الأولى

العلاقات الجزائرية الأذرية

تمكنت الدبلوماسية الجزائرية من تسجيل حضور دبلوماسي في منطقة القوقاز وذلك عن طريق زيارة الوزير أحمد عطاف إلى العاصمة باكو في أذربيجان فالزيارة لا تندرج فقط في سياق حضور قمة حركة عدم الانحياز بل هي زيارة تبادل وتعاون بيني بين البلدين،وسعت الأولى إلى تفعيل وتثمين التوجه التحرري للحركة وعدم الانجرار وراء التحالفات التي تزيد شرارة التوتر بين القوى الغربية والدول المتحالفة مع الصين، وكانت قضية الصحراء هي أهم ثمرة من ثمرات هذه القمة.
ولكن الهدف من تفعيل العلاقات وتعميق الحوار بين باكو والجزاىر سيحقق مكاسب إستراتيجية للجزائر التي ستنجح في التموقع في منطقة القوقاز الغنية بمصادر الطاقة، وباعتبارها جارا جغرافيا لأوروبا ويمكنها أن تسوق لمبادئها الداعية إلى تصفية الاستعمار في العالم والقارة الإفريقية في منطقة إقليمية كالقوقاز التي بدورها تؤثر على المجريات السياسية في أوروبا بحكم قربها الجغرافي مع روسيا، وكذلك وبعض دول حلف شمال الأطلسي.
الدبلوماسية الجزائرية وبحكم تجاربها الدولية في حلحلة الصراعات أعطتها نوعا من المناعة الاستراتيجية مكنتها من تبني سلوك دولي يساعدها على التكيف مع الأزمات عن طريق تبني مواقف حيادية تنسجم مع متطلبات المجتمع الدولي وتوجد عدة قواسم مشتركة بين البلدين تحفز هذا التقارب والتعاون الدولي بين البلدين ومن بينها
أولا هناك نوع من التقارب السياسي بين البلدين، فجمهورية أذربيجان تأسست كدولة اشتراكية تقدمية عاشت تجربة حرب استقلال إقليمي وخاصة مع الجارة أرمينيا وهي لا تزال تستمد توجهاتها من أفكار الرئيس المؤسس حيدر علييف الذي كان كادرا مهما في الحزب الشيوعي السوفييتي ومدير مركزي في المخابرات السوفييتية KJB مما جعله على دراية بفعالية الدول الداعمة للتحرر والمجابهة للإمبريالية، ويعي جيدا الدور الذي قامت به الجزائر في دعم الحركات التحررية مثل منظمة التحرير والمنظمات التحررية الإفريقية .

ثانيا القدرة الطاقوية لكل دولة

الجزائر تملك شركة سوناطراك وهي شركة نفطية سيادية لها خبرة في مجال الطاقة والتسويق وهذا ما يسهل التنسيق الطاقوي بين البلدين حيث إن أذربيجان تملك شركة سوكار SOCAR الوطنية التي يقدر رأس مالها ب 50 مليار دولار حسب موقع فوربسFORBES في تقرير صدر عام 2019 هذا بدوره يحفز التقارب بين البلدين بتبادل الخبرات في مجال التنقيب والاستغلال،
مصالح البلدين تلتقي في عدة علاقات مع دول مختلفة مثل روسيا وتركيا حيث إن أذربيجان تعد من الدول المؤثرة في مجموعة الدول الناطقة باللغة التركية les États Turcophne وهي دول آسيا الوسطى التي تعد بمثابة خزان استراتيجي من المعادن والنفط، والجزائر بدورها قوة مؤثرة في فضائها العربي والأفريقي، فكل هذه المقومات المشتركة تأسس أرضية قوية لبناء علاقات إستراتيجية وتنموية تخدم البلدين والأقاليم التي تنتميان إليها وهنا يمكن تأسيس محورين ثنائيين بين منطقة القوقاز وشمال أفريقيا والعمل على خلق استثمار متبادل في مجال الطاقة والاستثمار والتسويق لثروات الصحراء الجزائرية ومنطقة بحر قزوين.
هذا التقارب والانسجام بين البلدين سيزعج مصالح بعض الدول التي تعتبر أذربيجان مجالا حيويا لا يمكن الوصول إليه من طرف الدول العربية، ومن بين هذه الدول فرنسا التي تستثمر الطاقة والغاز في أذربيجان عن طريق شركة TOTAL
دون أن ننسى الوساطة التي قام بها الرئيس ماكرون بين أذربيجان وأرمينيا في 2022 حيث كانت له مواقف مبهمة ورمادية وصرح في إحدى القنوات حسب جريدة les échos بأن موقف بلاده داعم للأرمن وصرح ب Nous ne lâcherons pas les Arméniens فهذا الموقف كان محاولة لاسترضاء اللوبي الأرمني في فرنسا وتوظيف ورقة الأرمن ضد تركيا لكي يعرقل انضمامها للاتحاد الأوروبي ،والهدف من الوساطة هو الحفاظ على مصالح الطاقة الفرنسية في المنطقة والعمل على تحييد روسيا وتركيا باعتبار أذربيجان نقطة تواصل مشترك بينهما.
ومن هذا المنطلق يجب أن ندرك جيدا بأن الكيان الصهيوني سيرتبك من هذا التعاون بين البلدين ويخلط له أوراقه في المنطقة ذلك أن إسرائيل ستدرك تأثير الجزائر في حركة عدم الانحياز وسيكون لباكو مواقف داعمة لقضايا التحرر مثل القضيتين الفلسطينية والصحراوية وبذلك ستكون عودة أذربيجان إلى المحيط الإسلامي سيعيق تمدد الرؤية الصهيونية في القوقاز وسبب انزعاجه يكمن في اعتبار أذربيجان شريكا أمنيا واستراتيجيا للكيان وتعتبر من وجهة نظر مراقبين كقاعدة تنصت يستعملها الكيان في عدوانه ضد إيران مع العلم أن شركات الاتصالات في أذربيجان هي شركات صهيونية ويوجد تنسيق أمني واقتصادي بين باكو وحكومة الكيان مما يجعلها تفكر في إعادة صياغتها لتوجه جديد في المنطقة.
حضور الدبلوماسية الجزائرية في منطقة القوقاز سيعمل على تعزيز خطاب التواصل الحضاري بين الشعوب والأقاليم الذي يؤمن بحرية الشعوب واحترام سيادتها وخلق أطر تعاون اقتصادي وتفاهم سياسي يؤمن بالدبلوماسية والحوار كبديل عن الحرب والعدوان ،ولكي ينجح هذا التعاون بين البلدين يجب أن يكون تنسيق ومجلس تعاون مشترك بينهما وفي الجانب الجزائري يجب أن يكون التنسيق بين وزارة الطاقة والخارجية والوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية باعتبارها مؤسسة فاعلة تعبر عن التوجه التضامني والتنموي للجزائر.

عبد الكريم العراجي
أستاذ محاضر جامعة وهران 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى