
بقلم احسن خلاص
على بعد أيام قليلة ندخل شهر سبتمبر بما يحمله من أجندات تتمحور حول تأهب الحكومة والمؤسسات والمجتمع المدني لإنجاح الدخول الاجتماعي. وبالمناسبة، لم يخل دخول اجتماعي في أي سنة من سنوات الاستقلال من مخاوف لدى الحكومة وكافة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين من صعوبة الظرف حتى في الفترات التي كانت الجزائر تتوفر فيها على إمكانات مالية هائلة تمكن السلطة من شراء السلم الاجتماعي.
كانت المخاوف خلال سنوات الألفين الأولى من أن تستأنف الحركة الاجتماعية المطلبية نشاطها خاصة في قطاعي التربية والصحة خلال كل دخول اجتماعي منتظر وغالبا ما كانت التحذيرات الجدية للخبراء والمحللين من دخول اجتماعي صعب لاسيما وأن مؤشرات التضخم وارتفاع الأسعار وازدياد المطالب واتساع دائرة الفقر والتهميش والبطالة وارتفاع عدد الشباب الذين يضطرهم ضيق الأفق إلى المغامرة بالهجرة السرية كانت كلها حمراء. كان هم الحكومات المتعاقبة ضمان دخول اجتماعي هادئ وهي العقبة المؤرقة التي إذا ما تم تجاوزها يمكن لهذه الحكومات أن تسير بقية العام بسلام وتتحكم إلى حد كبير في الاضطرابات الاجتماعية.
في سبتمبر من العام الماضي كان الدخول الاجتماعي انتقاليا بامتياز لاسيما وأن الحراك جعل المسألة السياسية تتقدم على المسائل الأخرى خاصة وأن الحكومة لم تكن تواجه ضغوطا اقتصادية واجتماعية من قبل الحركة الاجتماعية المطلبية انطلاقا من كونها لم تلتزم أصلا بشيء ولأن وضعها الانتقالي كحكومة تصريف أعمال محدودة في هامش المناورة جعلها غير قادرة على اتخاذ القرارات التي لا يمكن الالتزام بها بعد أن يأتي الرئيس الجديد في ديسمبر. لذا كان الدخول الاجتماعي العام الماضي خاليا من أي رهانات تتعلق بقطاعات النشاط الاقتصادي والاجتماعي كما جرت العادة في السنوات الأخيرة.
تُرى كيف سيكون الدخول الاجتماعي هذا العام؟ لابد أنه سيكون أكثر تعقيدا عما ألفته الحكومات السابقة وهناك من تحدث عن قنابل موقوتة ومن أنذر بانفجار كبير كما أن هناك من وضع الثقة الكاملة في الحكومة الحالية للمرور إلى بر الأمان بسلام. ويأتي هذا التعقد كما قد لا يخفى عن أحد من تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية منذ 2014 والطابع الانتقالي المتواصل للمرحلة على جميع الأصعدة. ويبدو أن حكومة جراد قد فتحت ملفات متعددة وطرحت إشكالات متشعبة في الوقت ذاته الذي لا ينتظر المواطن الذي قهرته الأزمة الصحية إلا حلولا ترقيعية آنية ولا ينظر إلى هذه الحكومة بعين الرضى إلا من نافذة قدرتها على إيجاد حلول عاجلة لمشكلاته اليومية المتراكمة والعجز الذي تعرفه الإدارة في التعامل بإيجابية مع هذه المشكلات.
يبدو أن الحكومة اكتشفت أن طموحاتها المعلنة وغير المعلنة لا يمكن أن تنسجم مع الواقع المؤسساتي الموروث فالنظام الذي هو تراكم ممارسات لعقود من الزمن ليس إلا تلك الماكنة الثقيلة التي تقف طبيعيا أمام جميع النوايا الحسنة وكل إرادة للتغيير. فلا يمكن إذا أن تستنفر أي حكومة مهما كانت طموحاتها وكفاءتها وقدرتها على تصور الحلول أجهزة هامدة مبنية على ذهنية الريع مترعرعة في مستنقع الفساد لتنجح أي مساعي للانطلاق في علاج المشكلات المستعجلة فضلا عن فتح الملفات الكبرى مثل الملف الاقتصادي بتطبيق توصيات ندوة الانعاش الاقتصادي أو الملف السياسي بتقديم المراجعة الدستورية الجديد للاستفتاء العام.
ومع ذلك يظل رهان الحكومة حاليا هو الحرص على إنجاح العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية والتعايش بوقاية وحذر مع وباء كورونا بعد تجاوز حالة الخوف نفسيا ونشوء ذكاء اجتماعي في التعامل مع الفيروس وهو ما جعل السلطة تتجرأ على فتح مجالات نشاط وخدمات متعددة كانت مطلبا ملحا لقطاعات واسعة من المتعاملين الذي طالبوا بأفضلية الموت بالكورونا على الموت جوعا. ستسعى الحكومة التي اشتكت من “مؤامرات” من قبل أطراف مجهولة وفتحت تحقيقات حول غياب السيولة النقدية في مراكز البريد والانقطاعات المتكررة للمياة والكهرباء وكذا النيران الكثيفة التي عرفتها فترة الصيف، ستسعى إلى بث خطاب التفاؤل والتهدئة تجاه مواطن لم يعد يثق في الخطابات والوعود التي لا يمكن أن تنجز ليس فقط لعدم توفر الإرادة السياسية بل لعوامل موضوعية مرتبطة بالوهن الذي أصاب مؤسسات الدولة.
لابد أن الحكومة ستجتهد في سبيل توفير ظروف أفضل للدخول المدرسي والجامعي وأنها ستزف أخبارا سارة بتواجد كميات معتبرة من اللقاح ضد فيروس كورونا تكون قد استوردتها من روسيا وهو الخبر الذي سيبث الطمأنينة في النفوس، ستجتهد للتبشير بغد أفضل وتوفر إمكانات باطنية تمكن الجزائر من الإقلاع بقوة وإنهاء حالة الجمود التي تعيش فيها اليوم. سينطق لسان الحكومة بخطاب التبشير وإظهار القدرة إلى اتخاذ القرارات الجريئة لكن عينها ستكون موجهة إلى “المتآمرين” هنا وهناك ممن وصفهم الرئيس تبون بمعسكر الثورة المضادة الذي تتأهب السلطة لمواجهته، وقد يدخل قرار تمرير الدستور الجديد على الاستفتاء العام بمناسبة عيد الثورة في خانة الحرب الاستباقية ضد القوى المحافظة داخل النظام ذاته بوجهة نظر السلطة الحالية قبل أن تكون حربا ضد المعارضة المؤسساتية التي تعيش أطرها مثل البرلمان والمجالس المحلية حالة ركود وخمول وهي تنتظر تجديدها مع بداية العام المقبل.
يبدو أن التطورات ستكون متسارعة هذه المرة ومكثفة انطلاقا من تزامن الدخول الاجتماعي المضطرب بسبب التراكمات التي خلفها الوباء مع الدخول السياسي بتحقيق مراجعة دستورية كبيرة كما وعدت بها السلطة ومع الدخول الديني بافتتاح مسجد الجزائر الأعظم.
تعليق واحد