أقلام

الحرب في غزة.. بين تعدد القراءات وأحادية الهدف

ما تتعرض له مدينة غزة من قصف وتدمير لا يدخل في سياق حرب عادية بل هي عملية إبادة ليس للشعب الفلسطيني بل هي عملية استئصال لمشروع سياسي وهو المقاومة التي حاولت أن تفرض نفسها من منطلق قوة الميدان ولكي نغوص في أعماق هذه الحرب التي تستمد وجودها من صراع عربي إسرائيلي عمره سبعون سنة أو أكثر فحرب غزة والتي اندلعت شرارتها عن طريق عملية طوفان الأقصى هي حرب ذات العادة جيواستراتيجية تريد أن تتموقع في ظل نظام دولي جديد تريد قوى أن تفرضه لكي تقلص هيمنة واشنطن على العالم ومن هنا سنبدأ بعرض قراءاتنا حول الحرب باعتبار هذه القراءات متعددة بحكم تعدد المعطيات والمصالح التي تحيط بالواقع الفلسطيني وباعتبار فلسطين هو جوهر الدبلوماسية الأمريكية والقوى الدولية في منطقة الشرق الأوسط ومن بين القراءات التي نستهل بها هذا المقال هو إن حرب غزة هي تكتسي صبغة حرب الوكالة بين إيران والكيان الصهيوني المدعوم من واشنطن وقوى غربية وإيران تواجه الكيان عبر وكلائها في المنطقة مثل حماس وجماعة أنصار الله وحزب الله والميليشيات الشيعية في العراق ومن هنا يمكن قراءة هذا المعطى قراءة واقعية بحكم أن طهران قامت بحرب استباقية ضد الكيان الصهيوني لكي تبين للعالم وخاصة واشنطن بأنها تلامس الكيان الصهيوني في الجوار وأن وكلاء إيران كلهم يمثلون محور شيعي مقاوم الوجود الصهيوني وهذا ما يسبب الإحراج للقوى السنية في المنطقة وعلي نحو خاص دول الخليج ويمكن القول بأن تحرك طهران جاء بناء على ضمانات روسية وتحت غطاء صيني.
كذلك هناك قراءة أخرى توحي بأن الهدف من عملية طوفان الأقصى هو تخريب مشروع التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني وخاصة التقارب السعودي الصهيوني الذي حتما سيؤثر على التقارب السعودي الإيراني وكذلك خلق ضغط شعبي على الأنظمة المطبعة حيث سمحت هذه الاخيرة بخلق نوع من السخط الشعبي والجماهيري على المطبعين كقيادات سياسية وليس كشعوب ومن بين القراءات التي يجب تسليط الضوء عليها وهي واقع حماس كتنظيم سياسي وعسكري وكيف يمكننا صياغة قراءة إستراتيجية بعدم التنسيق بين المكتب السياسي لحركة حماس وكتائب عز الدين القسام بخصوص تفاصيل عملية طوفان الأقصى
عدم إخبار كتائب عز الدين القسام القيادة السياسية بتاريخ العملية وتفاصيلها ليس متعلق بأزمة ثقة بين الجناحين بل هو متعلق بيقظة إستراتيجية تبناها الجناح الأمني الجديد في حركة حماس والذي يتزعمه يحيى السنوار مؤسس جهاز الأمن (مجد) حيث قام بتصور فرضية تفيد بأن هواتف بعض القيادات السياسية قد تعرضت للاختراق من طرف الموساد ولم يعلمهم بالتفاصيل نظرا لأهمية الموقف والعملية سياسيا لم يتم إبلاغ خالد مشعل وإسماعيل هنية بحيثيات العملية بهدف تفادي الإحراج مع قطر بصفتهما الحاضنة السياسية والمالية لحركة حماس وتنظيم الإخوان المسلمين في العالم لكن التنسيق كان مع إيران عن طريق حزب الله بحكم الواقع المشترك والتحديات ومن أهم القراءات التي ستساهم في تغيير المجريات وتجعل من حماس مفاوض قوي يستمد قوته من التقدم الميداني والمنجزات العسكرية وهنا سيكون أمر آخر سيعقد حسابات الكيان الصهيوني وهو تبادل الأسرى وطرح أسماء لها وزن سياسي في الساحة الفلسطينية أمثال مروان البرغوثي وأحمد سعدات وكلاهما له وزن وشعبية وهذا ينعكس سلبا على محمود عباس وعلى عملية التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والكيان وما يمكن أن نتوقعه هو أن عملية طوفان الأقصى ستفرض أمر واقع آخر وهو التفكير من جديد وإعادة قراءة القضية الفلسطينية وفق مقاربات ورؤى تفرضها المتغيرات التي تبشر بظهور نظام دولي جديد ومن هنا يجب مقاطعة وإلغاء كل اتفاقيات السلام مع الكيان الصهيوني وعلى رأسها اتفاقيات أوسلو فالسلام مع الكيان الصهيوني هو مجرد وهم لأنه لن يتحقق دون أرض للشعب الفلسطيني وفك الحصار المفروض على قطاع غزة ومن هنا تتسع طاولة المفاوضات بعدة أطراف جدد ستتفاوض مع الكيان وهنا سيكون انبعاث مشروع وطني فلسطيني جديد وبديل عن منظمة التحرير الفلسطينية وستكون جبهة وطنية تستمد شرعيتها من المقاومة.

ومن بين القراءات التي يجب أن نتعامل معها بكل دقة في الملاحظة هي كيف يجب علينا أن نقرأ الموقف الأمريكي الداعم الكيان الصهيوني ذلك أن إدارة بايدن تسعى إلى استقطاب القوى المتعاطفة دينيا مع المشروع الصهيوني وتريد أن تغطي فشلها في أوكرانيا وتريد أن تؤكد على وجودها العسكري بجانب الكيان عن طريق إمداده بالمعدات الحربية والمستشارين العسكريين وهذا كله عبارة عن تهديدات غير مباشرة لإيران والقوى الداعمة لدورها الإقليمي في الشرق الأوسط وفي مقابل هذا الموقف نجد كيف استقبلت موسكو وفد من حركة حماس وهذه رسالة مشفرة توحي بأن موسكو تريد التدخل في الحرب على غزة باعتبارها حرب بين الغرب الداعم للكيان الصهيوني والعالم الراغب والطامح إلى بروز نظام عالمي جديد يؤمن بالتعددية القطبية.

ما تعرضنا له هو جملة قراءات تعبر عن الواقع السياسي والمتغير العسكري الذي فرضته حماس في الساحة الفلسطينية والعربية وحتى الإقليمية فهي لحد الآن حققت انتصار سياسي لغزة واكتسبت شرعية دولية وجماهيرية حيث خرجت مظاهرات في عواصم العالم فاقت المظاهرات المعارضة لحرب فيتنام وسوقت للعالم مدى فشل اليمين المتطرف الصهيوني في صياغة رؤية السلام وفق مبدأ حل الدولتين وأن حكومة نتانياهو هي حكومة فاقدة للأهلية السياسية والشرعية المجتمعية دون نسيان عامل الصدمة النفسية التي يعيشها سكان المستوطنات في منطقة غلاف غزة والضغط الذي يمارسه أقارب الأسرى مع العلم أن بعض الضربات الجوية تسببت في موت عدد معتبر من الرهائن.

كل هذه القراءات المتعددة تنصب في هدف واحد وهو تدمير قطاع غزة واستئصال حماس وتفكيك السلطة الفلسطينية وإلغاء مبدأ حل الدولتين وتبني مقترح جديد وهو تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء وهذا ما يسبب نكبة ثانية للشعب الفلسطيني أن الوصاية الصهيونية على الأراضي الفلسطينية تعتمد على تأييد المطبعين مع الكيان الصهيوني.

‪ ‬‬
عبد الكريم العراجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى