أقلام

الشريعة الإسلامية مصدر بعض القوانين الجنائية في البلدان العربية

إذا كانت الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي والرئيسي لقوانين الأحوال الشخصية للمسلمين بالبلاد العربية، فإنّ الأمر مختلف فيما يخص القوانين الوطنية الجنائية. فحتى البلدان العربية الستة عشرة التي نصّت دساتيرها على مبدأ “الشريعة الإسلامية مصدر التشريع” تجنبت في أغلبها تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فيما يخص الحدودوالعقوبات جملة.

 

بادئ ذي بدء، نشير أن معظم الدساتير العربية تحاشت الإقرار على مصدرية الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالقوانين الجنائية. ثلاثة دساتير عربية فقط، تطرقت للموضوع، أولها الدستور السعودي أو ما يسمى بالقانون الأساسي الصادر في سنة 1992، الذي نص في المادة 38 على: “العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلاّ بناء على نص شرعي أو نص نظامي”، ومثله فعل الدستور اليمني الصادر في سنة 1990 الذي أضاف النص القانوني إلى جانب النص الشرعي حيث جاء في المادة 47: “المسؤولية الجنائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلّا بناء على نص شرعي أو قانوني، وكل متهم برئ حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات، ولا يجوز سن قانون يعاقب على أي أفعال بأثر رجعي لصدوره”. فيما نص الدستور السوداني الانتقالي الصادر في سنة 2005 في المادة 36 الفقرة الأولى على: “لا يجوز توقيع عقوبة الإعدام إلا قصاصا أو حدا أو جزاء على الجرائم بالغة الخطورة بموجب القانون”.

زيادة على المملكة العربية السعودية التي تعتمد في أحكامها القضائية الجزائية مباشرة على قواعد الشريعة الإسلامية دون تقنينها، خمسة بلدان عربية اعتمدت على أحكام الشريعة الإسلامية فيما يخص قوانينها الوطنية الجزائية، وهي الجمهورية الموريتانية الإسلامية وإمارة قطر وجمهورية السودان والإمارات العربية المتحدة وجمهورية اليمن. يفتتح القانون الجنائي الموريتاني رقم 16283 المؤرخ في 9 يوليو 1983 بآية قرآنية هي: “فَلاَ وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما” (الآية 65 من سورة النساء). تنص المادة الأولى على تقسيم الجرائم إلى ثلاثة أنواع وهي: جرائم تعزير، وجرائم حدود، وجرائم قصاص أو دية. ينص قانون العقوبات القطري رقم 11 الصادر في سنة 2004في مادته الأولى: “تسري أحكام الشريعة الإسلامية في شأن الجرائم الآتية، إذا كان المتهم أو المجني عليه مسلما: جرائم الحدود المتعلقة بالسرقة والحرابة والزنا والقذف وشرب الخمر والردّة؛ وكذا جرائم القصاص والدية”. كذلك فعل قانون العقوبات الإماراتي رقم 3 الصادر في سنة 1987حيث جاء في مادته الأولى على: “تسري في شأن جرائم الحدود والقصاص والدیة أحكام الشریعة الإسلامیة”. أماقانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم 12 المؤرخ في سنة 1994،فيقسم الجرائم إلى تلك المعاقب عليها بالحدود والقصاص، وتلك التي يعزر عليها. وجاء في المادة 13 من ذات القانون أن: “الجرائم التي يجب فيها الحد هي ما بيّن عقوبتها نص شرعي، وكانت حقا لله تعالى خالصا أو مشوبا، ويُعبّر عنها بالحدود، وهي سبع: البغي والردّة والحرابة والسرقة والزنا والقذف والشرب”.

مما سبق، يظهر أنّ أغلب القوانين العربية الجنائية اعتمدت على مصادر حداثية سواء الفرنسية أو البريطانية لتحديد الجرائم وتكييفها وإقرار عقوباتها رغم أن أغلب الدساتير العربية تنص على مصدرية الشريعة الإسلامية للقوانين الوطنية. كما نشير أن أغلب أحكام هذه القوانين الجنائية تبقى نظرية وقلما تجد طريقها إلى التطبيق.

ملاحظة: المقال مقتبس من مشروع كتاب حول “الظاهرة الدينية في الدساتير العربية” قد يصدر في نهاية السنة. 

محمد سعيد بوسعدية: باحث حر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى