
ظهور النظام العالمي الجديد سيبدأ من تحديد علاقات دولية جديدة، ونزع فتيل صراعات وحروب وإعادة الحقوق إلى أهلها.
لعل العولمة التي ظهرت مع هيمنة أحادية القطب، سنة 1991، رغم إجحافها وتسلطها، أدت إلى نتائج عكسية بدأت مظاهرها تتضح في كثير من بقع العالم والقرارات السياسية التي لم تكن متوقعة على الأقل في الأمد القريب، فالانقلاب في العلاقات
الإستراتيجية بين الدول مؤشر يدل على أن انقلاب النظام العالمي أصبح حقيقة لا رجعة فيها.
وقعت السعودية والجزائر أكثر من ثلاثين اتفاقية، في إطار التعاون والشراكة الإستراتيجية، واعلنت السعودية عن تشكل المجلس السعودية للشراكة الإستراتيجية مع الجزائر، وتزامن هذا الحدث الهام والأول من نوعه مع إعلان السعودية وإيران عن تجديد علاقاتهما السياسية، بعد مفاوضات طويلة ترعاها دولة الصين الشعبية، وكانت دولة العراق وسلطنة عمان استضافتا نسختين منها سنة 2021 و2022 على التوالي ولا شك أن لهذين الحدثين اهمية كبيرة لدى المحللين الاستراتيجيين والمراقبين السياسيين.
وتبدأ هذه الأهمية من حيث تقارب السعودية والجزائر وإعلانهما عن شراكة استراتيجية مستقبلية سيعني بداية استقلالية القرار والتخلص من دور القوى التي تسيير النظام العالمي السابق، وتعني كذلك انقلابا على البروتوكول ولعبة تحديد العلاقات الدولية بحسب الانتماء الأيديولوجي القديم على الأقل، وغياب القوى التي كانت تحتكر الإشراف عن تحديد هذه العلاقات يشكل أسسا مرجعية كافية لقراء ة موضوعية مفادها أن العالم قد تغير.
كما يمكن أن يكون توقيع الالتزام بميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي من طرف السعودية وإيران عنوانا بارزا على تدخل الصين الشعبية في تصميم النظام العالمي وتحديد العلاقات الدولية وهذا يجعلها قوة مسيرة في العالم إذا لم تكن القوة الأكبر في هذا الشأن.
ولا يمكن أن نهمل الأهمية الكبيرة لهذه الدول الثلاثة أي السعودية والجزائر وإيران ثم علاقاتهم المتنوعة مع النظام العالم السابق وما يعنيه هذا التفاهم في المنطقة على مستوى الجغرافية السياسية للمنطقة وللعالم أجمع.
ولعل الكلام عن إصلاح مجلس الأمن، وهو ما يعني إصلاح الأمم المتحدة يطرح إشكالات هل يتم هذا الإصلاح على المستوى العملي فقط؟! أم كذلك على المستوى المفاهيمي؟!، خصوصا للذين ينتظرون إسقاط مفاهيم الهيمنة، خصوصا مفاهيم التدخل بذريعة حقوق الإنسان، ومفاهيم الواقعية السياسية، ومفاهيم الهيمنة الاقتصادية عن طريق أجندات التنمية المستدامة وحرية التجارة المؤطرة كلها بالقانون الدولي لحقوق الإنسان وأكبر الأسئلة هل يستمر المجلس الاجتماعي الاقتصادي لحقوق الإنسان وما هي أدواته المستقبل وما شكل منظمات المجتمع المدني في النظام العالمي الجديد.
وما هو شكل اتفاقيات التعاون الجديدة وكيف تتخلص الدول من اتفاقيات التعاون في مضمونها القديم؟! أي اتفاقيات انيوكولونيال.
بقلم: حسان ميليد علي