أقلام

الفكر الباديسي حنكة قيادية تعدت المكان والزمان

العلامة ابن باديس سبق عصره بخطوات كثيرة وأشواط طويلة, بفكره الإصلاحي ونهجه الثوري وسياسته الرشيدة في القيادة والتوجيه والتخطيط, فحنكته القيادية كانت بميزات عصرية تعدت حيز مكانه وزمانه, بحيث ساهمت في التفاف خيرة علماء الجزائر من حوله, والإسراع باعتراض كل التكتيكات الاستعمارية الخبيثة, إنهم كوكبة من الرواد الشجعان الأخيار, الذين لا يخافون في الله لومة لائم, بذلوا النفس والنفيس من أجل الجزائر والأمة العربية الإسلامية, فقد كانوا من الأوائل الذين طووا النهضة العربية الإسلامية بعزمهم وأخرجوها من الجزائر للعلن لتعم باقي البلدان العربية, فسياسته كانت مركزة على استعمال كل الوسائل من صحافة وجمعيات ومدارس, ودبلوماسية ونشاطات سياسية خارج الجزائر, وغرس الطيب من الأفكار, والتي أثمرت في حينها ثورة لم تخطئ سهامها ولم تتعثر خطواتها, ولم يتبرم قادتها, فكانت نهضة عربية إسلامية شاملة.
ابن باديس سخر فكره لمحاربة المستعمر الفرنسي، وشل مشاريعه الاستيطانية واعتراض سمومه الفكرية الموجهة لمحاربة الدين الإسلامي، باعتبارها حربا صليبية، سخرت لها كل الوسائل عسكرية ودعائية، لذلك كان النجاح حليفه، لهذا كان لجمعية العلماء المسلمين دور ريادي وفضل كبير في نشر الفكر السياسي ببصمات وبمد ومدد جزائري خالص، وهذا من صميم ديننا الحنيف الذي شمل كل مناحي الحياة، وهذا ما يفند تلك المزاعم التي تدعي أن السياسة كانت حكرا على الحركات الوطنية.
لقد كان للتعليم المسجدي بقسنطينة بداية لهمة رمت نواظرها به بعيدا لاقتحام الصعاب، لأن المهام الثورية السياسية صعبة ويلزمها الكثير من الجهد والرجال، وكل هذا متوفر في نخبة حملت هم الجزائر والأمة العربية الإسلامية، فقد كونوا بنشاطاتهم المتعددة قواعد شعبية تبنت هذا الفكر الإصلاحي، وكانت أهدافهم سامية ترمي إلى بناء جيل يكون بداية لثورة عارمة يعم خيرها الحاضر والمستقبل، كما وضعوا نصب أعينهم إصلاحات شاملة تشمل التعليم والمرأة لأهميتها واهتمام المحتل بها لإخراجها من ثوبها وأصلها وأصالتها.
وعن الجانب السياسي للعلامة عبد الحميد بن باديس، الذي يعتبر لصيقا مكملا للجانب الثوري، فقد كان له دور مهم وخاصة القضايا الكبرى للأمة، التي جعلت منه رائدا للنهضة العربية الإسلامية بامتياز والتي كان ميلادها بأرض الجزائر، وهذا من خلال مساهماته الثرية والمتنوعة التي كانت شاهدا تاريخيا لا يقبل الطعن في مصداقيته، وفي نفس الوقت ردا مفحما على كل الترهات العابثة التي تريد قلب الحقائق وتزييف التاريخ، ومنها التالي:
ـ استخلاص لأصول الولاية (الحكم) في الإسلام، نشرها عام 1931 م.
ـ دوره في إخماد نار الفتنة بين اليهود والمسلمين (فاجعة قسنطينة) صيف 1934 م.
ـ الدعوة إلى عقد مؤتمر إسلامي والمساهمة فيه شهر جوان 1936 م.
ـ مشاركته ضمن وفد المؤتمر إلى باريس في شهر جويلية 1936 م.
ـ موقفه السّياسيّ من وعود حكومة فرنسا.
ـ محاورة لجنة البحث في البرلمان الفرنسي في شهر أبريل 1937 م.
ـ دعوة النواب إلى مقاطعة المجالس النيابية في شهر أوت عام 1937 م.
ـ نداءه لمقاطعة الاحتفالات القرنية لاحتلال مدينة قسنطينة خريف 1937 م.
ـ موقفه من قانون 8 مارس 1938 م.
ـ موقفه من إرسال برقية التضامن مع فرنسا ضد التهديد الألماني.
ـ تقديم العرائض والاحتجاجات.
ـ مقاومة سياسة الاندماج والتجنيس.
ـ الوقوف في وجه المحاولات الهادفة إلى زعزعة الوحدة الوطنية.
ـ اهتمامه بقضايا العالم الإسلامي.
ـ رأيه في الحرية والاستقلال.
لذلك فالعلامة عبد الحميد بن باديس، كان من الأوائل الذين أخرجوا للوجود ولسائر الأمة العربية الإسلامية فلسفة إصلاحية تبنت ال بأبعاد حضارية إسلامية خالصة, شملت سياسة تضميد جراح الأمة العربية وإصلاح شروخها وتصدعاتها, ولم تنسى القضية الفلسطينية, كما ساهمت على نشر القيم الأخلاقية الإسلامية و المحافظة على مقومات الأمة الجزائرية, وترسيخ عقيدة الجهاد والثورة ضد المستعمر الفرنسي, بحيث مهدت لها فكانت نتيجتها ثورة تحريرية عارمة أخرجت المحتل من بلادنا منكسرا مهزوما.

بلخيري محمد الناصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى