أقلام

الصراع بين روسيا والغرب، فأين بقية العالم؟

احسن خلاص
بالرغم من أن انعكاساتها لن تستثني أيا من دول العالم إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية تبدو وأن التفاعل السياسي والديبلوماسي معها لم يتجاوز نطاق البلدان التي يضمها الحلف الأطلسي بينما ركن باقي البلدان في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية إلى الترقب في صمت رهيب وكأن الأمر شأن أورو-أمريكي داخلي وليس شأنا عالميا مثل ما يظهره الخبراء في الاستراتيجيا من كل مكان. ومن بين ما يظهر احتشام تدخل وتفاعل باقي العالم مع الأزمة الأوكرانية أن بلدانا مثل الصين والهند والإمارات العربية المتحدة لم تجد من موقف تقفه إلا الامتناع عن التصويت على لائحة اقترحتها الدول الأوربية على مجلس الأمن لمطالبة روسيا بتوقيف القتال في أوكرانيا وانسحاب قواتها من هناك.
ولعل ما دفع الدول الغربية الدائمة في مجلس الأمن إلى طرح اللائحة على التصويت مع علمها بعقبة الفيتو الروسي هو جس نبض الصين والبلدان الأخرى لمعرفة مدى اهتمام العالم بالنزاع فكان الرد بتفضيل الموقف المحايد السلبي الذي يتقاسمه معظم دول العالم لاسيما الدول الصغيرة التي فضل بعضها الوقوف موقف المتفرج وفي أحسن الأحوال موقف المترقب المنتظر لنهاية المطاف.
ومن المفيد اليوم محاولة فهم موقف الدول المنضوية في معسكر عدم الانحياز، والبحث عن أسبابه قبل محاولة استشراف انعكاساته عليها على المديين المتوسط والطويل في ظل تشابك العوامل الأمنية والعسكرية والاقتصادية أكثر من أي وقت سابق. ومن المؤكد أن دول ما يسمى العالم الثالث الناشئة منها والنامية تدرك تماما وقع الصراع الدائر بين الشرق والغرب على ساحة أوروبا الشرقية على مستقبل الأمن والتعاون الاقتصادي في العالم وانعكاساته على المدى القريب على خارطة النفوذ في ظل عودة واضحة إلى عهد الحرب الباردة وامتداد آفاق هذا الصراع نحو بلورة نظام دولي جديد يعيد النظر في التوازنات القائمة منذ عام 1989.
تدرك جميع الدول المحيطة بالصراع هذه المعطيات دون معرفة استشرافية دقيقة لمآلات هذا الصراع بالرغم من أنها تعلم يقينا أن انعكاساته السلبية قد تتغلب على إيجابياته كونها لا تملك اقتصاديات بديلة ولا سياسات دفاعية متينة وقد تدعى في أحسن الأحوال إلى نسخة ثانية لمؤتمر باندونغ دون أن تكون لديها هذه المرة المقومات التي كانت سائدة في الخمسينات من القرن الماضي ودون أن تتوفر لها الظروف والمناخات الملائمة للعب الأدوار التي كانت تلعبها حركة عدم الانحياز خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
هكذا إذن تتصرف الدول النامية والناشئة، إذا ما استثنينا تركيا التي هي عضو في الحلف الأطلسي، وكأنها غير معنية بالصراع بالرغم من إدراكها أنها معنية بنتائجه. تتصرف وكأنها واعية تماما بمكانتها ودورها الحقيقي كدول غير منحازة بشكل طبيعي، حتى لا أحد منها استشير في أمر هذا الصراع بل إن المحاولات الديبلوماسية لتفادي الحلول العسكرية ظلت على نطاق ضيق بين روسيا والطرف الآخر المتكون من الحلف الأطلسي وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ولم يحاول أحد من الأطراف أن يشهد أطرافا أخرى في الحوار بما فيها دول ذات ثقل كبير مثل الصين واليابان والهند والبرازيل.
ولا شك أن تأثير هذا الصراع المرشح للاستمرار طويلا يختلف من بلد إلى آخر، باختلاف طبيعة الاقتصاد والموقع الجغرافي لأي بلد وطبيعة العلاقات القائمة سياسيا واقتصاديا بين هذا البلد أو ذاك وبين الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا، كل هذه العوامل لم تدفع هذه الدول لتحرك ساكنا فما عدا موقف النظام السوري لم نعثر على إدانة ولا عن تأييد للتدخل العسكري الروسي ولا حتى عن دعوة لضبط النفس وتغليب الحوار، بعض هذه الدول يتخذ لموقفه ذريعة الالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وبعضها الآخر لا يريد التسرع لإبداء موقف ولو من قبيل الحياد الإيجابي في نزاع لا يزال في بدايته ولم يظهر بعد معالم تطوره بشكل واضح.
غير أن من بين المواقف الأشد غموضا الموقف الصيني. ذلك أن حسابات الصين إزاء الصراع في أوكرانيا معقدة بالنظر إلى تشابك وتشعب علاقاتها التجارية عبر العالم والملفت أن الصين بالرغم من موقعها المريح وكونها عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي لم تر أهمية في التنديد بالتدخل العسكري الروسي دون أن تعلن صراحة تأييدها وانحيازها لها بل ظلت تترقب الاتجاه الذي سيأخذه الصراع على المستوى الأوكراني على الأقل وهو واحد من سيناريوهات ثلاث أولها تراجع روسيا وقبولها بحكومة توافقية تعترف باستقلال الجمهوريتين، وثانيها نجاح روسيا في تحقيق أهدافها بإسقاط الحكومة الحالية وتعيين حكومة جديدة موالية لها والثالث هو إقدام روسيا على ضم الجمهوريتين “المستقلتين” إلى أراضيها بالقوة كما فعل مع شبه جزيرة القرم. ويعد هذا السيناريو الثالث الأكثر أهمية للصين فهو بمثابة سابقة تمنح لها شرعية التدخل لاسترجاع تايوان مستقبلا. ولأن الوضع مرشح لهذه الاحتمالات واحتمالات أخرى احتياطية قد تذهب إلى حد توسع دائرة الحرب فإن الصين فضلت النأي بنفسها عن نزاع قد يؤثر التدخل فيه على مستقبل تجارتها.
غير أن ما يمكن اعتباره صمتا مقصودا من العالم المحيط بدائرة النزاع لم يمنع هذا العالم من تداوله في الصالونات الديبلوماسية إذ لا تخلو جلسة تشاور سياسي وديبلوماسي أو أي لقاء اقتصادي على غرار ندوة قطر للبلدان المصدرة للغاز من تناول الحدث الأبرز وتبادل التحليلات ووجهات النظر وسبل مواجهة أي تطورات سلبية أو إيجابية محتملة في المستقبل القريب والأهم من ذلك كله التفكير في السبل الكفيلة بخلق تكتلات اقتصادية تجعل هذه البلدان بمنأى عن التأثيرات الخارجية التي يحدثها أي مخاض جيوسياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى