أقلامإقتصادالأولى

القطاع الاقتصادي، حليف للدولة أم شريك للسلطة

بقلم احسن خلاص

أعادت قضية مؤسسة إينيام إلى الأذهان العديد من الإشكالات التي ظلت مطروحة على مستويات مختلفة منذ الاستقلال لاسيما دور الدولة في علاقتها بالنشاط الاقتصادي وبعبارة أخرى مكانة القطاعين العمومي والخاص اليوم ودوره في خلق الثروة وتحقيق النمو.

وها هي المؤسسة الوطنية للصناعات الكهرو منزلية التي تأسست عام 1974 وأخذت هذه التسمية الجديدة عام 1983، ضمن مسار إعادة الهيكلة الذي شرع فيه الوزير الأول عبد الحميد ابراهيمي آنذاك فقد كانت إحدى مفاخر الجزائر إلى جانب مؤسسات عمومية أخرى، عادت إلى نقطة الصفر بعد محاولة إنقاذها من الإفلاس والتوقف في شهر أفريل من هذه السنة بأن أتيح لها بفضل تدخل الحكومة، استيراد المادة الأولية بغلاف يقدر بمليار ونصف مليار دينار صالح للاستغلال لمدة 9 أشهر دون أن تحقق محاولة الإنقاذ هذه أهدافها بأن تسمح للمؤسسة بالتخفيف من عبء ديونها التي بلغت 6 ملايير دينار والانطلاق من جديد بالمساهمة في المجهود الوطني للخروج من الأزمة والعودة إلى تحقيق الثروة والنمو الاقتصادي وخلق مناصب الشغل أو الحفاظ على ما وفرته منها إلى اليوم غير أن النتيجة الهزيلة التي وصلت إليها تتطلب قرارا سياسيا لا يملكه وزير الصناعة ولا حتى الوزير الأول وحكومته بل هو قرار سيادي على مستوى رئيس الدولة ضمن سياسة اقتصادية تفصل بشكل نهائي في دور ومكانة القطاع الاقتصادي العمومي بعيدا عن الحلول الترقيعية.

مقابل هذا المشهد المأساوي الذي قدمه أحد أقطاب القطاع العمومي الاقتصادي يبرز مشهد مأساوي آخر يتمثل في الوضع المزري الذي وجد فيه القطاع الخاص نفسه فبعد سنة 2019 البيضاء من حيث الاستثمارات والأعمال والتي كان الانتقال السياسي أحد عواملها جاءت سنة 2020 بما رمته الأزمة الصحية من ثقلها على الاقتصادي الوطني بشكل عام وعلى القطاع الخاص بشكل خاص.

وإذا كان القطاع العمومي وليد مسار سياسي وإيديولوجي معروف انطلق من النهج الاشتراكي للدولة الذي كلفها ملايير الدولارات من دعم خزينة الدولة للمؤسسات العمومية المفلسة دوريا فإن القطاع الخاص من جهته لم ينشأ في الجزائر نشأة طبيعية بل خضع هو الآخر لاعتبارات سياسية. واليوم تدعو الدولة الجميع للانخراط في الجهد الوطني المشترك لبلوغ نسبة نمو لا تقل عن 4 بالمائة لسنة 2021. وتنطلق الحكومة من خطاب صار قائما على لسان المسؤولين الحكوميين وهو أن الدولة تقف على مسافة واحدة من القطاعين العام والخاص وأن لا فرق بينهما إلا بالقدرة على تحقيق الأهداف التنموية المرسومة فالحكومة تعتبر نفسها بهذا الخطاب أنها أمام قطاع وطني لا تميز فيه بين الخاص والعام مقابل قطاع أجنبي لاسيما المتعلق منه بالاستثمارات الأجنبية المباشرة.

في صيف هذه السنة كانت الحكومة قد بشرت المؤسسات الخاصة بأن الدولة لن تتخلى عنها ضمن سياسة التضامن الوطني تجاه الفاعلين الاقتصاديين من جراء آثار أزمة كوفيد 19 وقد انطلقت الفكرة من ضرورة مساعدة القطاع الاقتصادي من خلال التخفيف من الأعباء الضريبية والاجتماعية وإعادة جدولة ديونها إلا أن المؤشرات اليوم ونحن نطرق أبواب عام 2021 لا تزال باللون الأحمر لأغلب المؤسسات الاقتصادية الخاصة في الوقت الذي أثبتت المؤسسات الاقتصادية العمومية على غرار إينيام فشلها بالرغم من التأييد المالي المباشر من البنك.

ها هي المؤسسات الخاصة وهي تدخل عام 2021 بصدور عارية والسبب هذه الازدواجية في السياسة الحكومية تجاه القطاعين العام والخاص إذ في الوقت الذي تستمر الدولة في ضخ الملايير من الدينارات على المؤؤسات العامة والحكومة تعلم علم اليقين أنه ليس إلا مزيدا من إنهاك للمال العام وصل حسب تقديرات الخبراء إلى ما يقرب من 50 مليار دينار على مدى 30 سنة دون أن يكون لها أدنى تأثير على خلق الثروة ومناصب الشغل ضمن فلسفة الدولة الاجتماعية التي تتكئ عليها الحكومة. بالمقابل نجح القطاع الخاص الاقتصادي في احتلال مواقع في السوق غادرها القطاع العام طواعية مثل ما هو حال الصناعة الكهرومنزلية بعد أن اتخذت الحكومة قرار بفتح السوق على مصراعيه ابتداء من عام 2000.

لقد جعلت ازمة كوفيد 19 الدول تغير نظرتها رأسا على عقب حول الموقف الذي يجب أن تقفه تجاه انسجام النسيج الاقتصادي والاجتماعي فقد كان تحدي هذه الدول ولا يزال هو ان لا تتاح الفرصة لهذا الفيروس العدو الذي لا يفرق بين العام والخاص ولا بين الغني والفقير أن يؤثر سلبا على استمرار النشاط الاقتصادي وأن لا يتسبب في مجزرة اقتصادية رهيبة قد يصعب على المجتمعات النهوض منها مجددا لذا تبذل مؤسسات الدول جهدا خاصا لتعويض الأضرار للإبقاء على الحد الأدنى من النشاط الاقتصادي لاسيما في البلدان الليبرالية الرأسمالية التي يعتبر فيها الركود الاقتصادي من المحرمات. وبهذا وجدنا بلدانا مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا قد ضخت ملايير الدولارات على القطاع الاقتصادي الخاص للتخفيف من عبء الأزمة الصحية على المؤسسات.

يبدو أن السياسات العمومية بالرغم من ادعاء الحكومة أنها على مسافة واحدة بين القطاعين العام والخاص وأنها تدفع إلى التعاون والتكامل بين القطاعين لم تخرج من المنظور القديم المبني على التوجيهية الاقتصادية. فمتى تخرج الدولة من دور المالك إلى دور الضابط للتوازنات الاقتصادية ضمن منظومة اقتصادية يقع فيها القطاع الاقتصادي المنتج العام منه والخاص في دور الحليف للدولة بدل من موقع الشريك للسلطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى