أقلام

بالنسبة للمسلمين.. خطر اليمين المتطرف في أوروبا و فرنسا

‪ ‬‬

بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الأحد قبل الماضي، أنه قرر حل الجمعية الوطنية، وذلك بعد إعلان النتائج الأولية في الانتخابات الأوروبية‪.‬‬
ودعا ماكرون إلى انتخابات تشريعية مبكرة بعد أن تعرض حزبه لهزيمة ثقيلة في انتخابات البرلمان الأوروبي‪.‬‬

وقال ماكرون في خطاب للأمة من قصر الإليزيه الرئاسي: “لقد قررت أن أعيد لكم خيار مستقبلنا البرلماني من خلال التصويت. ولذلك فإنني أحل الجمعية الوطنية”. وأضاف أن التصويت سيجرى على جولتين في 30 حزيران-يونيو و7 تموز- يوليو‪.‬‬
وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي أظهرت فيه النتائج الأولية المتوقعة من فرنسا يوم الأحد تقدم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بفارق كبير في الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي، متغلبًا على الوسطيين المؤيدين لاوروبا بزعامة ماكرون، وفقًا لمعاهد استطلاع الرأي الفرنسية‪.‬‬

المسؤولية الأخلاقية والمدنية ذات الأهمية القصوى‪.‬‬
‪ ‬‬
اليوم في فرنسا جدل كبير حول الانتخابات المصيرية للجالية المسلمة في أوروبا عموما و فرنسا خصوصا، فقد حان فعلا وقت الجد بدل الهزل و التسويف. إذ أن هذه الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا تمر بفترة صعبة ومضطربة، ومستقبل أجيال المسلمين على المحك. لأن هذه الانتخابات التشريعية ليست عادية، بل هي انتخابات تاريخية وحاسمة ستحدد اتجاها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا جديدا لفرنسا في السنوات القريبة الآنية و القادمة. ولهذا السبب فهي من الأهمية بمكان أن تشارك فيها جاليتنا بحزم و عزم وقوة ونشاط في إسماع أصوات الأقليات التي تتلاعب بها الأحزاب اليمنية المتطرفة !!
‪ ‬‬
التصويت في الغرب قانوني و مصيري؟
‪ ‬‬
المشاركة في الحياة المدنية واجب على كل مواطن مهتم بمستقبله ومستقبل الأجيال القادم، إذ يعد التصويت ممارسة ديمقراطية أساسية وحاسمة، خاصة في الأوقات المهمة مثل تلك التي نمر بها حاليًا في فرنسا خصوصا و أوروبا عموما، كما أن اللامبالاة في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعددة هي شكل من أشكال الإهمال غير المسؤول، الذي يهمله عدد كبير من مواطنينا العرب و الافارقة في فرنسا. لهذا و اكثر من هذا يجب عليهم أن يساهموا في تحقيق الصالح العام لمنع أي ضرر محتمل والدفاع عن حقوقنا وحرياتنا، لأن التصويت هو تعبير عن حق في الحياة والوجود .
ورغم كل هذا لا يزال بعض من شبابنا يسألون أنفسهم السؤال السخيف: هل التصويت في الغرب قانوني وواجب على المسلم ؟ يبدو أن مثل هذا النقاش المطروح اليوم يأتي من عصر آخر بل من العصر الحجري، حيث أنه عفا عليه الزمن بالنسبة للأغلبية الساحقة من المواطنين المسلمين في فرنسا وأماكن أخرى، سواء اختاروا المشاركة في الانتخابات أم لا. وفي وقت ديمقراطي مهم سواء كانت انتخابات محلية أو جهوية أو رئاسية، فالأمر واحد و المسؤولية جماعية . ومن المهم تذكير المؤمنين والمسلمين بالأمر الواضح، وهو إمكانية ممارسة الجميع لواجبهم المدني دون أي قيود دينية، فالإسلام يشجع على المنافسة و الاختيار و الغربلة بالتصويت السلمي، و ليس فرض قناعات بالقوة و الهراوات، كما هو حاليا في الصومال و السودان و اليمن .. مع كل أسف!!
وما دام أن هناك من شبابنا الذي لا يزال البعض منهم يتساءل عن مدى قانونية المشاركة في الانتخابات، و هل هي مشروعة دينيا و إسلاميا أم لا، و لمساعدتهم على رؤية الأمور بشكل أوضح واتخاذ أفضل القرارات، نتناول اليوم ثلاثة أسئلة رئيسية تطرح عادة في الغرب وفي فرنسا بشكل خاص ..

الإسلام يشجع بشكل عام على المشاركة الإيجابية في الشؤون الجماعية للوطن الذي نعيش فيه
‪ ‬‬
على المستوى الديني و الإسلامي أقصد، فإن نزع الشرعية عن التصويت على أساس حجج لاهوتية مغلوطة أمر سخيف. لأن البحث عن رأي فقهي للحكم على شرعية هذه الممارسة الديمقراطية هو في رأيي أمر لا معنى له ومضلل. ومن المهم أن نتذكر ابجديات الأخلاق و المعاملات الإسلامية تشجع عمومًا على المشاركة الإيجابية في الشؤون الجماعية والمساهمة في الصالح العام للمحيط ة التربة التي نعيش على خيراتها. و معلوم للعام و الخاص أن الأهداف الرئيسية للمعاملات الإسلامية هو تعزيز العدالة والرفاهية العامة، للناس كافة، دون تمييز عرقي او لوني أو ديني !!‪.‬‬
لذا فإن استخدام فتاوى مستوردة من العصر الحجري، لنزع الشرعية عن التصويت هو خدعة لا ينبغي لنا أن نقبلها أبدًا. لكن كيف يمكن أن نفسر وجود بعض الآراء العربية – لكي لا أقول سلفية الفهم، لأن السلفية منهم براء – غير المؤيدة للتصويت في المجتمع الغربي؟ في رأيي، الجواب بسيط: أولئك الذين ينزعون الشرعية عن التصويت يشككون في الديمقراطية ويستخدمون فهومات بعيدة عن الدين، بوعي أو بغير وعي، لتعزيز القبلية والعشائرية المتزمتة. وهذا عكس التصويت الذي هو من حيث المبدأ شخصي وسري و إسلامي، علما أن رسول عمل بالشورى، و الخلفاء من بعده رشحوا قائمة ممن يمكنهم تسيير شؤون الوطن، و ترك الاختيار لبعضهم الاخر، و هكذا دواليك، حتى خرجت العنصرية و القبلية فهلكت الحرث و النسل ، و لا زلنا نتجرع مراتها عبر الأجيال لحد الساعة !! …
‪ ‬‬
إن أية ديماغوجية انتهازية تسعى إلى الاستفادة من الغضب والقلق والخوف ، أمر غير مقبول
‪.‬‬
إن الديمقراطية التمثيلية هي أثمن ما لدينا في الدول الغربية. إنها أفضل طريقة لدينا للمناقشة والمشاركة في الحياة العامة. ويجب أن يعيش ويحافظ عليها الجميع بشكل دائم. ومن الواضح أن المخاوف تشمل جميع التكتلات، بما في ذلك جاليتنا المسلمة، لأن المخاطر كبيرة في عالم أصبح خطيرا بسبب الحروب والتوترات الجيوسياسية. وينبغي أن يكون المبدأ التوجيهي هو المساواة في الكرامة بين البشر، ودعوتهم إلى التمتع بنفس الحقوق و الواجبات، ودعوتهم إلى الاحترام المتبادل والتضامن والعدالة والأخوة، في البلد الواحد والمجتمع الواحد‪.‬‬
فالقوة الشرائية والخدمات العامة والعلمانية والهجرة والأمن هي هموم مشتركة بين جميع المواطنين، مهما كانت معتقداتهم أو قناعاتهم. نحن نرفض كراهية الأجانب و نرفض العنصرية وجميع أشكال التطرف. كما نرفض الاسلاموفوبيا، أما محاربة السامية، فهذه كذبة العصر، لأن العرب ساميون في أصلهم مثل اليهود و أعراق أخرى، فكيف نكون كعرب ساميون أعداء للسامية !!
نحن نرفض أي شبهة تحوم حول ولاء المواطنين المسلمين تجاه إخوانهم المواطنين من جنسيات و ديانات أخرى في البلد الواحد الذي يجمعنا جميعا !!‪.‬‬
‪ ‬‬
ولا يسعنا إلا أن نستنكر أعمال العنف التي اتسمت بها بعض المناقشات السياسية والإعلامية، علما أن قيم الجمهورية الفرنسية – الحرية والمساواة والأخوة – مبدأ نبيل في ظاهره، لا يرفضه إلا مكابر.. فإسلامنا لا يعارض هذه المبادئ بل دعى بها منذ قرون و لازال !!
في هذه الأوقات المضطربة، أصبح إضفاء الأخلاق على الحياة العامة ضروريا أكثر من أي وقت مضى. إن أي ديماغوجية انتهازية تسعى إلى الاستفادة من الغضب والقلق والخوف لوصم الآخرين هي أمر غير مقبول. ألا ينبغي أن نتذكر المادة الأولى من الدستور التي تعكس فكرة فرنسا وقيمها: ” فرنسا جمهورية علمانية وديمقراطية واجتماعية لا تتجزأ. وتشريعاتها تضمن المساواة أمام القانون لجميع المواطنين دون تمييز في الأصل أو العرق أو الدين. إنها تحترم جميع المعتقدات. تنظيمها لا مركزي. ويعزز القانون المساواة بين النساء والرجال في الوصول إلى الولايات الانتخابية والوظائف الانتخابية؛ فضلا عن المسؤوليات المهنية والاجتماعية‪. »‬‬
‪ ‬‬
تعليق على ما يسمى عادة بالأفضلية الوطنية وتداعياته
‪ ‬‬
التعليق على ما يسمى عادة بالأفضلية الوطنية وتداعياته التمييزية في مسائل القانون العام والمساواة بين جميع المواطنين أمام القانون. ويمكن لليمين المتطرف (الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبان) أن تزيد من تصلب المجال الاجتماعي، والحريات الأساسية، تحت غطاء الأمن العام والعلمانية، ستصبح الخطب والسلوكيات التي تنطوي على الوصم والتمييز أكثر ديمقراطية وأكثر وضوحا؛ ثقيلة عقليا وبالتأكيد لا تطاق على المستوى البشري! ولا شك أن الحياة الاجتماعية، مع انعدام الثقة السياسية التي ستتبعها، سوف تتأثر بشدة‪.‬‬
إن مسألة الجنسية الأحادية تقدم لنا خدمة في الواقع إذا كانت تشمل جميع مزدوجي الجنسية؛ وهو ما سيفاجئني، بمعرفة وزن (البعض) الذين تعرفونه في فرنسا؛ كما هو الحال بالنسبة لمسألة التدخل الأجنبي، التي تثير التساؤلات حول الحلف الأطلسي والسيطرة على…(..).. من خلال الأميركيين. في السياسة، يجب عدم الخلط بينها وبين السياسة الشرعية، هي فن الخداع والتسوية وتغيير الوجوه. إن أي برنامج انتخابي يشمل فقط أولئك الذين يؤمنون به، ونحن نعلم ذلك. ولهذا السبب نحن نتحدث عن أهون الشرين، و للوقوف على ما ينشده الإسلام في مثل هذه المناسبات، قد يطول بنا المقام للشرح و التعليل، و قد أطنبت قبلنا مؤسسات وعلماء و ندوات و موسوعات في الموضوع، نختصرها في النقاط التالية :

الانتخابات وأحكامها في الفقه الإسلامي
إن الانتخابات من أهم الموضوعات المعاصرة تداولا، أقيمت لها المؤتمرات والندوات ودرست في الجامعات بشقها القانوني، وأنشئت لها الهيئات والمؤسسات والمرجعيات التي تقوم عليها وتديرها، بل أخذت الدول في إقرارها وسن القوانين التي تنظمها، وأصبحت وسيلة من أهم وسائل الوصول إلى الحكم وإدارة الدول، مع ما يرافق هذه الانتخابات من مفاسد وإعلام ومال يشوه الحقيقة أحيانا كثيرا و يزين البرامج و المترشحين بمساحيق تجميل آنية كثيرا ما يصادفهم الواقع عند الممارسة !!
ومادام هذا الدين الاسلامي وشريعته السمحاء صالحة لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، و أنَّ لها في كل واقعةٍ حكماً، وفي كل نازلةٍ بياناً، وفي قواعدها وأصولها بيانٌ لكل المشكلات، وحلٌّ لكل المعضلات. والناس بحاجةٍ ماسَّةٍ لبيان الحكم الشرعي لكل الوقائع والمستجدات الحادثة.
ومن ضمن القضايا الفقهية في العصر الحاضر، ما يتعلق بالطرق والوسائل في السياسة والحكم، ومن أشهرها: العملية الانتخابية، فهي وسيلةٌ عصريةٌ جديدةٌ؛ للوصول إلى مختلف الولايات من رئاسةٍ أو برلمان أو غير ذلك.
الحكم والولاية في الشرع الإسلامي ..
وقد انتشر تطبيقها في العصر الحاضر انتشاراً كبيراً منذ عقود، فطبقته جميع الأنظمة الديمقراطية الغربية المعاصرة، وجرى العمل بها في كثيرٍ من بلاد المسلمين، فكان من المهم أن تتم دراسة هذه الطريقة وبحث نوازلها ليتوصل من خلال ذلك إلى معرفة الحكم الشرعي فيها، وفي المسائل والأحكام المتعلقة بها.
لأن أهمية هذا الموضوع تتجلى بأهمية متعلَّقها وهو الحكم والولاية، وهما من الأمور الضرورية لأيِّ مجتمع. ثم إن موضوع الانتخابات مما يهم عامة الناس حيث يشاركون فيها جميعاً، وتظهر آثارها على المجتمع كله، كما أن انتقال طريقة الانتخابات من البلاد الغربية للأمة الإسلامية يستدعي دراسةً عميقةً ودقيقةً لها، لمعرفة الحكم الشرعي فيها. فهذا الموضوع من المسائل الجديدة التي تحتاج إلى دراسةٍ تأصيليةٍ تفصيليةٍ، تتناول الانتخابات استقلالاً، إذ إنَّ كثيراً من الدراسات حولها إنما تتطرق إليها تبعاً لبحث الديمقراطية.
وقد قسَّمه الباحثون إلى فصولٍ، بداية بتعريف الانتخابات وأنواعها ونشأتها وطرقها، و التخريج الشرعي للانتخابات حكمها. وذكرت الأحكام المتعلقة بالمنتخِب، كحكم المشاركة في الانتخابات في الغرب، ومشاركة المرأة، ومشاركة غير المسلم، ومشاركة أهل البدع والأهواء، ومشاركة ناقص الأهلية في الانتخابات، وشروط المنتخب، الخ ….
متبوعة بالأحكام المتعلقة بالمنتخَب (المرشَّح)، رجلا او المرأة، وترشيح غير المسلم، وترشيح أهل البدع والأهواء، وتحدث أيضاً عن طلب الولاية، وولاية المفضول، وولاية غير المؤهَّل.
مرورا بالأحكام المتعلقة بالمنتخَب فيه، سواء كان الأمر خاص بالانتخابات الرئاسية، والانتخابات البرلمانية، أو الاستفتاء الشعبي، والانتخابات الفرعية.

مصطفى محمد حابس: جينيف / سويسرا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى