الجزائر

الحكومة أمام تحدي نموذج الدعم الاجتماعي الجديد

بعدما تحوّل إلى مبرر لضرب جودة المواد الأساسية

في ظل اتجاه التصريحات الرسمية للحديث عن إعادة النظر في طريقة انتهاج الدعم الاجتماعي، تعود تصريحات الاقتصاديين للواجهة، لتمثل صورة التحدي القادمة أمام الحكومة في طريقة اعداد الإطار التنظيمي الجديد المؤطر لسياسة دعم ذات معنى ومبنى تحفظ الكرامة الإنسانية للمواطن ويستفيد منها المجتمع وتحرر الإقتصاد الوطني من عطالته ويكون لها الأثر على مستوى الرفاه الإجتماعي، بدءً من إعداد بطاقية وطنية لمداخيل الأسر الجزائرية كافة (مداخيل كل الساكنة حسب الأسر)، وإعداد الرقم التعريفب الوطني الموحد الذي يتضمن معلومات مدنية وإقتصادية لكل مواطن أكثر مما في البطاقية، في ظل تحدي توفير احصائيات حقيقية لسيولة المداخيل الأسرية في الجزائر، وتصنيف من هو الفقير حقيقة ممن هو ميسور الحال في الجزائر عبر شبكة من المعطيات الممتدة من وزارة إلى أخرى، ما بين وزارة التضامن إلى الشؤون الدينية والأوقاف وصولا للداخلية عبر الجماعات المحلية.

من جهته الخبير الاقتصادي مهماه بوزيان، يوضح أن الدعم الحكومي يشمل السلع وكذا الخدمات الأسياسية، في إطار التحويلات الاجتماعية التي مثلت 23.7 بالمائة، من موازنة 2017، بقرابة 15 مليار دولار، مع زيادة تقارب 8 بالمائة

في 2018، لتشمل أنماط الدعم وفقما يضيف الخبير الاقتصادي المواد البترولية (أسعار الغاز الطبيعي كوقود أو كغاز المدينة)، كذلك دعم أسعار الكهرباء، لنلمس معها دعم التكوين المهني والتمهين أو دعم خدمات التعليم والعناية الصحية وكذلك الدعم الموجه لخدمات التسيير الحضري للمدن والمرافق والفضاءات العمومية، في حين يتدارك محدثنا أن الدعم الحكومي وسياسة الحكومة في التحويلات الاجتماعية ينبغي أن تنحى إتجاها جديدا يستهدف الوصول على المدى المنظور إلى الرفع الكلي للدعم عن كل المواد ، وهذا هو التحدي الأكبر والأخطر للإقتصاد الوطني، ويتمثل سؤال المرحلة في: كيف نحافظ على مكاسب الدولة الإجتماعية؟ وفي نفس الوقت كيف نصل لبناء القيمة الحقيقة في السوق الوطني وفي منظومة الإقتصاد الوطني.

واعتبر مهماه بوزيان أن هذه التوليفة المترابطة من الدعم المركب سينجر عنها عند عملية رفع الدعم، الكشف عن الأسعار الوهمية غير المستقرة، كون الأخيرة لا تستند إلى مرجعية اقتصادية، ومنه فعملية رفع الدعم عن المواد والسلع، سيولد سلسلة من الزيادات، وفي بعض الأحيان تؤدي إلى “زيادات دائرية القيمة”، وفي أحيان أخرى إلى “زيادات تراكبية”، فرفع سعر المواد الطاقوية، سيؤدي إلى زيادة في سعر الوقود مما سيترتب عنه زيادة حتمية في أسعار النقل (نقل الأشخاص ونقل البضائع) وهذا سينتج زيادة في سعر نقل المواد الأولية عند مدخل عملية الإنتاج، وسعر نقل السلع عند مخرج عملية الإنتاج وصولا إلى السوق ثم الزبون.

لابد من انطلاق عملية رفع الدعم تدريجيا

ودعا لضرورة لوضع تسعيرة تعكس القيمة الجوهرية “الذاتية” للسلعة، موضحا أن المسار يتأتى عبر رفع الدعم جزئيا، وهو الأولية التي حددها أمام مقرري السياسات العمومية، مع توسيع دائرة النقاش البناء والمنهجي مع تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية، أو وفقا لتعبيره “حان وقت قول الحقيقة للمواطنين”، من أجل وضع مخطط محكم البناء لتجاوز المعضلة التي تكبل الإقتصاد الوطني وتضعه في حالة عطالة مزمنة ، رابطا بين دعم المواد وطرد الإستثمارات، فدعم السلع والمواد والخدمات يجعل من البيئة الإقتصادية غير جاذبة للإستثمارات أو غير مستقطبة لرؤس الأموال المنتجة، بحسبه، مضبفا “ولدينا حالة ماثلة تتعلق بعدم إمكانية فتح رأس مال العديد من الشركات الكبرى كون منتجاتها مدعمة بشكل كبير (إنتاج الكهرباء، توزيع الوقود ومشتقات المواد النفطية. وهذه أكبر خسارة للإقتصاد الوطني”.

الدعم أصبح المتهم في ضرب جودة السلع الأسياسية

كما قال مهماه بوزيان أن الرفع التام للدعم عن السلع والمواد والخدمات لا تتعارض البته مع المضامين الحقيقية للطابع الإجتماعي للدولة، بل من شأنها الرفع من مكانة المواطن ونوعية وجودة ما يحصل عليه، مستندا في رأيه إلى سلعتين أساسيتين وهما الحليب والخبز، بالنسبة للحليب المسوق في أكياس البلاستيك وهو منتوج واسع الإستهلاك وتلجأ له كل الأسر الجزائرية (سعره 0,22 دولار للكيس الواحد ذي سعة لتر) فهو مدعوم بقيمة مساوية لسعره هذا على عتبة المحلات التجارية، لكن للأسف جودته في حالة تراجع مريع، يضاف لها ما يقوم به بعض المنتجين بتوجيه التغطية المالية المتأتية لدعم مادة الحليب أساساً إلى إنتاج الأجبان والعديد من المشتقات الأخرى التي لا تشملها الإتفاقيات المرجعية وغير مدرجة في بنود الدعم المخصوص للحلي، ساحبا نفس الوضعية على الخبز، فبالرغم من كل الدعم الحكومي الموجه له، هناك تحفظات من قبل المستهلكين ومنظماتهم فيما يتعلق بنوعيته، وكل ذلك بحجة ضعف الدعم، متسائلا هنا عن جدوى الدعم إن ضرب الجودة.

أما بخصوص المواد الأساسية التي يمكن أن تحددها الحكومة كانطلاقة منها لرفع الدعم عنها عاجلا، فجاءت اجابته، بأن كل مادة أو سلعة أو خدمة يتوجب رفع الدعم عنها يرتبط ذلك بإنضاج وتحضير بدائل قابلة للتطبيق والإستمرار وتجهيزها أولا قبل المبادرة بأي إجراء يمس الدعم، عائدا بصالورة إلى دفاعه عن خيار تحريك أسعار الوقود شريطة وضح مخطط متنامي يقضي أساسا بوجود شبكة واسعة من النقل الحضري الجماعي ذو خدمات متنوعة (حافلات، سيارات نقل جماعي، تراموي، قطارات سريعة، سيارات حضرية عصرية، …) وأن تكون مهيأة بشكل ملائم وتستجيب لحركية المواطنين. كما أن مراجعة مدونة السلع والخدمات الأساسية تحتاج إلى تحيين وتعميق نظر في مكوناتها، فما كان في وقت غير بعيد ليس أساسيا في حياة المواطن أو كان يعد من مظاهر الرفاهية والثراء أصبحت حياة المواطن ترتبط به بشكل كبير، لنأخذ مثال أجهزة الإعلام الآلي، وخدمات الإتصال والمعلوماتية والأجهزة الرقمية، وكذلك بالنسبة للسيارات التي أضحت حاجة ملحة.

وبخصوص توجيه الدعم لمستحقيه، فدعا مقرري السياسات العمومية للعمل وفقاً لمنظور إستراتيجي بنائي يستهدف حماية الطبقة الوسطى كمحرك أساسي للإستهلاك خاصة وللإقتصاد بشكل عام، مع الإجتهاد في بناء إقتصاد مستدام مدمِج (أي إقتصاد يدمج البعدين الإجتماعي والمحلي)، وإعادة الإعتبار لقيمة العمل وبذل الجهد، وتعميق الإستثمار في “الإنسان” فهو الثروة الحقيقية، ولن يتم ذلك إلا عبر بناء نظام للتكنولوجيات الجديدة للإعلام والإتصال وشبكة للمعلوماتية أكثر حداثة

وصلبة وفعالية وذي سيولة عالية التدفق ومؤمناً بشكل لا يقبل الشك، ورقمنة جميع التعاملات المالية والخدماتية، وإعتماد التوقيع الإلكتروني وتعميمه، و تعميم إستخدام “الرقم التعريفي الموحد”، وهو الرقم المتضمن للمعلومات المتعلقة بكل مواطن في جوانبها المدنية والإقتصادية ، وتعزيزها بجهاز رقابة قوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى