أقلام

السمعي البصري …اختلالات تميع الأداء

بقلم د.محمد مرواني /أستاذ جامعي وكاتب صحفي

 

تصطدم للأسف تجرية السمعي البصري في الجزائر بتناقضات خطيرة تبعاتها على المشهد الإعلامي خطيرة فمن جهة هناك توجه لدعم التعددية الإعلامية في البلد في هذا الحقل بالذات ومن جهة هناك تقصير واضح في عمليات التأطير والمتابعة ولا أقول”الرقابة ” التي أراها ذاتية في المقام الأول حين يتعلق الأمر بالصحافة مع وجود سلطات ضبط ومجالس مهنية ممثلة ومهنية تؤطر العمل الإعلامي وتحافظ على أخلاقيات “المهنة ” ما يحدث من “تهريج وابتذال ” في العديد من البرامج التلفزيونية أمر خطير للغاية خاصة مع غياب أي طرح إعلامي متكامل يجعل من القنوات التلفزيونية أكثر اقترابا من الخصوصية المحلية والتزاما بالسياق الاجتماعي والأعراف المهنية ،وتقاليد المجتمع الأكثر حضورا في الوجدان والرصيد القيمي الجمعي وأن تتحول بلاتوهات إلى أماكن لتسويق “التسفيه ” و” التهريج ” و ” التسطيح ” فهذا يسيء للتجرية الإعلامية بالبلد أكثر ويجعل من مستقبلها غامضا مع ضعف الأداء والأخطر تدمير منظومة القيم في الأسر والمجتمع.

إن أول من يعانيه قطاع السمعي البصري في البلاد منذ بداية التجربة منذ ثماني سنوات على الأقل حالة “الفوضى ” التي تتعايش معها العديد من القنوات الموجودة وهي تشتغل خارج الإطار القانوني المحلي ولا نجد لحد الآن تشريعات قانونية واضحة تحدد الأعباء ودفتر الشروط وتؤطر نشاط الفاعلين المهنيين وحتى المنتجين من شركات إنتاج خاصة تتعامل مع القنوات في إطار الإنتاج التلفزيوني وأجهزة الرقابة المهنية لا يعلم عنها حتى المهنيون الكثير وهذا جزء هام من الأزمة الموجودة في قنوات السمعي البصري النشطة لحد الآن رغم وجود بعض المؤشرات الجيدة لدى بعضها من حيث نوعية ما يقدم من “برامج تلفزيونية ” وبروز كفاءات إعلامية شابة على الواجهة تحتاج لدعم ومرافقة ومن جهة أخرى مشاكل أخرى تتخبط فيها هذه القنوات تجعلها في وضعية إنتاج عشوائي لكل من يراد منه دون تعميم في السياق تغطية مساحات واسعة من الباقة البرامجية ومن هذه المشاكل نقص الإمكانيات المادية والتجهيزات الكافية للإنتاج التلفزيوني النوعي الذي يتطلب “ميزانية مالية ” قائمة بذاتها على غرار الموجود في سائر دول العالم ولا نذهب بعيدا فالتجربة المصرية في هذا المجال مرتكز هام لمعرفة كيف يتم إنتاج الأعمال التلفزيونية وعلى أي أساس خاصة وإن علمنا أن هناك مدينة بأكملها “للإنتاج الإعلامي ” ومن المعضلات الأخرى التي ترافق تجربة السمعي البصري في البلاد الظروف المهنية الصعبة التي يتواجد فيها قطاع معتبر من الصحفيين الذين لا نعلم كيف يتم توظيفهم وعلى أي أساس وكيف هي العلاقات التعاقدية والقوانين المنظمة لذا الملف السوسيو مهني فالعديد من الممارسين في قنوات تلفزيونية حتى منهم المتعاونون المراسلون لا يعلم القريب من الوسط المهني لديهم ظروف العمل المتاحة أمامهم والأجور والتأمين وبعض المسائل التنظيمية وهذا يؤثر بالفعل  على مردوية القطاع خاصة وأن مؤشرات التنظيم لديه تغيب لحد الآن بالمستوى المطلوب وهذا لا يتم التركيز عليه حتى في سياق النقاش الذي يخص الموضوع وطنيا .

المسألة الثانية الأكثر أهمية هي التي تتعلق بشروط ممارسة العمل الإعلامي في القنوات التلفزيونية وهل يمكن قبول من هب  ودب ليخاطب الجزائريين ساعة دون أن يحيل مضمونه إلى مهنية في الأداء والممارسة وكفاءة يجب أن تطلب في إدارة هذا النوع من البرامج الاعلامية التي تعتمد كثيرا على ما يملك “المذيع ” من رصيد وخبرات ومعارف في المهنة الإعلامية ثم في ما يعرضه من مواضيع لاتعالج بارتجالية ولا عشوائية واختيار “المذيعين ” أعتقد أنه لا يتم بالكيفية المطلوبة ،ونادرا ما نجد كفاءات شابة على الواجهة وحتى الوجه التلفزيوني الجديد يحتاج كما هو سائد في أعراف الممارسة لتجربة مهنية ومرافقة وتأطير من متخصصين لصناعة مشروع “إعلامي ” متميز على الشاشة بدل الاشتغال على صناعة نجوم شباب دون رصيد ،وهذه ظاهرة انتشرت في قنواتنا كثيرا إذ تجد أننا أمام مشهد من الممارسين الذين يرتجلون في سن الشباب “إعلاما ” لا يمكن أن يضيف لرصيدهم شيئا وللجمهور أي إضافة وهذا يضعف كما أشرت من نجاح التجربة الإعلامية في السمعي البصري في الجزائر كثيرا خاصة على مستوى صناعة الكفاءات الإعلامية التي يتاح لها وفق هذا المنظور التكوين وصقل الخبرات دون القفز على المراحل من أجل الظهور على الشاشات فقط التي لا تصنع إعلاميين .

 

سلطة الضبط السمعي البصري أعتقد أنها كهيئة رسمية يقع على عاتقها متابعة ما يبث على القنوات التلفزيونية وهذا جزء من المهمة فقط لا يمكن لوحدها أن تشتغل على جبهات في هذا الموضوع بالذات الذي يتطلب في اعتقادي وبإلحاح فتح “نقاش وطني مهني ” بين المتخصصين والأكاديميين لأخلقة قطاع السمعي البصري في البلاد ” ،وجعله أكثر احترافية ومهنية ،وهذا بتحديد مكامن الخلل الموجود  على مستوى التشريعات القانونية والممارسات المهنية والبيئة الإعلامية في علاقتها مع التغيرات الاجتماعية والثقافية والإعلامية التي تشهدها البلاد وهذا النقاش الذي تأخر  كثيرا في اعتقادي يمكن أن ترعاه الحكومة إذ لا يمكن التفرج على ما يقع من انحرافات خطيرة في هذا التجربة والسكوت على حالة فوضى تتسع وكان الأمر يحتاج فقط لتعديلات طفيفة على القوانين ،وتحديد بعض المسائل التنظيمية ،والمهنية في القطاع بل إن الأمر أعمق من هذا بكثير فأنت أمام منابر إعلامية تشكل جزء  هاما من مشهد الإعلام في البلاد ويراها من الداخل والخارج ولا يمكن ترك الكثير منها يمارس بلا عنوان ورؤية ودون خطاب يحافظ على توازنات هامة إعلاميا “الكفاءة الإعلامية , المصداقية ’ الالتزام بالمواثيق الأخلاقية , خطاب إعلامي يعبر عن ثقافة التعدد دون تمييع وانحراف ..”

وعليه فإن دور الأكاديميين من أساتذة الإعلام والاتصال والفاعلين في مجال السمعي البصري هام للغاية في تأطير هذا النقاش المهني الوطني وتحديد الأولويات فيه إذ يبقى التلفزيون أكثر الوسائل حضورا في مشهدنا الإعلامي وميول قطاع معتبرا من الجزائريين لمتابعة برامج في قنوات خاصة يكشف أهمية هذا المشهد الإعلامي الذي يتشكل بتجربة عمل فتية مازال جني ثمارها والحكم عليها يحتاج لوقت خاصة وأنها تجربة في اعتقادي لم يمهد لها كما يجب ولم يحضر لها برؤية استراتجية لدواع  عديدة فالقرار كان سياسيا في ظل سياقات يعلم العام والخاص في أي طار تحرك فيه التوجه وكيف كانت المنظومة الإعلامية مسيسة ومازالت في حاجة لخروج من مفهوم الوصاية وتحريرا للمبادرات واستثمارا في الكفاءات المهنية القادرة على الإقناع والحفاظ على نبل المهنة ،ورسالتها الراقية فالإعلام علم يطلب ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى