هو أحد أبناء جبال ولاية جيجل المجاهدة، تلميذ الكتاب القرآني، خريج معهد ابن باديس بقسنطينة وجامع الزيتونة بتونس، درس بكبرى الجامعات العالمية (جامعة بغداد ثم جامعة النمسا) ، متحصل على اعلى شهاداتها (الدكتوراه) ، عمل استاذا بجامعات ألمانيا والنمسا، ثم بجامعة الجزائر، ترك العديد من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة في ميادين إبداعيّة مختلفة، انه الدكتور ابو العيد دودو الاديب العملاق.
مولده ونشأته الأولى:
ولد أبو العيد دودو في 13 جانفي 1934 م، بقرية أزيار بدوار تمنجر، التابعة إداريا لبلدية العنصر بولاية جيجل حاليا.
بدأ تعليمه في الكتاب القرآني كغيره من أطفال زمانه وذلك لعدم وجود مدرسة ابتدائية في هذه القرية المعزولة، تعلم في البداية على يد معلم الصبيان الشيخ “حمو بودن”، فتعلم القراءة والكتابة وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم، وبعد وفاة والده انقطع عن الدراسة، واشتغل راعيا للغنم لمساعدة والدته في سد حاجيات الأسرة، والتخلص من الفقر والبؤس.
ونظرا لحبه لطلب العلم ورغبته في إكمال دراسته، فقد أخذه أحد أقربائه وهو: “الشهيد أحمد دودو” إلى مدينة قسنطينة في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، حيث استضافه في بيته، والتحق بمقاعد الدراسة لمواصلة تعليمه، وكان من أبرز مشايخه بقسنطينة “الشيخ محمد الزاهي” ابن منطقته، وعليه أتم حفظ القرآن الكريم كاملا بمدرسة سيدي بوعنابة.
و في الموسم الدراسي 1947\1948 م، التحق ابو العيد دودو بمعهد الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي كان فرعا لجامع الزيتونة بتونس، فتتلمذ على كبار مشايخه و اساتذته، لعل من ابرزهم: الشيخ عبد الرحمان شيبان، و الشيخ عبد القادر الياجوري، و الشيخ العباس بن الشيخ الحسين، و الشيخ محمد الزاهي، و الدكتور احمد بورزاق، و الشيخ محمد العدوي، و الشيخ عمر جغري، و غيرهم.
وبعد اربع سنوات من الجد والاجتهاد، تحصل ابو العيد دودو على شهادة (الاهلية) في دورة جويلية 1951 م، وقد سمحت له الفترة التي قضاها بمعهد ابن باديس بقسنطينة بالتعرف على رواد الحركة الاصلاحية في الجزائر ومخالطتهم والتعامل معهم، فتشبع بالروح الوطنية والرغبة في مقارعة الاستعمار الفرنسي.
رحلته في طلب العلم:
ورغبة في الاستزادة من العلم، واستجابة لمنهج الحركة الإصلاحية في تعليم أبنائها بكبرى المعاهد والجامعات في العالم، فقد سافر أبو العيد دودو ضمن البعثة الجزائرية الزيتونية لجمعية العلماء إلى تونس، والتحق بجامع الزيتونة في السنة الدراسية 1951/1952 م.
وفي بداية التحاقه بتونس رسم في السنة الأولى ثانوي، وكان من زملائه في الدراسة في هذه السنة كل من: سفسوف عمار، أبو الدروع عبد الحفيظ، بو شعيب حسين، العجرود يوسف، وبوالطمين صالح، وعليوة محمد، وفريقه محمد، وقعموش الطاهر، وبوالطمين الجودي، ومحمد الشريف سيسبان، وغيرهم.
وكان أبو العيد دودو في هذه الفترة من الطلبة الناشطين في إطار جمعية البعثة الجزائرية الزيتونية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بتونس.
ولكن إقامته بتونس لم تدم طويلا، فقد قررت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إرسال دفعة من طلبتها المميزين إلى دار المعلمين العليا ببغداد، فكان أبو العيد دودو ضمن بعثة الجمعية إلى العراق في الموسم الدراسي 1952/1953 م، فدرس بقسم اللغة العربية، وكان من أبرز أساتذته بالعراق كل من: مصطفى جواد، وعبد الرزاق محيي الدين، وصفاء خلوصي، وجواد الطاهر، والشاعر العراقي محمد مهدي البصير، وغيرهم.
وبعد أربع سنوات من الجد والاجتهاد، تخرج الأستاذ أبو العيد دودو بشهادة (الليسانس) في الأدب العربي سنة 1956 م.
ورغبة في مواصلة دراسته العليا، فقد سافر أبو العيد دودو إلى دولة النمسا، والتحق بجامعة فيينا، وتخصص في دراسة الأدبين العربي والفارسي بقسم الدراسات الشرقية، وبعد سنوات من الجد والاجتهاد تحصل على شهادة الدكتوراه في مارس 1961 م، بأطروحة عن الشاعر والمؤرخ السوري ابن نظيف الحموي، وهو تحقيق لكتاب من التراث بعنوان: “المنصور” لابن نظيف الحموي.
وخلال هذه الفترة فترة الحرب التحريرية ساهم أبو العيد دودو في التعريف بالقضية الجزائرية من خلال الملتقيات والندوات الفكرية التي كان ينشطها في البلاد العربية والدول الأوروبية، ومن خلال المقالات الصحفية التي كان ينشرها في مختلف المجلات والصحف العالمية، فقد عثرنا له على عديد الأعمال الأدبية من قصة ومقال وشعر وترجمة منشورة في بعض المجلات العربية مثل: مجلة الندوة، ومجلة الفكر، وجريدة الصباح، وغيرها.
انخراطه في الحياة العملية والنشاط الفكري:
بعدما تحصل ابو العيد دودو على شهادة الدكتوراه استدعي من طرف الجامعة الالمانية للالتحاق بهيئة التدريس، وكلف بتدريس الأدب العربي بمعهد الدراسات الشرقية بألمانيا، فعمل به استاذا لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل من المانيا الى النمسا، وعمل أستاذا بجامعة فيينا مكلفا بالأدب واللغة العربية.
وبعد استرجاع السيادة الوطنية عاد الدكتور أبو العيد دودو إلى الجزائر سنة 1969 م، واشتغل أستاذ محاضرا بقسم الأدب العربي بجامعة الجزائر، ثم عين مديرا لمعهد اللغة والأدب العربي لفترتين: من سنة 1975 إلى 1981 م، ثم من 1984 إلى 1988 م.
ساهم الدكتور أبو العيد دودو في إنتاج ثقافة نوعية، فقد ترك بصماته في دروب الإبداع الثقافية المختلفة، كتب في القصة، وفي الرواية، والمسرحية والأسطورة، كما كتب في الأدب المقارن، والنقد الأدبي، والشعر، كما مارس الترجمة من أكثر من لغة، وكتب في مختلف الدراسات الأدبية والتاريخية حتى صار مرجعا للطلاب والباحثين ومن أبرز المثقفين في الجزائر والعالم.
وفاته وآثاره:
عانى الدكتور أبو العيد دودو في سنواته الأخيرة من مرض خطير أقعده عن الحركة والنشاط الأكاديمي، ولم ينفع معه علاج، وقد وافته المنية في يوم الجمعة: 16 جانفي 2004 م عن عمر ناهز 70 سنة، بمنزله المتواضع بحي ابن عكنون بالعاصمة، ودفن بمقبرة بن عكنون بحضور ثلة من الطلبة والباحثين والطبقة المثقفة.
وقد ترك أبا العيد دودو العديد من الآثار المطبوعة والمخطوطة، تنوعت بين ألوان أدبية مختلفة، منها الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية، والقصص، والدراسات الأدبية، والكتب التاريخية، والترجمات، ولعل من أهمها:
في مجال المسرح:
1_كتاب: “الطعام والعيون”، وهو عبارة عن مجموعة قصصية.
2_كتاب: “بحيرة الزيتون”، مجموعة قصصية.
3_كتاب: “دار الثلاثة”، مجموعة قصصية.
4_كتاب: “البشير”، مسرحية.
5_كتاب: “الطريق الفضي”، مسرحية.
6_كتاب: “التراب”، مسرحية.
و كثير من المسرحيات والقصص، منها: (قصص أخرى) ، و (قصة الضيف) ، و (نضال) ، و (العودة) ، و (جاء دورك) ، و (انتظار) ، و (الحلم) ، و (التجر الحديد) ،، و (الحبيبة المنسية) ،…. الخ.
في مجال الدراسات الأدبية والتاريخية، فأهم كتبه، هي:
1_كتاب: “كتب وشخصيات”.
2_كتاب: “الجزائر في مؤلفات الرحالين الالمان”.
3_كتاب: “سلسلة من الوثائق التاريخية”.
4_كتاب: “التاريخ المنصوري لابن نظيف الحموي”، دراسة وتحقيق.
5_كتاب: “تلخيص الكشف والبيان في حوادث الزمان”، لأبي الفضل الحموي، تحقيق ودراسة.
6_كتاب: “دراسات أدبية مقارنة”.
7_كتاب: “صور سلوكية”، وهو سلسلة مقالات اجتماعية.
8_كتاب: “تأملات اجتماعية”، وغيرها
أما في مجال الترجمة من اللغة الألمانية وإليها، فأهم الكتب المترجمة هي:
1_ ترجمة كتاب: “ مذكرات ، او لمحة تاريخية عن الجزائر “، ل بفايفر سيمون.
2_ترجمة كتاب: “الامير عبد القادر”، تاليف يوهان كارل بيرنت.
3_ترجمة كتاب: “الحمار الذهبي”، ل لوكيوس أبو ليوس.
4_ترجمة كتاب: “قسنطينة أيام أحمد باي”، لفندلين شلوصر.
5_ترجمة كتاب: “من روائع غوته”.
6_ترجمة كتاب: “ثلاث سنوات في شمال أفريقيا” ل هاينريش فون مالتسان.
7_ترجمة كتاب: “الإنسان الطيب” ل بريخت برتولد.
وغيرها من الترجمات الكثيرة والمتنوعة.
وقد عانى الدكتور أبو العيد دودو صعوبة في نشر أعماله الأدبية والعلمية، فما زالت العشرات من مخطوطاته الإبداعية في مختلف الميادين مكدسة ببيته الصغير بأعالي العاصمة، كما يوجد منها في إدراج دور النشر الجزائرية والأجنبية، ولعلها ترى النور يوما ما.
وقد شارك الدكتور أبو العيد دودو في العديد من المؤتمرات الوطنية والدولية، وكان له دور كبير في التعريف بالأدب الجزائري وتاريخ الجزائر، وقد نال العديد من الجوائز على أعماله الفكرية.
صفاته وأخلاقه:
عرف أبو العيد دودو بالهدوء والرزانة، وحسن السيرة والسلوك ودماثة الاخلاق، ولا غرابة في ذلك، فهو من حملة كتاب الله، وخريج معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، وجامع الزيتونة بتونس.
كان لا يرى إلا باسم الوجه، طلق المحيا، رقيق الطبع، سهل المعاشرة، زينة كل مجلس، تطبعه الدعابة، وتزين وجهه الابتسامة، كان محببا لزملائه، من أمثال: أبو القاسم سعد الله، وعبد الرزاق قسوم، ومحمد الأخضر السائحي، وغيرهم.
عانى الدكتور دودو من التهميش والإهمال في حياته وحتى بعد مماته، فلم يقدر الكتاب والنقاد كتابات أبو العيد دودو حق قدرها لاعتبارات كثيرة، ولم يحظ بعطاء مادي، أو تقدير سياسي، ولم يطلق اسمه على مؤسسة جامعية أو ثقافية ذات بال.
إعداد الأستاذ مسعود بولجويجة
باحث في التاريخ والتراث المحلي