دولة لغاية الآن، وبذلك تعتبر المبادرة أعظم مشروع للبنية التحتية في التاريخ.. تحاول الصين الوصول إلى 60% من سكان العالم لنقل بضائعها إليهم، وتشغيل عمالها وشركاتها و استثماراها وتأمين حاجاتها، وبالذات النفط والغاز.
أهداف الهرولة:
ليس هناك تفكير بالموضوع الفلسطيني أمام طرفي الصراع.. إنما هو صراع وجودي بين نظامين اقتصاديين، والاهتمام بالعلاقة مع الكيان الصهيوني ليس للتطبيع والصداقة إنما للتحالف والاصطفاف ضد طريق الحرير.. هل يسكت أولئك المتنفذون في الاقتصاد العالمي عن تجاوز الدولار كعملة مرجعية؟ إنها حرب كونية تحترق فيها بلدان وسياسات واقتصادات تلك المقترحة لطريق الحرير؟ فيتم انتشار الأوبئة والانقلابات والإنفجارات والفوضى ويتم العمل بسياسة الأرض المحروقة ليكون طريق الأشواك بدل الحرير.. انها الحرب تقودها في منطقتنا الإمارات والكيان الصهيوني للسيطرة على المواقع الحيوية لقطع الطريق على المشروع الصيني وتشكيل حلف عربي صهيوني من خلال تفاهمات عميقة تشرف عليها الإدارة الأمريكية.. فالكيان الصهيوني أصبح حاضرا في ليبيا وتونس واليمن والإمارات والسعودية والبحرين والمغرب.
يعتبر الحلف الجديد ان عدوه الإقليمي كما يصرح: إيران وتركيا.. وهو يسير الى تحييد الدول العربية التي ترفض الانضمام وان لم يتمكن فانه سيعمل على تمزيقها والخطط الأمريكية جاهزة.. وهنا يصبح على كل من يرفض الانخراط في الحلف الصهيوني ان يمكن جبهته الداخلية ويوسع دائرة تحالفاته لان الحرب مثل النار أو السيول لا يمكن اتقاؤها بالكف.. إنما بالحلف المضاد.
إن الحرب العالمية حامية الوطيس بين إرادتين تمتلكان الكثير من أدوات الدمار ليس فقط في بحر الصين.. وتجد كل الدول الكبيرة الهند باكستان تركيا ايران نفسها في احد قطبي الصراع، وتقع الدائرة العربية مرغمة في المركز لأنها هدف صيني مهم لخصوصية موقعها الجيوسياسي على طريق الحرير ولذلك فهي تتعرض للتخريب والتشتيت من قبل الحلف الجديد الذي مركزه الكيان الصهيوني..
إن الخيارات محدودة بعد ان فشلت الدول العربية في إقامة كيانات اقتصادية مشتركة او توثيق العلاقات البينية وهنا تبرز من جديد ضرورة الوحدة العربية الإسلامية والله غلب على أمره.