
الحفناوي بن عامر غول
قضية كتابة تاريخنا الحديث خاصة فترة الحركة الوطنية والثورة التحريرية المباركة تعود بنا دائما الى نقطة البداية . اذ في كل مرة نسمع عن خبر رحيل احد صانعي تاريخ وأمجاد الجزائر ، يغادرون في صمت وعندما نفتقدهم نتأسف لأننا لم ننبش في الأرشيف( الأبيض) وهم الكبار الذي كانوا بيننا ولم نستنطقهم وهم أحياء ونأخذ منهم الحقيقة والتجربة والحكمة.ففي كل يوم نقرأ خبر نعيهم فتقام لهذا جنازة مهيبة ويرحل ذاك في صمت،واليوم الخبر المحزن جاءنا من مدينة قصر الشلالة العريقة حيث تفقد الجزائر احد مهندسي ثورة التحرير المباركة المناضل والسياسي والمجاهد والوزير السابق الحاج الصافي بوديسة الملقب بـ( سي أحمد الماريكاني) الذي كتب تاريخه بأحرف من ذهب وله بصمات ومسار حافل في الحركة الوطنية اذ كان رفيقا للزعيم الحاج مصالي ولقادة الثورة من بن بلة إلى أحمد مهساس ، كان أحد الذين صنعوا تاريخنا المجيد في الجهادين الأكبر والأصغر ومخزن اسرار من خلال ما كان يبوح به في اللقاءات والندوات التي تعقد حول تاريخ الثورة المباركة رغم واجب التحفظ الذي يبديه حول الكثير من الأحداث، وكانت شهاداته بمثابة القول الفصل.
الصافي بوديسة عاش حياته كمواطن بسيط رغم المكانة التي يحظى بها ،ولد ببلدة البيض سنة 1929 ينتمي لفرقة أولاد حنيش وهي قبيلة عربية من أكبر و أهم قبائل الشعانبة،عاصر مصالي وكانت بينهما صداقة بعدما انخرط في صفوف حزب الشعب الجزائري وانتقل إلى مدن جزائرية عديدة لتتعريف بالحركة وعمل رفقة العديد من المناضلين والمجاهدين مثل بن بلة وبوصوف ومهساس و سي محمد بوقرة وبشير شهاني.عرف بحادثة محكمة البليدة سنة 1951، أثناء محاكمة أعضاء المنظمة الخاصة ليلقي عليه القبض و زج به في السجن ويذكر انه هو من جند الشهيد علي لابوانت .كما عرف بتهريبه لبن بلة ومهساس من السجن سنة 1952وكان محل بحث .لعب دورا كبير في الأزمة بين المركزييـن و المصاليين فقام رفقة عدد من مناضلي حزب الشعب بتوجيه نداء إلى التعقل من أجل توحيد الصفوف نجم عنه لقاء باريس بين الإخوة الفرقاء وعلى رأسهم بوضياف-بن بلة فكانت نتيجته التحضير لمجموعة مجموعة 22 الذي فجرت الثورة.فكان في الصفوف الأولى للمجاهدين وقد اتصل حينها بمصالي الحاج من اجل إقناعه بالالتحاق بالثورة ،ليعلن بعد سنتين عن إنشاء تنظيم نقابي عرف بالجمعية العامة للعمال الجزائريين كان اول من عرف قضية تصفية عبان رمضان حيث التقي معا سنة 1957 في مطار روما .وفي سنة 1958 كلف بالتكفل بالقضايا الاجتماعية لأسر الشهداء ومعطوبي حرب التحرير واتخذ تونس فرعا لها .ثم يقلد سنة 1960 رتبة رائد ويلتحق بقيادة أركان جيش التحرير الوطني حيث كلف من طرف هواري بومدين بتنظيم وتشكيل المحافظة السياسية للجيش.مباشرة بعد الاستقلال أسندت له مهمة إعادة تنظيم القطاع الفلاحي ليتقلد سنة 1964 منصب وزير العمل و الشؤون الاجتماعية ليستقيل عام بعد ذلك ويتفرغ لحياته الخاصة التي قضاها في ربوع صحرائنا الشاسعة فمارس الفلاحة وساهم في أعمال الخير والبر وإصلاح ذات البين.