الجزائر

الخبير الاقتصادي فارس هباش لـ”الوسط “: التعاون بين دول الجنوب مهم للحفاظ على الوحدة التفاوضية

· إنشاء مركز امتياز خطوة حيوية لتعزيز نمو المؤسسات الناشئة

· 85 دولار للبرميل مجال سعري يضمن التوازنات المالية للجزائر

· التكامل الاستراتيجي الجزائري الإفريقي قائم على العلاقات المتوازنة

· يجب تبني سياسات وقوانين تعكس الالتزام بالعدالة المناخية

· تحقيق الإصلاحات الهيكلية يتطلب جهودًا شاملة

أكد الخبير الاقتصادي فارس هباش في حوار خاص مع يومية “الوسط” بأن تعزيز القدرة التفاوضية لدول الجنوب يتطلب تكاملا اقتصاديا حقيقيا على أساس مبدأ رابح – رابح، وكذا تطوير بنية تحتية قوية، واستثمار في المهارات والخبرات ،مشيرا البروفيسور هباش ، بأن أهم ما يميز العلاقات الاقتصادية والتكامل الاستراتيجي الجزائري الإفريقي هو العلاقات المتوازنة القائمة على أساس مبدأ رابح – رابح، كما أشار ذات المتحدث بأن الجزائر تسعى من خلال التوجه نحو اقتصاد منتج متنوع وخلاق للثروة بعيدا عن التبعية البترولية، معتبرا في ذلك بأن أسعار النفط الحالية جد مقبولة وذات هامش أمان مريح ،خاصة أن كل المؤشرات تؤكد أن الأسعار ستبقى في المتوسط ضمن المجال 80 إلى 85 دولار للبرميل وهو مجال سعري يضمن التوازنات المالية للجزائر ويعتبر سعر عادل لدى منظمة الأوبك على حد قوله ، كما أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف في هذا اللقاء أن إنشاء مركز امتياز خطوة حيوية لدعم وتعزيز نمو المؤسسات الناشئة وتحقيق التنمية الشاملة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ، وفي الأخير دعا المحلل في الاقتصاد إلى أنه يجب العمل الصارم على تبني سياسات وقوانين تعكس الالتزام بالعدالة المناخية وتحقق التوازن البيئي.

بداية، ما هي الآليات لتحقيق الإصلاحات الهيكلية لأنظمتنا الوطنية؟

إن تحقيق الإصلاحات الهيكلية يتطلب جهودًا شاملة وتنفيذًا فعّالًا لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما تسعى إليه الجزائر من خلال التوجه نحو اقتصاد منتج متنوع وخلاق للثروة بعيدا عن التبعية البترولية، ومن بين أهم هذه الآليات المهمة : التركيز على تحسين إطار عمل المؤسسات: إصلاح البنية التشريعية والإدارية لتسهيل عمل الشركات وتعزيز المنافسة، وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد لضمان التوزيع العادل للموارد./تطوير البنية التحتية: حيث يعد الاستثمار في البنية التحتية عاملا محوريا لتعزيز النقل والاتصالات وتحفيز النمو الاقتصادي./ تعزيز التعليم والتدريب: وذلك من خلال تحسين نظام التعليم والتدريب لضمان توفير العمالة المهنية والمهارات المناسبة، حيث يعد ذلك محورا استراتيجيا للاندماج فيما يعرف باقتصاد المعرفة. / تشجيع الابتكار والبحث والتطوير: حيث يجب العمل على دعم الابتكار والبحث لتحسين تنوع الاقتصاد ورفع كفاءة الإنتاج./تحسين بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار: وذلك من خلال تيسير إجراءات بدء الأعمال وتوفير بيئة استثمار ملائمة، وهذا تعمل وتعكف عليه الجزائر حاليا من خلال تفعيل قانون الاستثمار الجديد ومجموعة أخرى من القوانين المساعدة على تطوير المناخ الاستثماري مثل قانون النقد والقرض وقانون العقار الاقتصادي…وغيره/تعزيز القطاعات الرئيسية:تطوير القطاعات الحيوية والإستراتيجية وتعزيز التنويع الاقتصادي، وذلك بالتركيز على كل من قطاع الصناعة بكل فروعه، قطاع الفلاحة، الطاقات والطاقات المتجددة، السياحة، اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة./ تحسين الأمان الاجتماعي: وذلك من خلال تعزيز برامج الأمان الاجتماعي لدعم الفئات الضعيفة والمتوسطة وتحقيق التوازن الاجتماعي./ تعزيز التكنولوجيا والتحول الرقمي: اعتماد التكنولوجيا وتسهيل التحول الرقمي لتحسين الكفاءة والابتكار ومحاربة البيروقراطية وإضفاء المزيد من الشفافية وضمان انسيابية ومرونة العمليات والإجراءات الإدارية والاقتصادية./ تعزيز التجارة الدولية: من خلال فتح الاقتصاد للتجارة الدولية وتعزيز التكامل في الأسواق العالمية./ تعزيز التمويل: تحسين نظام التمويل وتوفير مصادر تمويل مستدامة للمشاريع الاقتصادية، مما يسهل على الاندماج في الإستراتيجية الوطنية الرامية إلى التنوع الاقتصادي وتعظيم دور المؤسسات والقطاع الخاص في المساهمة في التنمية الاقتصادية. وعليه فإن تكامل هذه الآليات يمكن أن يسهم في تحقيق تحول هيكلي يدعم النمو الاقتصادي ويحقق التنمية المستدامة.

كيف تقيم دور الجزائر في تعميق التكامل الإفريقي؟

تقوم الجزائر بدور هام في تعزيز التكامل الإفريقي من خلال مشاركتها في عدة جوانب، تشمل ذلك دعمها لمبادرات التكامل الاقتصادي والتجاري في القارة، وتعزيز التعاون مع دول إفريقيا الأخرى، كما تسعى الجزائر إلى تعزيز التكامل الاقتصادي من خلال دورها في الاتحاد الإفريقي والمشاركة في مبادرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.كما أن الجزائر وخلال السنتين الأخيرتين سعت بشكل حثيث نحو تعميق التكامل الاقتصادي الإفريقي من خلال عديد المبادرات مثل فتح فروع لبنوك جزائرية عمومية وأخرى مشتركة في بعض الدول الإفريقية على غرار السنغال وموريتانيا مما يعطي أكثر فرص وآفاق للتعاون والتبادل التجاري بين الدول المعنية، كما تعمل الجزائر حاليا على فتح العديد من المعارض التجارية على مستوى بعض الدول الإفريقية لإيجاد فرص استثمارية وتجارية مع هذه الدول، إلى جانب فتح العديد من الخطوط الجوية والبحرية مع عديد عواصم الدول الإفريقية مما يسهل تحركات رؤوس الأموال ويعزز من مستوى التبادل التجاري.وتعد الجزائر أحد أعمدة الدول الإفريقية التي ساهمت في مشروع الطريق العابر للصحراء والذي انتهت به الأشغال في معظم أجزائه الرسمية وهو ما يعتبر منعطفا مهما نحو تكامل إفريقي حقيقي خاصة أن هذا الطريق يربط عشرات الدول بشكل رئيسي أو بشكل ثانوي من خلال تفرعاته، إلى جانب خط الألياف البصرية بالتوازي مع الطريق العابر للصحراء خاصة وان معظم الدول الإفريقية تعاني من ضعف البنية التحتية في مجال الاتصالات وخدمات الإنترنت مما يشكل دعما قويا لاقتصاديات هذه الدول في تطوير اقتصاداتها وتنفيذ برامجها التنموية. وتعتبر الجزائر أحد أهم دول القارة التي تقف دائما وتاريخيا مع الدول الإفريقية خاصة الضعيفة منها ،وهذا ما جسده تقديم الجزائر العام الماضي لمبلغ واحد مليار دولار لبعض الدول الإفريقية لتطوير بنيتها التحتية وهذا في إطار الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي. وعليه فإن أهم ما يميز العلاقات الاقتصادية والتكامل الاستراتيجي الجزائري الإفريقي هو العلاقات المتوازنة القائمة على أساس مبدأ رابح – رابح.

ماهو الهدف الأساسي من خلال التعاون (جنوب – جنوب )؟

إن التعاون بين دول الجنوب يحمل أهمية كبيرة للحفاظ على الوحدة التفاوضية لهذه الدول، من خلال تكامل جهودها وخبراتها، حيث أن هذا التعاون خاصة إذا ما أخذناه ببعده الاستراتيجي يمكن أن يحقق العديد من الفوائد على غرار تحقيق القوة التفاوضية المشتركة، حيث أن التحالف بين دول الجنوب يعزز موقفها في المفاوضات الدولية، و يتيح لها تحقيق نتائج أفضل وتأثير أكبر، من خلال تعزيز التنمية و التعاون مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة لدول الجنوب من خلال مشاريع مشتركة، وتبادل المعرفة والتكنولوجيا والخبرات.كما أن هذا التعاون والتكامل الاستراتيجي سيكون له الدور الكبير في تعزيز الأمن الاقتصادي، حيث يمكن لدول الجنوب تحسين قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية وتعزيز استقرارها الاقتصادي وخاصة في ظل حالة الاستقطاب العالمي التي يشهدها العالم، مما يجعل تحديات ضمان الأمن الغذائي والطاقوي والصحي رهان حقيقي لدول الجنوب، في ظل الانكشاف الحقيقي لوحشية وزيف مبادئ الدول الليبرالية التي ظلت تتغنى بها لعقود طوال، وهي تعيش على استنزاف مقدرات وطاقات دول الجنوب بأبخس الأثمان لتعيد استغلالها ببيعها لنفس الدول بأغلى الأسعار في معادلة ظالمة وغير متوازنة.وعليه فإن العمل على تقليل التفاوت الاقتصادي من خلال تعظيم مستوى التعاون يمكن أن يساهم في تقليل الفجوة الاقتصادية بين الدول النامية وتحقيق توزيع أكثر عدالة للثروات والفرص، والانطلاق نحو تعزيز التكامل الإقليمي من خلال بناء هياكل اقتصادية إقليمية قوية، مما يعزز التكامل والتواصل بين دول الجنوب خاصة الاستثمار في قطاع المؤسسات الناشئة التي تعتبر أحد أهم روافد خلق الثروة في العالم، وهو ما من شأنه أن يبني تحالفات اقتصادية قوية بين دول الجنوب تعزز قدرتها التفاوضية، حيث أنه كلما أبدت هذه الدول مستوى تماسك اقتصادي أكبر كلما أصبح لديها وزن أكبر في المحادثات التجارية والمفاوضات الدولية.كما أن تعزيز التعاون في مجال تبادل المعرفة والخبرات الاقتصادية يعزز القدرة التفاوضية لدول الجنوب، فعندما تتبادل الدول المعرفة حول كيفية التعامل مع التحديات الاقتصادية خاصة في ظل أزمة تغير المناخ العالمي وما تفرضه من متطلبات في مجال التنمية الاقتصادية الخضراء وفق أبعاد التنمية المستدامة، يزيد ذلك من قوتها في المفاوضات. وتلعب تحسين بنية البنى التحتية دورا مهما في تحسين موقفها في المحادثات التفاوضية من خلال الرفع من مستوى جاذبيتها للاستثمارات.كما تعتبر تنمية القدرات البشرية محورا مهما في تعزيز هذه القدرة التفاوضية لدول الجنوب، إذ يعد الاستثمار في تطوير القدرات البشرية عاملا محوريا يجعل الدول الجنوبية قادرة على تحليل ومواجهة التحديات الاقتصادية بشكل أفضل والمشاركة بشكل فعال في العمليات التفاوضية، ويرفع من مستوى المشاركة في المؤسسات الدولية، حيث أن تعزيز دور الدول الجنوبية في المؤسسات الدولية يزيد من تأثيرها في صياغة السياسات واتخاذ القرارات الاقتصادية العالمية، خاصة في ظل الهيمنة الاقتصادية التي تفرضها الدول الغربية على العالم مستعملة في ذلك المؤسسات المالية الدولية على غرار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كأدرع وأغطية لفرض سياسات مجحفة على اقتصاديات دول الجنوب تساهم في إضعاف هذه الدول وفقدانها لسيادتها الاقتصادية والسياسية. وبالتالي فإن تعزيز القدرة التفاوضية لدول الجنوب يتطلب تكاملا اقتصاديا حقيقيا على أساس مبدأ رابح – رابح، وكذا تطوير بنية تحتية قوية، واستثمار في المهارات والخبرات، إلى جانب المشاركة الفعّالة في المحافل والمؤسسات الدولية وفق خطط إستراتيجية حقيقية وأجندات زمنية محددة

كشف رئيس الجمهورية في خطابة الأخير ،بأن الجزائر تتطلع لإنشاء مركز امتياز في مجال رصد وتثمين التجارب الناجحة للمؤسسات الناشئة المبتكرة، أين تكمن أهميته ياترى ؟

إن إنشاء مركز امتياز في مجال رصد وتثمين التجارب الناجحة للمؤسسات الناشئة المبتكرة يعتبر أمرًا ذا أهمية كبيرة للتنمية الاقتصادية، إذ يوفر المركز بيئة حيوية للتواصل وتبادل المعرفة بين المؤسسات الناشئة، مما يعزز التعاون بينها ويمكنها من تجنب تكرار الأخطاء واستفادة من التجارب الناجحة ،وذلك من خلال توفير دعم متخصص وتوجيه من ذوي الخبرة، يساهم المركز في تعزيز استدامة الأعمال وتقويتها، حيث يتيح للمؤسسات الوصول إلى أفضل الممارسات والاستشارة حول التحديات التي قد تواجهها، كما يقوم المركز بتحفيز التفاعل بين المشاركين، مما يؤدي إلى تعزيز التبادل الفعّال للأفكار والابتكار. وبفضل وجود بيئة تجريبية، يمكن للمؤسسات الناشئة تجربة نماذج أعمالها بدون مخاطر كبيرة، مما يعزز التجربة ويساهم في تطوير الحلول الملائمة. كما يسهم المركز أيضًا في تحفيز الابتكار من خلال تقديم مساحة للتفكير الإبداعي واستكشاف فرص جديدة.وعلى العموم يعد إنشاء مركز امتياز في هذا السياق خطوة حيوية لدعم وتعزيز نمو المؤسسات الناشئة وتحقيق التنمية الشاملة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

هل سيتأثر الاقتصاد الجزائري بانخفاض أسعار النفط؟

في ظل التركيبة والهيكلة الحالية للاقتصاد الجزائري فإن انخفاض أسعار النفط من المؤكد أن يكون لها تأثير على الاقتصاد الجزائري، خاصة أن القيمة والحجم الأكبر من مداخيل الجزائر متأتية من الجباية البترولية وعائدات النفط بالرغم من السعي الحثيث للدولة الجزائرية نحو الفك التدريجي لهذه التبعية البترولية من خلال محاولة تنويع مصادر الدخل وتنويع وتطوير الصادرات خارج المحروقات، إلا أن هذا المسعى وبالرغم من تسجيله لأرقام مشجعة بارتفاع الصادرات خارج المحروقات إلى أكثر من 7 مليار دولار نهاية سنة 2022، يتطلب الصبر والمزيد من الوقت للوصول إلى الهدف المنشود، وبالتالي فإنه في الأجل القصير يبقى الاقتصاد الوطني ذو حساسية شديدة تجاه أسعار النفط ، على الرغم أن الميزانية للعام الجاري تم اعتمادها على أساس 60 دولار للبرميل ،وهو ما يجعل الأسعار الحالية جد مقبولة وذات هامش أمان مريح ،خاصة أن كل المؤشرات تؤكد أن الأسعار ستبقى في المتوسط ضمن المجال 80 إلى 85 دولار للبرميل وهو مجال سعري يضمن التوازنات المالية للجزائر ويعتبر سعر عادل لدى منظمة الأوبك.

ماهي الآليات لتحسين العدالة المناخية؟

إن تحقيق العدالة المناخية يتطلب جهودًا متعددة الأوجه واعتماد آليات فعّالة، خاصة في ظل تفاقم تداعيات ظاهرة تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض من جهة وزيادة وتنامي دور الانبعاثات الكربونية لمختلف القطاعات الصناعية والطاقوية في تغير المناخ، وعليه فيجب الاعتماد على العديد من الآليات بضمان ما يعرف بالعدالة المناخية على غرار تكامل الأبعاد الاجتماعية والبيئية من خلال تعزيز فهم الارتباط الوثيق بين التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرات التغير المناخي، إلى جانب تكامل العدالة الاجتماعية في سياسات التخفيف والتكيف مع التغير المناخي. كما تشجع المشاركة الفعالة للمجتمع لجميع الفئات خاصة الفئات الضعيفة، في صنع القرار وتنفيذ السياسات المناخية.كما يمكن الحديث عن دور تعزيز الإنصاف في التكنولوجيا لضمان توزيع الفوائد والتكنولوجيا المتعلقة بالتكيف والتخفيف بشكل عادل بين الدول والمجتمعات. إذ يشكل تعزيز التمويل الدولي للدول النامية لمواجهة التحديات المناخية وتعزيز التكيف توجها هاما واستراتيجيا، إلى جانب التحفيز القانوني والتشريعات، حيث يجب العمل الصارم على تبني سياسات وقوانين تعكس الالتزام بالعدالة المناخية وتحقق التوازن البيئي. كما يمكن الحديث في هذا الإطار كذلك على أهمية تعزيز المساواة في التأثيرات والفرص، من خلال تحديد وتقليل التأثيرات السلبية للتغير المناخي على الفئات الأكثر ضعفًا اقتصاديًا واجتماعيًا.

حاوره : حكيم مالك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى