أقلامالأولى

بين بلوغ أهداف العدوان ونجاح المقاومة

بقلم احسن خلاص

بعد الشروع في تنفيذ اتفاق وقف الاقتتال بين الجيش الصهيوني وحركة المقاومة الإسلامية حماس من الطبيعي وكما جرت العادة أن ينطلق كل طرف في استثمار هذا الوقف وإظهاره على أنه انتصار له. الجانب الصهيوني تحدث عن أهداف تحققت وخسائر كبيرة نجمت تتعلق بتصفية كوادر هامة من حركتي المقاومة والجهاد كان بقاؤها على قيد الحياة يشكل مصدر إزعاج وتهديد لأمن وطمأنينة دولة الاحتلال الإسرائيلي كما تحدثت عن بنى تحتية هامة دمرت كانت تعتمد عليها الحركتان كقواعد خلفية لشن هجماتها على مدن الكيان الصهيوني. خلاصة القول حسب رئيس الوزراء الصهيوني أن “المعتدين” دفعوا الثمن غاليا وأن قوات الاحتلال أعادت حماس سنوات كثيرة إلى الوراء وضربتها بشكل غير مسبوق حيث قتلت منها قادة كبارا ودمرت مائة كيلومتر من الأنفاق ومئات من راجمات الصواريخ… 

وإذا كان هذا هو التقييم الصهيوني لنتائج هذه الجولة من الصراع المسلح بين الصهاينة والمقاومة، تقييم ميني على حصيلة مادية وعلى ما تزعم الدعاية الصهيونية الحربية على أنها خسائر بشرية نوعية فإن طبيعة تقييم المقاومة الإسلامية لا تبدو كذلك بالنظر إلى أن المواجهة لم تكن بين قوتين متوازنتين أو متساويتي الوسائل والإمكانات. ونجد البعد المعنوي هو الغالب في تقييم قادة حركة المقاومة مثل الذي ورد في تصريح لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج خالد مشعل من أن حركة المقاومة في غزة نجحت في تهشيم صورة الجيش الإسرائيلي” من جانب وانتصرت للقدس والأقصى ولا يمكن أن يراهن أحد بعد اليوم على العدو المهزوم كما قال مشعل.

وأظهرت المواجهات التي اندلعت منذ 10 ماي أنها كانت في حقيقية الأمر بين مزاعم إسرائيلية مدعومة من قبل قوى أوروبية وأمريكية بأنها بصدد الدفاع عن النفس بعد بدء حماس والجهاد في التصعيد وبين مقاربة قائمة على المقاومة الدائمة لاحتلال متواصل للكيان الصهيوني عبر جولات تثيرها اعتداءات إسرائيلية على الفلسطينيين أينما وجدوا لاسيما وأن ضحايا الاعتداءات هذه المرة هم سكان حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة. ومن الطبيعي أن لا يكون تقييم نتائج هذه المواجهة بنفس الطبيعة وبالمستوى ذاته. وهو ما جعل مشعل يرى أن إسرائيل تريد أن توهم نفسها أنها انتصرت عندما استعرضت الخسائر من جانب المقاومة ذلك أن الفرق يكمن في أن المقاومة كانت قد هيأت نفسها للتصدي لحرب تستمر أسابيع وشهورا وليس لحرب خاطفة كما هي مقاربة العدو الإسرائيلي لذا فإن إسراع الحكومة الإسرائيلية إلى البحث عن مبررات وذرائع لوقف الحرب كانت منتظرا ومتوقعا بحكم أن التجربة بينت أن الاحتلال لا يتحمل حربا متوسطة أو طويلة المدى.

وكما جرت العادة تحاول إسرائيل التستر ما أمكن على الخسائر التي تسبب فيها قصفها العشوائي البشع في صفوف المدنيين غير أن الأرقام التي قدمتها وزارة الصحة بالقطاع تحدثت عن 230 قتيلا من بينهم 65 طفلا و39 امرأة و17 مسنا إضافة إلى عدد من الجرحى يفوق 1710 جريحا متفاوتي الخطورة. وفي الطرف الصهيوني لم تتحدث سلطات الاحتلال إلا عن 12 قتيلا و336 جريحا والأهم من ذلك الفزع الذي نال جميع سكان مدن الاحتلال.

وإذا كان هذا هو تفسير الجانبين المتصارعين للنتيجة الواحدة وهي وقف الاقتتال الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من هذه الجمعة فإن القراءة التي قدمتها وسائل الإعلام في دول التطبيع لا تقل أهمية وهي التي وضعت وقف إطلاق النار في حيز الإنجاز الذي حققه الضغط على إسرائيل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وعلى حماس من قبل مصر. غير أن وسائل إعلام دول التطبيع حاولت أن تبرز أنه إنجاز أمريكي بعد الضغط الذي مارسه الرئيس الأمريكي جو بايدن على إدارة الاحتلال.

وبعيدا عن تقييم جولة الصراع العسكري بين المحتلين “المدافعين عن أنفسهم” والمقاومين بغية تحقيق توازن الرعب بعد أن أخذت الأرض زخرفها وازين وظن المحتل أنه قادر عليها بسبب الخطوات التي قطعها المحتل في مساعي التطبيع. فإن نتائجها لا يمكن أن تكون بمنطق الربح والخسارة فحسب بل أن أهميتها في أنها بينت أن شيء يخدم الفلسطينيين وقضيتهم خارج دائرة المقاومة حيث فندت أيام الصدام هذه أن التبريرات ظلت تقدمها دول التطبيع واهية وأن مقاربة المفاوضات والتسوية لا تسمن ولا تغني من جوع. فالطريق الوحيد الذي يمكن أن يتفاعل معه الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي إنما هو طريق المقاومة مهما كانت خلفيته السياسية ودليل ذلك أن الجسم العربي اشتكى حتى داخل ما يسمى إسرائيل 1948 كما اشتكى في جنوب لبنان وفي كل بقعة يوجد فيها الأحرار.

توقفت جولة من النزاع المسلح ليبقى الصراع القديم قائما ويبقى مع الخلاف الفلسطيني الفلسطيني دون أن يجد لنفسه طريقا إلى الحل بسبب الشرخ القائم بين أسلوبين للتحرير، أسلوب قائم على التسوية وفق الاتفاقات الدولية وأسلوب آخر قائم على المقاومة.      

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى