
بقلم: احسن خلاص
أعطى إنشاء تنظيم “الجبهة السلمية للحراك الشعبي” إشارة خضراء للانطلاق في تحصين الرصيد الانتخابي للرئيس عبد المجيد خلال الاستحقاق الرئاسي الأخير وتثمينه في طريق تشكيل كتلة رئاسية لدعم موقعه السياسي خلال الأشهر القادمة لاسيما وأن الخارطة السياسية مدعوة لإعادة تشكيل جذري بما أفرزه الحراك من قوى اجتماعية نأت بنفسها عن الانخراط في الخارطة التقليدية.
اختارت القوى المنخرطة في مسار 12- 12 أن تتهيأ من الآن لمواجهة المرحلة المقبلة وهي واثقة من نفسها أنه من الضروري النزول مبكرا إلى الميدان لخوض استحقاقات أعلنت عن رزنامتها السلطة تبدأ بمراجعة الدستور وتنتهي هذه السنة بانتخابات تشريعية تأمل أن تحصد منها أغلبية مريحة للرئيس تبون.
ومما يدل على هذه الثقة في النفس أن هذه القوى أعلنت من بداية ظهورها عن رغبتها في تنظيم انتخابات برلمانية ومحلية مسبقة لتجديد المؤسسات ودعمها بالشباب كما وعد بذلك الرئيس في أكثر من مناسبة وهو الوعد الذي أثار حالة استنفار في حزب جبهة التحرير الوطني.
ولم يشذ تنظيم الجبهة الجديدة عن تلك القاعدة التي تقتضي أن من حقنا أن نأخذ نصيبنا من الحراك دون الادعاء أننا نمثله أو يحق لنا الحديث باسمه مع أن التسمية التي أطلقت على التنظيم تدل دلالة صارخة على محاولة تحويل مع سبق الإصرار والترصد تماما مثل ما حدث عام 1962 من تحويل لجبهة التحرير الوطني التاريخية إلى حزب سياسي مهيمن هيمنة تامة على المؤسسات.
وبما أن الحراك ملك للجميع مع اختلاف في القراءات المسلطة عليه والأهداف المتوخاة منه فلماذا لا تأخذ القوى المؤيدة للسلطة الحالية نصيبها و”حقها” من هذا الحراك العمومي؟ وبما أن الجميع يدعي وصلا بالحراك فأولى بهذه القوى أن تبحث لها عن مساحات جديدة في المشهد السياسي القادم تفتكها من قوى أخرى حزبية وغير حزبية لتبني بها التحالفات القادمة حول الرئيس على أنقاض تحالفات مهترئة بعد أن أفرغها نظام بوتفليقة من محتواها وقضى على ما تبقى لها من تأثير لاسيما حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.
كيف لا والجميع لا يزال يبحث له عن مكانة تحت شمس الحراك تماما مثل ما حدث عام 1962 عندما تفرق جمع قادة الثورة التحريرية وأضحى لكل قائد ثورته، ولم لا والأحزاب الإسلامية أيضا تطالب بحصتها من ريع الحراك وقد نشب التنافس من الآن بين مقري وبن قرينة عمن هو أولى بنصيب الإسلاميين من “الحراك المبارك”.
يبدو جليا إذن أن هذا العام هو عام اقتسام غنائم الحراك والتزاحم حوله للظفر ببركاته من أجل تصدر المشهد السياسي القادم وستبقى القوى العصية عن الدخول في التهيئة السياسية القادمة في معزل عن صنع المشهد الرسمي وقد تعتبر أقلية متطرفة شاذة تحفظ ولا يقاس عليها.
وإذا كانت الأجهزة الحزبية للسلطة قد انطوت على نفسها فإن الأحزاب الشريكة في المنظومة السياسية التقليدية ترفض الاستسلام للموت وأن يجرفها تيار الحراك غير المنظم. وهذا ما يفسر تذكير مقري بأنه لا يمكن بناء حياة سياسية دون الأحزاب وأن من يظن أن الأحزاب ماتت فقد كذب في إشارة إلى أن الطبخة السياسية الجديدة التي تحضر في مطبخ السلطة ويرعاها مكلفون بمهام خاصة برئاسة الجمهورية لا يمكن لها أن تغفل عن نصيب الأحزاب المتعقلة من الطرطة السياسية القادمة. ولا تختلف عن ذلك ردة فعل الأحزاب المنضوية تحت راية القوى الديمقراطية.
في هذا السياق نشأت “الجبهة السلمية للحراك الشعبي” وفيه يمكن أن تنشأ قوى أخرى بديلة عن القوى التقليدية. وهي قوى أخذت علما بأن الرئيس الجديد أقل ميلا إلى التعامل مع الأحزاب السياسية لذا نجد أن أغلب من سيشكل المشهد الجديد إنما هي تنظيمات من “المجتمع المدني” كانت دوما تعيش على الضفاف عندما كانت السيطرة على أرض الولاءات لتنظيمات من بقايا الحزب الواحد مثل الاتحاد العام للعمال الجزائريين والمنظمة الوطنية للمجاهدين وجماعات مصالح ملتفة حول تنظيمات اجتماعية مهنية جديدة على غرار مختلف منظمات أرباب العمل إلى جانب شبكة منظمات الإسلام التقليدي المتمثلة في الزوايا.
وبمثل هذه المشاهد يعيد النظام القائم تشكيل ذاته بنفس الطريقة التي أعاد بها إنتاج نفسه مرارا وما دأب عليه منذ بدء العمل بالتعددية السياسية فقد أنشئ التجمع الوطني الديمقراطي ليكون لباسا يحصن سياسيا ظهر الرئيس اليامين زروال بعد أن مال حزب جبهة التحرير الوطني شمالا في عهد عبد الحميد مهري إلى غاية الإطاحة به ليرجع الحزب إلى دوره التقليدي ويشكل هو والتجمع الوطني الديمقراطي غطاء جديدا للرئيس بوتفليقة لمدة 20 سنة. ونظرا لأن المسار التاريخي للنظام هو مسار تراكمي فإن انضمام الأفلان والأرندي إلى التكتل الرئاسي الجديد ليس ببعيد لاسيما وأن الحزبين لم يترددا في تهنئة الشعب الجزائري بالذكرى الأولى للحراك الشعبي، بل إن أحدهما يسعى لتغيير اسمه وتركيبته ويعيد النظر في أهدافه لعله يمحو الأثر الذي لصق به كحزب اقترن اسمه بالتزوير وظلت أسماء قادته لصيقة بالفساد.
تعليق واحد