أقلام

بن دودة و ابن هارون

بقلم: الوليد فرج

توصلت مع حدث عمومي – أنساق مع الواقع – بوصفه ثقافيا ، لصبغته الرسمية ، يتمثل في تعاون ثقافي مع روسيا من خلال استحداث مركزين ثقافيين ، بين الجزائر و روسيا اتمثل دورها في بعث حركية ثقافية تزيد من توطيد علاقتنا ، مع أحفاد انطون تشيخوف و تولستوي . اتخايل اسبوعا ثقافيا جزائريا ينقل الى روسيا ثقافتنا من ملبس و مشرب و عادات وتقاليد ، ورقص و موسيقى فقد تهتز الساحة الحمراء باهازيج انغامنا التقليدية تحت دك ضربة السعدواي او حضرة دراويش تحت ابخرة الجاوي ، و من جدار رقصة الرحابة في ذلك الصف الرهيب الذي تتمظهر فيه وحدة صفنا بذوابان الفرد وتنازله عن ذاتيته داخل الجماعة ، و صرير المعالق بايادي الشقراوات الروسيات الجائعات وهن تلتهمن طبق الكسكسي التقليدي الذي لا يقاوم ، و تنزل عليهم الفاجعة مع ثقافة مهراس الزفيطي الذي فيه يتجلى ويُختصر معظم نتاجنا الإجتماعي ، قد ننجح في ارسال رسائل ثقافية تحدد معنى الحياة لدينا واهداف الوجود الأنساني عند الجزائري . فماذا سوف تنقل لنا روسيا من ثقافتها ؟ ان الثابت في الفعل الثقافي و أدواته و مشموله و محموله عندما يروم الافادة و استيراد ثقافات انسانية من حضارات مغايرة ، اعتماده في البدء على فعل الترجمة و نقل اداب و فنون وعلوم الحضارات الاخرى ، و ما ازدهرت الحضارة الاسلامية و العربية ثقافيا و علميا الا بعملية ترجمة النتاج الثقافي لباقي الحضارات من يونان و هند و فرس ، ولنا في الدولة العباسية ابهى مثال ما بلغته حركة الترجمة مع الخليفة العباسي المأمون يعتبر فارقه في تاريخ الحضارة الاسلامية حيث تم ترجمة كتب جل العلوم من رياضيات و فلك و طب و فلسفة يونانية ، وأنشأ لذلك بيتا عامرا بالمعرفة سماه بيت الحكمة.

قول ابن النديم في الفهرست:

«لما استظهر (غلب) المأمون على ملك الروم كتب إليه يسأله الإذن في إنفاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزونة المدَّخرة ببلد الروم، فأجاب إلى ذلك بعد امتناع، فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم الحجاج ابن مطر وابن البطريق وسلم صاحب بيت الحكمة وغيرهم، فأخذوا مما وجدوا ما اختاروا، فلما حملوا إليه أمرهم بنقله، فنقل.» وحسب الرواية التقليدية، فإن المأمون بدأ بمشروع الترجمة بعد منام رائه،

والقول لابن النديم مرة أخرى:

«أن المأمون رأى في منامه كأن رجلا أبيض اللون، مشربا حمرة، واسع الجبهة، مقرون الحاجب، أجلح الرأس، أشهل العينين، حسن الشمائل جالس على سريره، قال المأمون: وكأني بين يديه قد ملئت له هيبة، فقلت: من أنت؟» «قال أنا أرسطاليس، فسررت به وقلت: أيها الحكيم أسألك؟ قال: سل، قلت: ما الحسن؟ قال: ما حسن في العقل، قلت: ثم ماذا؟ قال: ما حسن في الشرع، قلت: ثم ماذا؟ قال: ما حسن عند الجمهور، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم لا ثم، وفي رواية أخرى قلت: زدني قال من نصحك في الذهب، فليكن عندك كالذهب، وعليك بالتوحيد، فكان هذا المنام من أوكد الأسباب في إخراج الكتب.» فأستيقظ من نومه وسأل عن أرسطو طاليس فقيل أنه رجل حكيم من اليونانيين، فاستدعى حنين بن إسحاق باعتباره احسن النقلة، وطلب اليه نقل كتب حكماء اليونان إلى العربية »

ولنا مثال قريب منا زمانا، يبين جوهرية و مركزية الترجمة في استنهاض الامم ، هو ما صنعه رفاعة رافع الطهطهاوي من حركية ثقافية ، ــ بعد ذلك الركود الذي جنا على مصرــ بتأسيسه دار الترجمة سنة 1835 والتي تحولت فيما بعد الى دار الالسن ، حيث صارت منارة معرفية ثقافية بحركة ترجمة واسعة لشتى العلوم فكانت أساسا حقيقيا لحركية ثقافية داخل مصر ، لولا كسر الخيديوي لها ، لكانت مصر اليوم هي ام الدنيا و ابوها . فمن نافلة القول ان الثقافة تلعب دوراً جوهرياً في بناء الانسان وتطوير المجتمع وتقدمه وبلورة الوعي الانساني،خصوصا ًالثقافة ذات الطابع والمضمون الوطني الديمقراطي والحضاري الموجه،التي تعزز الشعور بالفردية والحرية والديمقراطية والمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية ، و ترصب الشعور بالانتماء الجمعي وتسهم في تغيير العقلية السائدة وتفكيك البنى القبلية والعشائرية والحمائلية القديمة ، وهذا الدور يزداد اهمية عندما عند تلاحق الثقافات و احتكاكها عبر وسائل شتى انجعها الترجمة و نقل العلوم . ونتمنى من هذه الاشتراك الجزائري الروسي ان يؤسس لحركية ترجمة تنقل لنا معارف الروس و ندعو القائمين على ثغور الثقافة تاسيس جائزة وطنية للترجمة توجه لطلاب معاهد الترجمة و اللغات تتكفل الدولة بنشر أعمالهم ، فالنهضة دون نقل علوم الحضارات المتقدمة خرط القتاد.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى