أقلام

الفرق بين الرأي والحقيقة يعلمنا التواضع

وعد التعصب إلا للحقيقة، ذلك أن كثيرًا من كتاب الرأي ومن المتكلمين لا يفرقون بين الحقيقة العلمية والرأي وهذا لفقر منهجي ومعرفي لنظرية الحقيقة من حيث وسائلها ومصادرها، ونجد أحيانًا أن الكاتب يبرر ما يريد قوله بترديد كلمة “هذه حقيقة علمية”، بل هناك من لا يفرق بين المثال التوضيحي والدليل. ويتصور أن بمجرد ما تقول كلمة “حقيقة علمية” انتهى الأمر، دون تحقق منه أو تمحيص وحتى القارئ أو السامع فان بمجرد ما يقرأ مثل هذه الكلمة او يقال له أن المصدر مجلة علمية معينة، يصدق ذلك او بالأحرى هو مضطر الى تصديق ذلك لأنه لا يملك ادوات التحقق عقلية كانت أو تجريبية إلا إذا كان يملك ناصية التحقق المنهجي وعليه فإن كثير من الأحكام والأقوال منتشرة وكأنها حقائق علمية نهائية يستدل بها وتبنى عنها نتائج مع أن التطور العلمي المتسارع بين بطلانها وخطأها الاكثر غرابة أنها منتشرة حتى في الجامعات ،وفي طيات البحوث التي من المفروض هي مكان ومحك التمييز بين ما هو حقيقةً حقيقة علمية ،وما هو مجرد رأي أو حتى رأي علمي مستنبط من مقدمات تبدو علمية ذلك أن محك أي حقيقة هو سندها العقلي أو التجريبي ولتبين يجب أن نفهم ما يلي….
ما الحقيقة العلمية ؟
الحقيقة العلمية بعبارة دقيقة هي كل حكم ينطوي فيه إسناد تصور ذهني (فكرة) إلى موجود (واقع) سواء حدسناه أي عرفناه عن طريق الانطباع الحسي المباشر أو العقلي، بحيث لا يبقى إلا التعبير عنه بلغة الأرقام الدقيقة، وبالتالي، فمجال هذا الميدان المعرفي هو التجربة العلمية هذه الأخيرة أدى الثبات المعرفي فيها إلى التطور باستمرار إلى حد لم يعد منطقًا للتحقيق فيها بالواقع المحسوس، وإنما الواقع النظري ولكن منطلقه دوما واقع عيني ملاحظ مثل ذلك أنه لا يمكن أبدا الشك أن ارتفاع درجة الحرارة يؤدي إلى تمدد المعادن وازديادها يؤدي إلى انصهارها فهذه الحقيقة تتأكد بتكرارها وهذا ما جعلنا نستعملها في حياتنا ونستغلها في كثير من المنافع.
أما الرأي أو الرأي العلمي فهو تصور ناتج عن مقدمات قد تبدو علمية دون سند تجريبي واقعي، ولا يمكن الاعتماد عليه لبناء معارف أخرى، وأغلب هذه التصورات يكون الخطأ أكبر احتمالًا من الصواب.
وقد بين تطور الأبحاث أن مسار الحقيقة ليس خطًا مستقيمًا وإنما تراكم ديناميكي، ولذلك الأفضل أن يقول مثل هؤلاء الكتاب الرأي المنطقي المعقول للتدليل على آرائهم، وهذا يتطلب منهم معرفة القواعد الصحيحة البسيطة للتفكير السليم. من يعتمد ذلك لا يقول إلا القليل ولا يكتب إلا السليم، ولذلك سُمِّت العرب العقل “بالعقل”، أي كمن يضع عقالًا (رباط) لتفكيره. ومن هذه المقاربة نفهم أن هناك فرقا شاسعا بين ما ثبتت حقيقته العلمية وبين ما يستنتج من آراء وأحكام تستند على بناء الحقائق بناء منطقيا لأنه لبس كلما ما هو معقول واقعي ولكن قد يكون كل ما هو واقعي يعقل، مثل هذا الكلام يصح في الميدان الواقعي العلمي المحض ولكن كل ما هو غير ذلك من كلام وأقوال يحب أن يمحك بمعايير أخرى أهمها المعيار العقلي المنطقي وإني أتذكر أنه في إحدى المرات قرأت مقالًا في جريدة فأردت أن أعرف الترابط المنطقي الذي يربط جمله أي أقواله لأن اي مقال هو مجموعة أحكام مرتبة ترتيب معين يرد منه صاحبه قول شيء .
بمعنى آخر كما يقول المناطقة أي قول أو جملة هي أما إن تكون ضبط تصور أي ضبط مفهوم معين أو تبرير تصديق أي حكم يراد منا تصديقه أو تكذيبه من خلال مبررات معينة ومحددة، بناء على ذلك تحليله إلى مقدمات ونتائج وفق قواعد التفكير البسيط، الذي أساسه الحدود والعلاقات التي تربط بعضها ببعض لا تجد في هذا المقال أي روابط منطقية وإنما همه الوحيد الإثارة الساذجة والحكم على الاشاء دون أي تبرير وعليه فإن ما نقدمه من آراء.
حول مختلف القضايا التي هي ليست مناط بحث علمي وإنما مناط ترتيب أحكام وأقوال تبقى نسبة صحتها. وصدقها متعلق بطريقة استنتاجها وعلى هذا الأساس يجب أن يكون هناك مساحة للاختلاف فيه والتعدد ومحك صواب الرأي هو ما ينتحي عنه من منافع أو نجاح في الممارسة الفعلية كما أن هناك تبريرا آخر أن الحقيقة العلمية لا يمكن الاختلاف حول صدقيتها الكامنة في تجريبها ولذلك يقال التجربة خير برهان بينما الرأي يبقى رأيا حتى وإن قدمنا مبرراته النظرية لأن البرهنة عليه تبقى دوما ناقصة ولذلك سعي الإنسان منذ القديم إلى إيجاد الطريقة التي يعرف بها الحقيقة بحيث لا يمكن الريبة فيها أبدا هو ما جعله يكتشف أن هناك طريقين مهمين هما العقل والتجربة ووجد أن كليهما يخضع لقواعد صارمة مضبوطة فالعقل ينتج الأفكار عن ما هو محسوس وما هو غير محسوس والتجربة هي محك الاختبار عن صحة ما هو واقعي منها
في الأخير على كاتب الآراء أو المعلق عن الأمور بما يراه وما يفكر فبه أن يدرك أن الرأي لن يرق أبدا إلا مستوى الحقيقة النهائية لأن الرأي في الأخير هو حصيلة ما يعرفه هو فقط وما وصل إليه من معارف ومهما مان الشخص فهو محدود في ذلك مهما كان واسع الاطلاع وعميق الدراسة لذلك يجب أن يتحلى بالتواضع والتسامح وأن يعتقد دوما أن رأيه صواب يحتمل الخطأ وان رأي غيره خطأ يحتمل الصواب فالاعتقاد بسلامة هذه الروح الارتيابية والنسبية يكسبنا دوما تواضعا ودافعا على التفكير والبحث والتجديد لأن مسار الإنسانية يبين أنه لا يوجد أبدا شيء ثابت.
وإن كل شيء متغير وهذا أيضا ما يذيب كثير من العداوات والحزازات والاختلافات بين الأفراد والجماعات ذلك أن التعصب للرأي دافع للمهلكة وضيق الأفق. ولقد بين تطور العلم التجريبي. في حد ذاته أن كثير ما كان يجزم أنه حقيقة علمية نهائية لم يعد كذلك وإنما مجرد آراء علماء أخذت نسقا معينا في الإثبات. والبرهنة وبسبب تطور تقنيات الملاحظة والتجريب. تبين انها سطحية وغير دقيقة وهذا ما فرض ان. تكون النسبية من خصائص التفكير العلمي المعاصر.. وعليه التمييز بين ما يصل اليه العلم من حقائق ومن نكونه حوله من أفكار امر ضروري فالفارق شاسع بين العلم والايديولوجية المستنبطة منه التى يمكن تسميتها بالرأي العلمي..
والخلاصة أنه يجب دوما أن نراعي. عندما نخاطب الآخرين أو نكتب لهم أن نميز بين ما يقدم من حقائق علمية أو نتجنب الادعاء والزيف ونرجع الحقيقة إلى أصلها والرأي الذي يعكس رؤيتنا الذاتية للأشياء والأمور أن العالم يفكر بلا عاطفة أنا صاحب الرأي فيكتب بعواطفه ومشاعره وقليل من يكتب بعقله لأن الكتابة بالعقل متعبة جدا ومكلفة فكثير من الناس يهرف بما لا يعرف وذلك سبب الفوضى والاضطراب والضياع في تحقيق النجاح لأن تملك قليل من اليقين وتسير على أساسه خير من التيهان في بحر التخاريف…
قيل للعقاد: “أسلوبك متعب”، فقال: “أنا أكتب بعقلي”، لا شك في أن التفكير متعب ولكنه مفيد.

سراي مسعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى