أقلام

الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للأحوال الشخصية للمسلمين في البلدان

العربية (الجزء الأول)

تتفق كل الدول العربية -دستوريا أو قانونيا، حرفيا أو ضمنيا- على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا وأساسيا لقانون الأحوال الشخصية أو قانون الأسرة الذي يضم أيضا أحكام الميراث وذلك لكافة المواطنين المسلمين.

  • الأحوال الشخصية في الدساتير العربية

 نصّت ستة دساتير عربية على مصدرية الشريعة الإسلامية فيما يخص الأحوال الشخصية وأحكام الميراث، أو ما يعرف بقوانين الأسرة، هي دساتير: البحرين والكويت وموريتانيا وعُمان وقطر واليمن. نُذّكر أن هذه الدساتير نصّت أيضا على مبدأ الشريعة الإسلامية مصدر التشريع، مما يعني أن هذه الأحكام جاءت للتأكيد على ضرورة الرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية فيما يخص الأحوال الشخصية بما فيها أحكام الميراث، والتي تكتسي أهمية خاصة في حياة الأفراد والمجتمعات الإسلامية.

سبعة دساتير نصّت -بصيغ مختلفة- على احترام الشرائع الدينية للأحوال الشخصية حسب الأديان والطوائف المنتشرة في البلد المعني، وهي دساتير مصر والعراق والأردن ولبنان وفلسطين والسودان وسوريا. كل هذه البلدان تضم أقليات دينية مسيحية، بخلاف لبنان الذي يحتوي على ديانتين كبيرتين هما الإسلام والمسيحية تضمان بدورهما طوائف دينية عديدة معترف بها رسميا عددها 18 طائفة. ينص دستور جيبوتي على أن “تنظيم الأسرة ونظام المواريث من اختصاص القانون” دون التأكيد على مصدرية الشريعة الإسلامية، التي نجد أثرها في قانون الأسرة الجيبوتي، كما سنرى لاحقا.

باقي الدساتير العربية الثمانية لم تنص على مصدرية الشريعة الإسلامية فيما يخص الأحوال الشخصية وأحكام المواريث وهي دساتير: الجزائر والمغرب وتونس وهذه الدساتير المغاربية لم تنص أصلا على مبدأ الشريعة الإسلامية مصدر التشريع؛ ودستور السعودية الذي يُحرّم مبدئيا التشريع، حيث يعتمد على الشريعة الإسلامية مباشرة دون تقنين الأحوال الشخصية للسعوديين بنص وطني؛ ودساتير جزر القمر وليبيا والصومال، وأخيرا الإمارات. مع الإشارة أن هذه الدساتير الأخيرة نصت بصيغ مختلفة على حكم “الشريعة الإسلامية مصدر التشريع”، ويعتبر ذلك كافيا دستوريا للرجوع إلى الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالأحوال الشخصية وأحكام الميراث.

  • الأحوال الشخصية في قوانين الأسرة العربية

بخلاف السعودية، أصدرت كل الدول العربية قوانين الأسرة أو ما يصطلح عليه بالأحوال الشخصية استنادا إلى الشريعة الإسلامية. بعض القوانين ترجح مذهبا فقهيا على الآخر، والبعض منها تساوي بين مذهبين فقهيين حسب التركيبة الدينية للسكان، وقوانين أخرى تستند للشريعة الإسلامية بالاعتماد على المذاهب الفقهية السنية الأربعة، فيما سكتت قوانين أخرى عن ذكر أي مذهب فقهي.

ينص قانون الأسرة الجزائري في مادته 222 على: “كل ما لم يرد النص عليه في هذا القانون يرجع فيه إلى أحكام الشريعة الإسلامية”. من المعروف أن الجزائر تنتمي إلى الفضاء السني بمذهبه الفقهي المالكي، مع أقلية إباضية، وهو ما أخذ به المُشرع الجزائري في إعداد أحكام قانون الأسرة، تاركا الحرية للقاضي في ترجيح أي مذهب فقهي في حالة غياب أي حكم في النص القانوني. قانون الأسرة البحريني ينص في مادته الثالثة على “فيما لم يرد بشأنه نص في هذا القانون، يحكم القاضي بالنسبة لمن يطبق عليهم الفقه السني بالمشهور في المذهب المالكي، فإن لم يوجد أخذ بغيره من المذاهب الأربعة في الفقه السني، ويَحكم بالمشهور في الفقه الجعفري بشأن من يطبق عليهم الفقه الجعفري، وإذا تعذر ذلك حكم القاضي بالنصوص والقواعد الفقهية العامة في الشريعة الإسلامية لأسباب يبينها في حكمه”. من البديهي أن المُشرع البحريني أخذ بعين الاعتبار التركيبة الدينية للشعب البحريني الذي يُدين بالإسلام بمذهبيه السني والشيعي، ومن المعروف أن المذهب الفقهي الأكثر انتشارا عند السنيين هو المالكي، في حين أنّ المذهب الأكثر رواجا عند الشيعيين هو الجعفري.

يقر قانون الأسرة القمري في مادته 17 “أن الزواج يتم برضا الطرفين حسب ما تمليه أحكام الفقه”، دون تحديد ماهية هذه الأحكام، ولا المذهب الراجح في حالة غياب حكم في النص القانوني. للإشارة، فإن المذهب الفقهي الراجح في جزر القمر هو المذهب الشافعي الذي أكّده الدستور في تعديله الأخير (2018)، وذاك ما ذهب إليه أيضا القانون المتضمن التنظيم العام للممارسة الدينية بجزر القمر، حيث أكّد في مادته الأولى أن “المذهب الفقهي الشافعي لأهل السنة والجماعة هو المرجع الديني الرسمي بجزر القمر”.أما قانون الأسرة الجيبوتيفيستنتج من قراءة أحكامه أن المُشرع أخذ بأحكام الشريعة الإسلامية في إعداده دون ترجيح مذهب فقهي على آخر. تنص المادة 7 من ذات القانون على شروط الزواج والمتمثلة برضا الطرفين، ورضا ولي المرأة، وحضور شاهدين شريفين، وتحديد المهر، ويبرم الزواج أمام المأذون الشرعي. نشير أن للمسلمين محاكم خاصة بهم فيما يخص الأحوال الشخصية، بينما تختص محاكم مدنية بالأحوال الشخصية لغير المسلمين.

القانون المصري رقم 1 لسنة 2000 الخاص بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال   هو الآخر في مادته 3 على أنّه”تصدر الأحكام طبقا لقوانين الأحوال الشخصية والوقف المعمول بها، ويعمل فيما لم يرد بشأنه نص في تلك القوانين، بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبى حنيفة”. نشير أن القانون المصري، وطبقا للدستور، يُفرق بين أحكام الأحوال الشخصية المطبقة على المسلمين وتلك المطبقة على الأقباط، لكن يعتمد نفس المحاكم المدنية لمعالجة القضايا في حالة النزاع. الدستور العراقي الحالي نص على أن “العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب ديانتهم أو مذهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون. لكن طال صدور هذا الأخير قصدتعويض قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 بسبب الصراع الفقهي بين المذهب السني والجعفري، وقد نص هذا القانون في مادته الأولى: “أنه في حالة غياب نص تشريعي يمكن تطبيقه، فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمة لنصوص هذا القانون. كما تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي أقرّها القضاء والفقه الإسلامي في العراق وفي البلاد الإسلامية التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية”. تجدر الإشارة إلى أن الدستور العراقي الملكي نص على تأسيس محاكم دينية منها محاكم شرعية تختص في الأحوال الشخصية للمسلمين حسب مذاهبهم، ومنها مجالس روحانية موسوية ومسيحية تختص بالأحوال الشخصية للمسيحيين واليهود.

يضع قانون الأحوال الشخصية الأردني قاعدة تفسيرية وأخرى تطبيقية أمام قاضي المحاكم الشرعية. جاء في المادة 323 من ذات القانون: “يُرجع في فهم نصوص مواد هذا القانون وتفسيرها وتأويلها ودلالتها إلى أصول الفقه الإسلامي”، وتؤكد المادة 324 هذا المنحى إذ تنص على أنّه: “تطبق نصوص هذا القانون على جميع المسائل التي تناولها في لفظها أو في فحواها ويُرجع في تفسيرها واستكمال أحكامها إلى المذهب الذي استمدت منه”. ومن الواضح أن أصول الفقه الإسلامي يعني به الفقه السني بمدارسه الأربعة، بينما يُرجح المشرع الأردني المذهب الحنفي في حالة الفراغ القانوني في مسائل الأحوال الشخصية، وذاك ما يتجلّى من قراءة المادة 325 من قانون الأحوال الشخصية التي تنص على: “ما لا ذكر له في هذا القانون، يرجع فيه إلى الراجح من مذهب أبي حنيفة، فإذا لم يوجد حكمت المحكمة بأحكام الفقه الإسلامي الأكثر موافقة لنصوص هذا القانون”. يشير قانون الأحوال الشخصية الكويتي، في مادته 343: “كل ما لم يرد له حكم في هذا القانون يرجع فيه إلى المشهور في مذهب الإمام مالك، فإن لم يوجد المشهور طبق غيره، فإن لم يوجد حكما أصلا، طُبقت المبادئ العامة في المذهب”. هذا يعني أن أحكام هذا القانون مستمدة من المذهب الفقهي السني المالكي، كما يأخذ القاضي ببقية المذاهب الفقهية السنية الأخرى في حالة غياب نص صريح. تقر المادة346 من ذات القانون أنّه “يُطبق هذا القانون على من كان يُطبق عليهم مذهب مالك، وفيما عدا ذلك، فيطبق عليهم أحكامهم الخاصة بهم؛ أما إذا كان أطراف النزاع من غير المسلمين وكانوا مختلفين دينا ومذهبا، سرت عليهم أحكام هذا القانون”. يعني أنّ هذا الأخير يولي عناية للمذاهب غير السنية، كالمذهب الشيعي-الجعفري.

في الجزء الثاني نتطرق إلى قوانين باقي البلدان العربية مع خلاصة عامة.

ملاحظة: المقال مقتبس من مشروع كتاب حول “الظاهرة الدينية في الدساتير العربية” قد يصدر في نهاية السنة. 

محمد سعيد بوسعدية: باحث حر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى