أقلامثقافة

النضال بالكاميرا في أفلام المخرج الفرنسي رينيه فوتييه René Vauthier

ليليا عثمان الطيب

أستاذة جامعية(جامعة الجزائر-02-)

 

جاء في مقدمة المترجم أحمد يوسف لكتاب أساسيات الأخراج السينمائي للمخرج والسيناريست نيكولاس تي بروفيريس:” الإخراج هو أعلى مراحل صناعة الفيلم، فالسيناريو يصل إلى المخرج-حتى لو كان هو كاتبه-مجرد كلمات مطبوعة على الورق، ومهمته الأولى هي أن يفسر هذه الكلمات ويفكر في طريقة ترجمتها إلى صور، وهنا يأتي دور خبرته في مختلف الحرف السينمائية مثل خبرة قائد الأوركسترا بالعزف على آلات موسيقية مختلفة، فهو يدرك-على الأقل- كيف تعمل الكاميرا وما إمكانية تحقيق صورة ما في ذهنه، كما أن لديه إحساسا ما بإستخدام الصوت أو الصمت في تأكيد اللحظة الدرامية للمشهد، وهو أيضا يعرف أن المونتاج أداة من أدوات هذا التأكيد، لكن المونتاج لايصلح لكي يعيد خلق مادة مصورة ليست فيه رؤية لما سوف يكون عليه الفيلم النهائي” .

يؤكد هذا الكلام بأن السينما هي المخرج فكيف سيكون الفيلم إذا كان مخرجه يجمع بين الإبداع والنضال ضد الظلم ومناهض لإحتلال الشعوب، هكذا كان المخرج والسيناريست الفرنسي رينيه فوتييه René Vauthier (1928-2015) مؤمنا بالقضية الجزائرية وبحق الشعوب في تقرير مصيرها وصور ذلك في فيلمه الأول إفريقيا50 Afrique 50)) الصادر سنة 1950 ويعتبر أول فيلم سينمائي مناهض للإحتلال الفرنسي مدته خمسة عشر دقيقة وتم سجنه بسبب الفيلم، كما منع من العرض مايقرب عن 40 سنة .

لقد إرتبط إسم رينيه فوتييه بالثورة الجزائرية وكان أحد أنصار جبهة التحرير الوطني وقتها فقد أشرف على أول مدرسة للتكوين السينمائي للثورة الجزائرية بالأوراس(بالشرق الجزائري)، ففي سنة 1957 تم إنشاء أول مدرسة سينمائية جزائرية في أعالي الجبل L’ecole de cinéma du maquis بالولاية الأولى للمنطقة الخامسة وبالضبط في تبسة أطلق عليها اسم فرقة فريد Groupe Farid، حيث أخرج في تلك الفترة عدة أفلام من بينها أمة، الجزائر Une nation,l’algérie سنة 1954 كما أخرج بمساعدة فرقته فيلمه الشهير الجزائر تحترق L’algérie en flammes سنة 1958 وهو فيلم قصير أنتجه بالتعاون مع شركة RDA من جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وقد أحدث هذا الفيلم ضجة كبيرة آنذاك لأنه صور في قلب الأوراس وجسد الحياة اليومية للجنود في الجبال وبعض الأعمال الفدائية التي قاموا بها، وبعد إستقلال الجزائر أخرج فيلم الشعب يسيرPeuple en marche  سنة 1963وهو أول فيلم في الجزائر المستقلة،وبقي في البلاد بضع سنوات كان فيها مسؤولا عن دور السينما الشعبية و أخرج فوتييه في العام 1972 أن تكون في العشرين في جبال الأوراس Avoir 20 ans dans les Aurès  مدة الفيلم 97 دقيقة وقد حاز على جائزة النقاد العالمية في مهرجان “كان” في السنة ذاتها، يروي الفيلم قصة مجموعة من الشبان الفرنسيين المسالمين حولتهم الحرب الجزائرية الى وحوش،ومن أجل كتابة سيناريو الفيلم، قابل المخرج عشرات الجنود العائدين من الجزائر، حاملين معهم صدمات وندوب ما عاشوه هناك و تسبب عرض الفيلم في قاعات السينما في فرنسا باضطرابات عامة، بل وقع اعتداء على إحدى الدور الباريسية .

إن النضال بالكاميرا بالنسبة للمخرج السينمائي يمثل تحديا كبيرا فالأفلام الثورية رغم أنها في العادة تقدم صورة واقعية عما يحدث في بلد ما إلا أن رؤية المخرج لاتغيب عنها فقد تتغير معاني هذه الأفلام عند مشاهدتها خارج ثقافتها لكن أفلام فوتييه الثورية  كانت رمزا للإحتجاج والثورة وإنعكاسا لغضب شعب من حقه أن يعيش حرا مستقلا في وطنه لذلك جسد بكاميرته صوت الشعب الغاضب الرافض للإحتلال مما عرضه للكثير من المضايقات نتيجة أفلامه لكن فوتييه ظل متمسكا بإيمانه بعدالة القضية الجزائرية وقد صورت سينما فوتييه في أكثر من محفل المظاهرات والتمرد والثورة، منها ما كان حقوقيا أو ثوريا ضد الاحتلال والظلم أو بحثا عن العدالة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى