لماذا نكتب في هذه الذكرى، بعد مرور إحدى وعشرين عاماً على اغتيال الوزير الصهيوني رحبعام زئيفي؟لعل الكثير قيل وكتب خلال السنوات الماضية عن هذه المناسبة، ولكن من الضرورة بمكان أن تُظّهر هذه العملية النوعية والبطولية كل عام من أجل *استلهام دروسها البطولية، والاثبات للشباب من أبناء شعبنا أن للمجد قمة ” لا تُعلى إلا بالنضال والتضحية والفداء في مواجهة الاحتلال*، ثم أنها *درساً تاريخياً للأجيال* كي لا تنسى جرائم الاحتلال بحق شعبنا وقادتنا على مدار عقود النضال الفلسطيني، وضرورة أن نكون نداً لعدّونا في ميادين القتال تنفيذاً لمقولة غسان كنفاني ” لا تمت قبل أن تكون نداً” ومقولة رفيقنا الأمين العام أحمد سعدات.. “العين بالعين والسن بالسن والرأس بالرأس” وليس كل الرؤوس سواءٌ، فلقد مَثلّت هاتين المقولتين الثوريتين *الإطار المرجعي الثقافي والفكري والإنساني للرجال التي خططت ونفذت وهيأت لسلسلة من العمليات التي نجح بعضها بقليلٍ من الإمكانيات والكثير من الإرادة والعزم والتصميم والإيمان بعدالة قضايانا والثقة بالنفس، وأثبتت بأننا ندٌ على عدونا*.
*الدرس الأهم* هنا والذي يُعتبر درساً مهماً علنيا أن ندركه جيداً هو *ضعف أو مكامن الضعف للاستخبارات والمخابرات الصهيونية* التي يمكن كشفها من خلال تنفيذ هذه العملية النوعية، وإمكانية الانتصار في *معركة العقول* ضد المخابرات، وأن تفوق المخابرات الصهيونية، ومعرفتها وعلمها بكل شيء *ما هي إلا أسطورة* تقيد العديد من العقول، وتجعلنا أقرب للاستسلام ذهنياً أمام عقدة تفوق العدو أو مخابراته والذي *يبني أسطورته على استسلامنا لهذه الأسطورة الخرافية*.
لقد أثبت شعبنا، ومقاتليه ومقاوميه على مدار عقود على *إمكانية تحطيم الأسطورة الاستخبارية بعملياتهم النوعية الجريئة*، وفي زنازين التحقيق هنالك حيث يكتشف المتأني، المتخارج ذهنياً لعقدة التفوق الصهيوني، *أن جهاز الشاباك أعمى، بل ويعاني من الكثير من الخلل في أدائه*، وهو ما أثبتته مثلاً معركة سيف القدس، والعمليات خلال العام الحالي. *الجهاز أعمى ولا يمتلك المعلومة، ولا يمكنه أن يحصل عليها طالما لا نريد نحن أن نقدمها*. فهذا الجهاز يحصل على المعلومات التي هي العمود الفقري لأي نظرية أمنية ولأي جهاز أمني وخاصةً الشاباك. والتي يحصل عليها من عدد من المصادر، ويبني عليها نظريته الأمنية التي يجابهنا بها، ويردعنا بها وتقوم على:
1. التمكن من ثقافتنا وعاداتنا، وعكسها واستغلالها في محاربة عقولنا كحرص ضباط الشاباك على الإطلاع على الدين والثقافة والعادات والسلوكيات والأمثال واستخدامها كإطار مرجعي ثقافي لشعبنا يتلاعب به وبالعقول.
2. متابعة وسائل الإعلام، والاشاعات، وتبويب المعلومات العامة داخل أي مجتمع، واستخدامها.
3. الحصول على المعلومات القليلة من أعوانه.
4. استخدام الوسائل الالكترونية ووسائل المراقبة والتجسس والاختراق…الخ.
5. أن أكبر مصدر للمعلومات يعمد إليه جهاز المخابرات الصهيوني هو *الحوار والحديث والثرثرة*، التي يستخلص منها المعلومات، والتي هي مصدر تفوق جهاز المخابرات الصهيوني. فهذا الجهاز يحتاج للمعلومة لينجح، والمعلومات ليست أسرار أو معرفة، بل هي المعلومات الاجتماعية، والقيمية، والإنسانية والحياتية اليومية الإنسانية التي تتعلق بالسلوك والعادات، ومن تعرف وكيف تعرف، ومن تحب…الخ، كتلك التي تردد بكثرة على وسائل التواصل، لنلاحظ أن للاحتلال أكثر من 100 صفحة وموقع وبوابة تواصل مكشوفة لضباط المخابرات، وغيرها ممن لا نعرفها ويديرها الشاباك والجيش والأجهزة الأخرى. يضاف لها تعمد ضباط الشاباك اللقاءات والحوارات الشخصية والمقابلات التي يتم تقديم الكثير من خلالها المعلومات عن أنفسنا وعن الآخرين من خلال الثرثرة.. وتشير الأدبيات الأمنية الصهيونية للتحقيق إلى أنه ينقسم إلى شقين أو منظومتين أو تعريفين:
الأولى/ investigation وتعني استجواب بعد عملية.
الثانية/ interrogation، وهو للحصول على المعلومات أو جمعها قبل أي عملية أو في الظروف الطبيعية.
ويعتبر التحقيق الأداة الأكثر أهمية بالنسبة للمخابرات الصهيونية للحصول على المعلومة، والتي تتنوع مصادرها كما ذكرنا ذلك:
1. يومية مباشرة، من أفراد متعاونين، أو عملاء، أو ممن يتبرعون بإعطاء المعلومات.
2. جمع معلومات دوري – تصوير أقمار صناعية، طائرات بدون طيار، أجهزة رصد ومتابعة، من أجهزة الكترونية…الخ.
3. المتابعة: تتبع وسائل الاتصال، وهذا تطور بشكل فائق بعد تطور الأجهزة الذكية ووسائل التواصل.
4. مصادر معلومات مكشوفة كوسائل الإعلام، والثرثرة…الخ.
بهذا المعنى فإن التخطيط والتنظيم، والإدارة اللوجستية، والتنفيذ الناجح والانسحاب، والاستمرارية لأشهر هو *نجاح بتثبيت اختراق المنظومة الأمنية وفشلها أمام التحدي والإرادة التي مَثلّتها عملية اغتيال زئيفي في السابع عشر من أكتوبر*.
منذر خلف مفلح