أقلام

المولد النبوي الشريف عادات وتقاليد

بقلم الزاهي دنيا

 

هي المناسبة الذكرى والفرحة البشرى تعود الينا من جديد حاملة لنا في طياتها ذكريات الزمن المجيد، تروي لنا حكايا خير الأنام قصة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم والتي تعد بمثابة تجسيد واضح لولادة عهد جديد من الرحمة والعدالة، والتوحيد وعبادة إله واحد لا شريك له وإعلان رسمي كان بمثابة الشهاد على انتهاء زمن الظلم والجهل السائد أنداك. 

إنه المولد السعيد والقدر العظيم الذي أنار الدروب وبنوره أشرقت القلوب وبه نفتتح واياكم العدد حيث حطت قافلتنا بالمسك والبخور ضيفة في ليلة الثاني عشر من ربيع الأول على مائدة تنوعت فيها العادات والتقاليد، وتزامنا وذكرى مولد خير الأنام، وقع اختيارنا على عادات وتقاليد تفننت العائلات الجزائرية في طبخها احتفالا بهذه المناسبة، وكانت طبقنا الرئيسي ووجبتنا التي سنشاركها وإياكم مراحلها، وحاكيها بالتفصيل. 

بدايتها أي المناسبة تعود الى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي صادف يوم الاثنين في أوائل شهر ربيع الأول بعام الفيل سنة 571 ميلاديا، فيما اختلفت الروايات والمواعيد التي قام المؤرخون بذكرها، وتعليمها حول ميلاد خير الأنام صلوات الله عليه ما بين ما يراه أهل السنة والجماعة، حيث قيل بأنه يوافق   التاسع أو الثاني عشر من ربيع الأول، وأرجعه المذهب الشيعي وكما هو معروف عندهم لكونه يصادف السابع عر من نفس الشهر أي ربيع الأول. 

فكانت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر الدلائل والمؤشرات على نبوته وعظيم شأنه، فقد روي عن السيدة أمنة والدته عليه الصلاة والسلام، أنها حين وضعته رأت نورا يخرج من فرجها أضاء مشارق الأرض ومغاربها حتى أنه أضاء قصور الشام، كما جاء على لسان أم عثمان بن أبي العاص لم حضرت لولادته صلى الله عليه وسلم رأيت البيت حين وضع قد امتلأ نورا والنجوم تدنو، حتى ظننتها سوف تقع علي فكان ميلاده صلى الله عليه وسلم بمثابة نقطة تحول كبيرة في حياة البشرية جمعاء. هذا ما جعل من قصته محور اهتمام خاص يحرص جميع المسلمين على تلقينها وتدريسها لأبنائهم للاقتداء بها، وبالتالي يكونون على دراية تامة بها وبكامل تفاصيلها لتكون فخرا لهم وموروثا عظيما للأجيال القادمة تناقلته منذ أزمنة غابرة 

وقد احتفل المسلمون على مر العصور بهذا اليوم المبارك وذلك في عهد الدولة الأيوبية والفاطمية وكذا العثمانية، وهذا ان دل على شيء فهو يؤكد على قدسية هذا اليوم، ويعزز مكانته صلى الله عليه وسلم. ورغم اختلاف المناطق والمسميات يبقى للاحتفال بهذا اليوم المبارك جو خاص، وقاسم مشترك تشترك فيه الأمة المسلمة عامة والجزائرية خاصة. اذ تبدي هذه الأخيرة اهتماما كبيرا بهذا الاحتفال الذي تكون العادات والتقاليد محور جلساته، يغلب عليها الطابع التجمعي حيث تجتمع الأسر في جو عائلي تجسده لقاءات عائلية خاصة بهذه المناسبة الدينية. على مائدة عشاء تتفنن النسوة في طهويها وبالعادة تكون الثريدة و الشخشوخة والرشتة بلحم البقر أو الدجاج المحمر. سيد المائدة وقاسم مشترك لدى كل بيت. 

حيث تقام الحفلات ويتم دعوا الأقارب والجيران لأجل الاحتفال بتلك المناسبة، التي تعتبر بالنسبة لنا فرصة للم شمل العائلة. 

مظاهر وطقوس

وتتجلى مظاهر الاحتفال بهذا اليوم، الذي يسبق موعده بأيام حيث يتم التحضير له مسبقا بداية تحضيراته تكون بتزيين الجوامع والمنابر العلمية وإقامة المحافل الشعرية المليئة بالمدائح النبوية والقصائد المحمدية، ويلعو صوت القران من جهة أخرى على مسامع الجموع، أين يكثر المدح وتسبقك ريحة المسك والبخور. 

والمتجول في أسواقنا الجزائرية الشعبية قرابة قدوم العيد بأيام، سيلاحظ حركية واسعة للتحضير لهذه المناسبة وهي عادة لازمت النسوة منذ القديم، لقضاء مستلزمات وجلب مشتريات الاحتفال. ومن بين عادات وتقاليد التي لازالت راسخة في تراثنا الجزائري تلك السهرة العائلية التي يجتمع فيها الأهل والأحباب رفقة الجيران على صينية فيها كل مالد وطاب من قهوة وشاي ومكسرات يزينها طبق الطمينة سلطان المائدة. ووسط هذا الجو العائلي المفعم بالإيمان   تغتنم النساء فرصة البقاء بالمنزل لتغني بخصال الرسول صلى الله عليه وسلم، والمديح الديني الذي تقدمه في الغالب فرقة محلية تغني الأندلس أو العيساوة تمتزج فيها الزغاريد وتحيطها الشموع. 

وتختلف مظاهر الاحتفال بين منطقة وأخرى، ومن الشرق الى الغرب الجزائري، لكل منهما عادات وتقاليد مميزة تجمل هذا اليوم وعلى طريقتها تحييه. وبحديثنا عن ولايات الشرق، كان لابد لنا من وقفة على عروس الشرق قسنطينة. المدينة التي لازالت محافظة لليوم احياء ذكرى المولد النبوي الشريف غير أن طابع الاحتفال اختلف بين الماضي واليوم. فقديما كانت الاحتفالات بمدينة الصخر العتيق تستمر طيلة الأسبوع، أي بداية من 11 ربيع الأول   الى 17 منه، حيث كان القسنطينيون يولون اهتماما بالغا للجانب الديني، أين تشهد الزوايا القسنطينية على غرار زاوية بن عبد الرحمن وسيدي راشد اقبالا وكانت قبلة لشيوخ، حيث يعتكفون بها مصغيين لحلقات المدح والذكر. وأين كان يتلى القران بالتجويد على مسامع الحضور. 

 

كما كان للجانب الدنيوي زي خاص ترتديه العائلات القسنطينية خاص بهذه الذكرى، حيث كانت النسوة بالمنطقة تباشرن عملهن قبل بزوغ الفجر، أين تجتمع العائلة والجيران في جو عائلي عند وسط الدار، للتعاون على اعداد الأطباق الخاصة بالمناسبة وبكميات كبيرة، من تريده وشخشوخة تحتفظ بجزء لأهل الدار ويقمن بتصديق الكمية المتبقية، بإخراج قصعة ممتلئة بالثريدة واللحم الى المساجد أو أمام عتبة الدار ليتسنى لعابري السبيل تذوقه. وفور الانتهاء أي بحلول المساء تسارع النسوة بتنظيف البيت وتعطيره بالمسك والبخور، ويرتدين ملابس جديدة استعدادا منهن لسهرة المولد، التي تفتتحها النسوة بالحنة سلطانة السهرة، وما يصاحبها من اشعال شموع ودق طبول، ومدائح دينية تنشدها الحاضرات في جو بهيج يفوح بالبخور. دون أن ننسى حكايا الجدات التي تزين السهرة وتزيدها فرحة وبهجة. ويتواصل الجو البهيج الذي يغلب عليه الطابع الايماني، وملؤه التآزر بين أفراد الحي والعائلة طيلة اليوم. وبحلول اليوم الجديد أي  يوم المولد ( لإشارة عشاء المولد بقسنطينة يسبق موعده بيوم)تستقبله النسوة بتحضير الغرايف  والقريوش ما يزيد الجو تضامنا، في صورة بهية تحتفظ بها  الأسرة في ذاكرة متحفهن تحكيها للأجيال عن واحدة من سهرات الزمن الجميل. كما كانت الذكرى مناسبة للبعض لختان الأطفال وتقديم أضاحي للمحتاجين. 

قسنطينة اليوم غير الأمس، فذاك الطابع الإيماني الذي يسوده التآزر غاب اليوم، ما عادت جلساتنا كالسابق، وما عدت الشخشوخة  و التريدة تزين مائدة القسنطينية. حيث تخلت عن عاداتها وتقاليدها وتمسكت بغيرها فحل الشواط اليوم محل الأمس، والطمينة بدلا من الغرايف وباتت المفرقعات والألعاب النارية زينة سهرتنا بدل المديح. غير أنه لا يمكننا تعميم كل هذا حيث لاتزال القلة القليلة من العائلات القسنطينية تحتفظ بموروثها. 

ومن الشرق نشد الرحال للغرب واياكم وعادات وتقاليد العائلات المستغانمية  نحكيهالكم. والتي تكون في العادة بالتزامن مع حلول شهر ربيع الأول بدايتها تكون بتنظيف البيوت واقتناء أغراض منزلية جديدة تباركا بهذا الشهر الفضيل، كما تشهد مختلف المساجد والزوايا منذ مطلع الشهر قراءة الهمزية  للشيخ النبهاني، التي تضم 1000 قصيدة حول الرسول صلى الله عليه وسلم. وتختتم هذه الجلسات ليلة المولد بختم هذه القصيدة وقراءة الأحاديث النبوية الشريفة. والعائلات المستغانمية  كغيرها من العائلات تشترك  احتفالاتها  في إقامة جلسات بحضور الأهل والأحباب وكدا الجيران، على مستوى الأحياء الشعبية يكون الشاي والحلويات التقليدية سلطانها   الى جانب القاء مدائح وقصائد شعرية. وكما جرت العادة تستقبل النسوة فجر يوم 12 ربيع الأول بالزغاريد وطهي مختلف الأكلات مثل البر كوكس بالدجاج   والرفيس  والتقتنه دون أن ننسى الرقاق بالدجاج والذي يعتبر من الأكلات التقليدية المشهورة عند لتختتم بقرع الطبول ووضع الحنة للأطفال 

والمميز في مناطقنا هو التمازج والتقارب بين العادات والتقاليد التي   تقام في هكذا مناسبة، وهذا ما لاحظناه خلال رحلتنا من الشرق للغرب ، مؤكدين بذلك أننا أمة واحدة وبقلب وطن واحد نعيش وان فرقتنا المسميات والمناطق يبقى التراث الجزائري المنكه بالعادات والتقاليد عنواننا وقاسمنا المشترك

.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى