أقلامالأولى

بين شباب (التيك توك) و التهديدات النووية

بقلم: الوليد فرج

هدد الرئيس الامريكي  دونالد ترامب البارحة ، بحجب (التيك توك) أو (دوين) هذا التطبيق الصيني الصغير ، الذي أسسه  (تشانغ يي مينغ) . انتشر بين المراهقين ، انتشار الجراد في الزرع ،  فأكثر مستخدمي هذه الشبكة الاجتماعية تتراوح أعمارهم ما بين 16 عاما و 24 عام ، حيث صنف أعلى التطبيقات تحميلا عام 2018 بـ 800 مليون تحميل مع 500 مليون مشترك نشط ، لما يتيحه من ميزة تقليد و محاكاة ، مقاطع الفيديو ، ولم يكتفي هذا التطبيق بذلك ، بل أتاح فرصة تحقيق الربح ، كباقي المنصات المنافسة . 

فهل هو تطبيق برئ موجه إلى المراهقين للعب ؟ أم وراء الأكمة تهديد للأمن الدول التي ينتشر فيها ؟ 

قبل البارحة ، تمت محاكمة ثلاثة شابات مصريات تيكتوكيات ، نشرنا فيديوات وهن يتراقصن ، فاتهمتهن النيابة المصرية بتهمة الإخلال بالآداب العامة ، وتمت إدانتهن ، رغم أن المادة التي نشرتها الفتيات لم تسقط فيما سقطت فيها هيفاء وهبي. 

 في نفس الوقت هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، بتوقيف و حجب تطبيق التيك توك (اهتزاز الصوت) ، هذا التطبيق الصغير ، مدعيا انه يهدد الأمن القومي الأمريكي ، وتوعد أنه سوف يوقِّع على أمر تنفيذي يوم الفاتح من أوت 2020 ، يقضي بحظر هذا التطبيق ، الذي يشتبه في إمكانية وقوع عمليات تجسس بواسطة مستخدميه ، تشنها المخابرات الصينية ، في انتظار تنفيذ ترامب لتوعّده بحرمان 80 مليون أمريكي مشترك في التطبيق ، و التداعيات التحديات القانونية لهذا الإجراء ، و نقلا عن موقع دو تش وال ، رفضت إدارة التطبيق الإدلاء بأي تعليق على تصريحات الرئيس الأميركي، مكتفية بالقول “نحن واثقون من نجاح تيك توك على الأمد الطويل”. وأضافت: “مئات الملايين من الأشخاص جاؤوا إلى تيك توك للتسلية والاتصال، بمن فيهم مبدعون وفنانون يكسبون لقمة عيشهم من المنصة”. في انتظار البدائل التي صرح بها ترامب . 

فهل التيك توك هو التحدي الاول لإدارة دونالد ترامب ؟ 

مرت أمريكا بعدة منعرجات وتقليات أمنية حاسمة ، بداية من الحرب الباردة ، إلى هجمات 11 سبتمبر ، مما استوجب مراجعة السياسة الأمنية القومية ، و تحيينها مع متطلبات الوضع . فمن الضغوطات و المخاطر التي مازلت تتهددها من طرف تنظيم داعش النشط إلى اليوم ، في سوريا و العراق ، التنامي الرهيب للقوة العسكرية الصينية في شرق آسيا ، بالإضافة إلى التهديدات النووية التي تلوِّح بها كوريا الشمالية ، مع طموحات المصالح التوسعية في منطقة الخليج الفارسي وما جاورها التي تسعى إليها إيران منذ سنين ، وتبقى العدو التقليدي ، الذي يشكل التهديد الأول لأمريكا هي روسيا والتي غالبا ما تفصح عن حقوقها الإقليمية التاريخية ، في عدة مناطق فألحقت القرم بالقوة ، و الاحتكاك المستمر بأوكرانيا ، رغم العلاقات الإستراتيجية بينهما و المتمثلة في مرور أنبوب نقل الغاز الروسي عبر تراب أوكرانيا ، نحو أوروبا ، والذي استعاضت روسيا عنه بمد أنبوب غاز عبر بحر البلطيق نحو ألمانيا (نورثستريم) ، وبعد فشل المشروع الاستراتيجي الثاني المتمثل في ساوثستريم ، تم بعث مشروع تركش ستريم (السيل التركي) ، لتتفرغ روسيا بعدها  لتهديداتها لدول حلف شمال الأطلسي في منطقة البلطيق وأماكن أخرى .

رغم ضبابية الوضع التمويلي للسياسة العسكرية الأمريكية و البرنامج الدفاعي المتزايد للإدارة الأمريكية ، ففي تقرير الميزانية لسنة 2015 فقط ، الصادر عن الرئيس بلغ حجم المبلغ المخصص للدفاع ،  الذي طلبه 115 مليار دولار وذلك خلال 05 سنوات ، وهو سقف المبلغ المسموح به ، في قانون مراقبة الميزانية ، غير أن الكونغرس يتدارس إمكانية تمويل السياسة الدفاعية العسكرية فوق هذا السقف المحدد في قانون مراقبة الميزانية ، وبالفعل تم استحصال أموال إضافية ، تم ضخها بطريقة تدريجية و مجزأة ، مما أدخل خبراء البنتاغون في حيرة حول موارد التمويل مستقبلا ، و رغم ذلك تبقى ميزانية وزارة الدفاع غير كافية ، للتصدي للتهديدات و  للمطالب الجديدة ، المتنامية المفروضة على القوات الأمريكية ومن التحديات نذكر :

– تسارع التسلح الروسي بوتيرة غير مسبوقة مع  اُستخدمه القوة في السيطرة على الدول القومية المحيطة به .

– تستمر الصين في زيادة إنفاقها على الدفاع بمعدلات ثنائية الأرقام، ما يسمح لقواتها المسلحة باستخدام مجموعة لافتة من الأسلحة الحديثة مع انتهاجها  إستراتيجية إقليمية أكثر حزما. مع تأسيسها لقوة بحرية قوية و تغطيتها لثغرات الضعف داخل قواها لا سيما بعد اقتنائها لحاملتين طائرات ، مما يسمح لصواريخها لبلوغ أهدافها ، في كل بحر الصين الجنوبي ، مع سيطرتها على وسائل التزود بالبنزين في الجو .

– التزام الولايات المتحدة الامريكية بالتواجد و التدخل بأعداد من القوات التي لم تكن متوقعة ،  في كل من العراق و افغنستان ، للتصدي للقاعدة و الدولة الاسلامية ، و ما يتبعهما من اذرع مسلحة .

مع معضلة الانفاق العسكري الذي تستهلكه السياسة الدفاعية الأمريكية ،المتزامنة مع تصاعد حدة التحديات و التهديدات في أكثر من مكان عبر العالم ، قرر الرئيس الامريكي دونالد ترامب بسحب 12 ألف  جندي امريكي من ألمانيا ، حيث سيعود منهم 6400 جندي الى الديار ، فيما يتم إعادة نشر الباقي على دول خلف الناتو  كبلجيكا وايطاليا ، وأرجع ترامب هذا الاجراء لعدم وفاء ألمانيا بالتزامتها المالية ونقلا عن البي بي سي قال ترامب :  إن “الخطوة تأتي رداً على فشل ألمانيا في بلوغ الهدف الذي حددّه الناتو من ناحية الإنفاق الدفاعي”. فيما لاقت خطوته هذه شجب و معارضة الكثير من اعضاء الكونغرس ، حيث اجابهم من خلال المراسلين الصحفيين من امام البيت الابيض قائلا :”لم نعد نريد أن نكون المغفلين بعد الآن…نحن نخفض قوتنا لأنهم لا يدفعون مستحقاتهم، الأمر بسيط للغاية”. نقلا عن نفس المصدر .   

تشي هذه التطورات اذا ما نظرنا اليها مجتمعة ،  إلى عدم انسجام الاستراتيجية الامريكية الدفاعية بين المتطلبات و الموارد ، وعوض تذليل هذه العقبة ، راح ترامب يلاحق المراهقين في تطبيق التيك توك حيث ارجع بعض المتتبعين إلى أن نقمه الحقيقي من هذا التطبيق يرجع إلى تلاعب بعض التيكتوكيون بحجز مقاعد لهم اثناء لقاء لترومب و غيابهم عنه مما افشل هذا اللقاء ، مع ما فعلته الممثلة الهزلية من اصول جمايكية (سارة كوبر) مؤخرا بتقليدها وسخريتها من ترامب عبر فيديو في التيك توك لاقى تفاعلا كبيرا ، مما زاد حنق الرئيس الامريكي على هذا التطبيق .

ويبقى خطر التهديدات الفعلية التي سبق ذكرها و العقبات التمويلية للتصدي لها ، أولى من التيك توك و هواجس الرئيس الأمريكي .  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى