الأولى

بطالون يفتكون الملايين من العملة الصعبة شهريا

دون سجلات تجارية ولا ضرائب، استثمار الشباب في النت:

تحول عالم الانترنت الى حياة افتراضية موازية لتلك الحقيقية، على حد تأكيد وأحيانا تحذير الخبراء الاجتماعيين، خاصة مع غزو أجيال الانترنت للهواتف الذكية، لكن لم يشمل الأمر العلاقات والصداقات بل فتح أيضا سوقا كبيرة توفر كل ما يخطر بالبال لمن يلجها، هذه السوق التي أخضعها شباب جزائريون الى إرادتهم أو إلى حاجتهم، لتصبح العامل الأول ضمن مداخيلهم بعدما اختار كل مجالا يستغل فيه نباغته وفقا لـ”العمل الحر”، الذي ذاع صيته، هذا الغمار هو ما خاضته “الوسط” وسط السرية التي يفرضها غالبية “المستثمرين” في الانترنت حول محيطهم، نظرا لطبيعة “أسرار” المهنة وحتى ما تفرضه شروط الانترنت من جهة ثانية على رأسها اليوتيوب. 

“مارك” يوفّر الزبائن ويقرب المسافة .. لا محال ولا ضرائب

احتكت “الوسط” من خلال تحقيق الاستثمار في الانترنت، بعشرات المتعاملين ارتأتينا تقسيمهم لعينتين: الأولى يمكن تشبيهها بمن شكلوا سوقا افتراضية موازية لتلك الحقيقية، في مختلف المجالات تكتسحه مئات المجموعات عبر الفايسبوك، في مختلف المجالات تختص بالبيع والشراء والمبادلة، والأهم الوساطات، التي تمكن أصحابها من مداخيل لا بأس بها، ويتسم هذا النوع بالمزاوجة بين الافتراضي والواقعي فان كان ميدان نشاطه افتراضيا إلا أن التعامل أو القيمة المباعة ترتكز على الواقع، حيث تعتمد بدايتها على الفايسبوك، لتستكمل عبر الهاتف في تأكيد التواصل واستكمال المعاملات.على أرض الواقع

وهذا ما أوضحه لنا لغويلة غاني من سكيكدة، صاحب عدد من المجموعات على مدار 3 سنوات، وتشمل: “سوق سكيكدة”، الذي يشمل حوالي 58 ألف شخص، وكذا مجموعة “سوق الفاج صالح بوالشعور”، وأخرى خاصة بالنساء، وإن كان المعني لا يعتمد على مجموعاته في مداخيله كليا، كونه عامل بإحدى المؤسسات الوطنية، ورغم تذبذب مداخيل المجموعات إلا أنها أحيانا تمكنه من افتكاك مبلغ 30 ألف دج، في حين تخضع لعامل الدعاية لأشخاص أو البيع والشراء مثل أي سوق حقيقي، رغم العراقيل التي تواجههم والتي تأتي في المقام الأول من طبيعة عمل الفايسبوك بحضر المشاركات وحعلها غير مرئية خاصة للصفحات غير الموسومة بالعلامة الزرقاء، أو حتى حضر الحساب وذهاب تعب المجموعات عبثا نظرا لاسم الفايسبوك أو عدد المشاركات المسموح بها يوميا، في حين تدارك أنه يتوقع مستقبلا زاهرا لهكذا نوع من التجارة لأنها تقرب المسافات وتوفر الجهود.

في نفس الإطار نجد أشخاصا لجؤوا إلى الاعتماد كلية على المجموعات لتوفير الزبائن، والتخلي عن المحال، بعيدا عن أعباء المكوث بها وبعيدا عن الضرائب، حيث كشف لنا  “سمير ي.”، صاحب مجموعة “vente et achat des téléphones portables”، والتي تضم قرابة 123 ألف شخص، لنا أنه يستفيد من المجموعة على وجهتين الأولى من خلال التدخل على مستوى بعض عمليات البيع والوساطة وأخذ عمولة على ذلك، في حين أن استغلاله الأساسي للمجموعة يتم من خلال الاستفادة منها لكسب زبائن لإصلاح هواتفهم النقالة، وهو عمله الأصلي، وأوضح ابن السويدانية بالعاصمة، أنه اختار اسم البيع والشراء للهواتف النقالة حتى يكون أكثر جذبا بدل الاكتفاء بالإصلاح والذي لن يمكنه من توسيع نطاق المجموعة، وبالعودة الى طبيعة عمله في إصلاح الهواتف النقالة والذي يمثل نسبة 100 بالمائة من مداخيله، فهو ما توفره له المجموعة، حيث جذبت له زبائنا من 48 ولاية، وتوفير الجهد عليه، كما أن ذلك مكنه من التحرر من المحال، بعد الصعوبات التي لاقاها مع ملف الاستفادة من محلات الرئيس بالمنطقة، ليكتفي حاليا بالتعاون مع أحد معارفه، والعمل بمنزله الخاص، والزبائن توفرهم مجموعته الفايسبوكية.

التطور التكنولوجي يروج لليد التقليدية

كما نجد عينات أخرى اعتمدت على الصفحات والحسابات، التي تروج العديد منها لصناعات يدوية تقليدية أو حلاقات، أو صناعة الحلويات على سبيل المثال، وهي ما اختارت النساء الماكثات بالبيت خوضه. في هذا النطاق أبرزت لنا نور الهدى من باتنة، التي اختارت تسمية صفحتها على الفايسبوك باسم ورشتها، “خياطة الملابس التقليدية، باتنة”، حوالي 56 ألف متابع، كاشفة أن صفحتها التي تعود إلى سنة 2014، ساهمت في رفع زبائنهم بنسبة 50 بالمائة، ومن 48 ولاية، يشرفون على تجهيز: الملحفة الشاوية، والبرنوس، وكذا الكراكو.

صفحات فايسبوك بـ 9 مليون دينار وقنوات يوتيوب تنافس القنوات التلفزيونية

الجانب الثاني من استثمارات الشباب في الانترنت، يعد أكثر توسعا، ربحا، نشاطا، واعتمادا كليا على العالم الافتراضي، فهو يتعلق بالمنتجات والخدمات الافتراضية و إن ركزنا في تحقيقنا على نوعين من مداخيلها، وهي الأقرب للمتابعين إذ يحتكون بها يوميا، أي إعلانات غوغل ويوتيوب، كونه يعد الأكثر ربحا والأكثر خطورة، ويختلف عن القسم الأول من أنه يعتمد على العالم الافتراضي كلية، فالعمل عبر الانترنت والمداخيل من تمويلاتها، كما أن الوصول الى رواده يعد الأكثر صعوبة نظرا لرفضهم الظهور، والتعامل مع الصحافة، فهم يخشون المنافسة لأنهم يعملون على الهامش، ويرفضون منح ما يسمونها بـ”أسرار المهنة”، ناهيك عن التخوفات من حظر قنواتهم عبر اليوتيوب في حالة نشر أسمائها نظرا لطبيعة الفيديوهات واختلاف مصادرها، وهو ما رد به علينا، أحد مستخدمي قنوات اليوتيوب والتي يعتمد عليها في مداخيله التي تبلغ حوالي 2000 دولار شهريا، كونه يقوم بتحوير فيديوهات أجنبية.

من جهته  “خير دين ل.”، الذي تواصل معنا وهو بطال رغم شهاداته العليا، إلا أنه قرر الاستثمار في الانترنت التي يخوض غمارها منذ 2007، لتمثل له حاليا نسبة 100 بالمائة من مداخيله، وتبلغ ما يعادل 40 إلى 50 ألف دج شهريا، عبر مختلف أشكال استعمال الانترنت وما تتيحه من إشهارات ، بداية من المدونات أو المواقع الالكترونية والمنتديات سابقا قبل أن يتم التركيز على ربطها بالفايسبوك حاليا، كاشفا عن أرقام تكاد تكون خيالية إن تم مقارنتها بالعالم الافتراضي عقدت مقابل صفحات على الفايسبوك على سبيل المثال، صفحة بمليون إعجاب بيعت بـ 9 ملايين دينار، كونها توفر 5000 دولار بالشهر عبر الاشهارات ، إذا ما ربطت بموقع الكتروني جيد، فالصفحة بعدد المعجبين المحددة مع نشر مقال جاذب للقراء يقابله 200 ألف زائر، وتوفير 1000 دولار للمقال الواحد المثير، وهو ما يراهنون عليه. ورغم تراجع أسعار الصفحات خلال الآونة الحالية قليلا، بحسب ما اطّلعنا عليه من خلال عروض بيع صفحات من 200 ألف إلى 6 ملايين إعجاب بأسعار تتراوح بين 750 ألف إلى 4.5 مليون دينار، وموثقين بالعلامة الزرقاء من الفايسبوك.

 كما أضاف محدثنا أن البزنسة الافتراضية بصفحات الفايسبوك بلغت أوجها، وهو ما جعلها تجارة قائمة بذاتها إذ يعمد البعض الى فتح صفحات ورفع عدد اعجاباتها ثم بيعها، في حين آخرون يشترون صفحات بمحتوى أجنبي وإعادة البيع كأي وسيط بالعالم الحقيقي، ناهيك عن مداخيل عالم تحويل الأموال خاصة العملات النادرة من دولار وأورو وهو ما يشبه بورصة السكوار إلا أنها عبر الانترنت، خاصة أن هذه الأخيرة نادرة ومطلوبة، لكثرة الحاجة إليها أمام معاملات البيع والشراء الالكتروني والتسوق من الانترنت  أو من أجل دفع حقوق التسجيلات الالكترونية للطلبة بالجامعات بالخارج.

أما المداخيل باليوتيوب فبدورها ترتكز على سوق الإعلانات، الذي يعرف كسادا من جانفي إلى أفريل، قبل أن ينتعش في ماي إلى فترة الصيف وأواخر شهر ديسمبر ، وهو ما يتجهز له أصحاب قنوات اليوتيوب، والتي حدد لنا “خير دين ل.”، من عينات عنها من أمثال: “شبكة الجزائر Network DZ”، و”تحفى توب”  و”أخبار الجزائر  «DZ news  ، وبالنظر لعدد مشاهدات بعض القنوات باليوتيوب، فهي تشكل منافسة حقيقية للقنوات التلفزيونية، إذ تصل لـ5 ملايين مشاهدة في الشهر، مشبها آلية عملها بالسبق الصحفي، كونها تراهن للحصول على الأسبقية في الفيديوهات للحصول على الحصرية ومن يوفر السبق يوفر أعلى المشاهدات وبالتالي أكثر دخلا، لتمثل كل مليون مشاهدة 100 دولار، كاشفا عن مبلغ 10 آلاف دولار توفره أحد القنوات الجزائرية من خلال قناتها باليوتيوب.

وبالتوازي مع المداخيل الكبيرة تأتي الخطورة الكبيرة أيضا، فأخطار التلاعبات بهكذا عالم واسعة، من التعرض لنصب من طرف بعض الشركات مؤكدا أنهم راحوا ضحية ذلك بمبالغ بلغت 1000 دولار أحيانا، أو شركات أخرى توقف الدفع، لتبقى مكاسبهم بآلاف الدولارات رهينة الانترنت فقط.

قرار:  التخلف الإلكتروني يهرّب ما لا يقل عن مليون دولار شهريا

الخبير في تكنولوجيات الإتصال، يونس قرار، أبرز من خلال تصريحه لـ”الوسط”، حجم الصعوبات التي يغرق وسطها الشباب الذين اختاروا غمار جمع الأموال عبر خدمات الانترنت بداية من صعوبة تحويلها للجزائر، نظرا لعدم جاهزية البنوك، حيث ثمن جهود الشباب في خ هكذا عوالم، بداية من التجارة بين الأشخاص أي المقسمة بين العالم الافتراضي والواقعي أو التعامل مع الشركات الأجنبية وتقديم خدمات لها، مؤكدا أنهم تمكنوا من اثبات أن نشاطهم عمل تجاري بأتم معنى الكلمة، رغم بعض الاشكالات التي تطرح على أرض الواقع بداية مما تحذر منه جمعيات حماية المستهلك حول مدى ضمان جودة المنتجات وما شابهها وهو ما يستدعي من السلطات ايجاد حلول، من خلال ترسيم هذه التجارة وتقننيها.

أما المداخيل المقتصرة على حسابات الانترنت، فهي المعاناة الأكبر بحسبه، من خلال صعوبة تحويل العائدات الى الجزائر، كون البنك يشترط سجلا تجاريا، وهو غير المتاح وكذا صرف نصفها بالدينار والآخر تحتفظ به بالعملة الصعبة مؤكدا أن هكذا اجراءات تدفع بالجزائريين الى اللجوء للسوق الموازية، خاصة إذا أضفنا الى كل المعاناة السابقة عامل البيروقراطية وطول مدة التحويل، في حين أوضح أن الشباب استهدوا الى حلولا مؤقتة وصفها بالترقيعية، بتحويل عائداتهم إلى حسابات أصدقاء أو أقارب بالخارج، ليتم استقدامها لاحقا بطرق مختلفة سواء السفر أو شراء أجهزة من الخارج. ودعا الخبير السلطات الوصية الى التدارك، بخاصة في ظل الأزمة الاقتصادية، وضرورة الاستفادة من العملة الصعبة التي يجلبها هؤلاء الشباب، مؤكدا ان الناشطين في المجال لا يقلون عن 1000 مهندس يتعاملزن مع مختلف المؤسسات الأجنبية، مقترحا رقم 1000 دولار مداخيل في الشهر لكل شخص، وهو يساوي مليون دولار عملة صعبة يمكن استغلالها في عز الأزمة، لتدعيم جهود السلطات للحفاظ على العملة الصعبة، كاشفا أن العديد من المعنيين حاولوا التقرب من الوصاية إلا أنه لم يتم التدارك وهو ما يبقيهم رهيني الحلول الترقيعية.

من جهة ثانية حدد الاقتراحات لتوطين العملة الصعبة، داعيا لمنح الشباب المعنيين سجلا تجاريا عاديا، ودون ضرائب، مقابل نسبة من العملة الصعبة، وهو ما يعود بالفائدة على كل الأطراف من جانب الحكومة توفير العملة الصعبة، وتحديث التجارة الالكترونية، ومن جانب الشباب تخليصهم من الحلول الترقيعية والاستفادة بطريقة مباشرة من عائداتهم من الانترنت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى